الباحثة شذى خليل*
يواجه الاقتصاد العراقي جملة من التحديات بدءاً من التراجع الكبير بأسعار النفط وصولاً إلى التوترات الجيوسياسية والاضطرابات الاجتماعية في سياق ضعف الخدمات العامة وعدم إحراز تقدم في مكافحة الفساد المستشري، الذي أفرز الفقر والبطالة لمعظم أبناء الشعب، واليوم يواجه تداعيات أزمة كورونا الموجعة.
تقرير لمعهد التمويل الدولي يقول ان العراق مر العام الماضي بأسوأ نسبة انكماش منذ عام 2003 حيث بلغت 11.2%، و تعاملت البلاد مع صدمتين مزدوجتين تمثلت في انخفاض اسعار النفط وانتشار فايروس كورونا، لكن وعلى الرغم من ذلك فإن من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي النفطي 1.6٪ هذا العام، والناتج المحلي غير النفطي بنسبة 3.1٪.
اما البنك الدولي فيقول ان الاقتصاد العراقي وبعد مرور زهاء عقدين من الزمن
ما زال البلد عالقاً في واقع هش، ويواجه حالة متزايدة من انعدام الاستقرار السياسي، والاضطرابات الاجتماعية المتصاعدة، وفجوة متزايدة العمق ما بين الدولة والمواطن. وفي خضم عدد من الأزمات؛ بما في ذلك تراجع أسعار النفط، وجائحة كورونا، والاحتجاجات الأخيرة. يضاف إليها تراكم تأثيرات السياسات الاقتصادية الضعيفة، وغياب الإصلاحات، والعجز عن معالجة الفساد.
وشهد العراق الآن أسوأ أداء للنمو في الناتج المحلي الإجمالي السنوي خلال عام 2020 ، ويظل انعدام الاستقرار، وعدم توافر فرص العمل، والفساد، وضعف تقديم الخدمات، من بين المخاطر الأهم التي تحيط بالنمو طويل الأمد في البلاد.
وإن عاملي انخفاض الاسعار وانتشار الوباء إلى جانب عدم الاستقرار السياسي المستمر في البلاد، أدى إلى تضخم عجز الميزانية العراقية إلى 15.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وانخفاض حاد في احتياطاته الرسمية.
قانون الموازنة ومشكلاته:
تضمن مشروع قانون موازنة العام 2021، الذي تقدمت به الحكومة العراقية إلى البرلمان، نسبة عجز تاريخية، ما أثار جدلا واسعا بشأن قدرة موارد الدولة على مجاراة هذا الحجم الهائل من النفقات المتوقعة.
ومع تغيير سعر صرف الدينار العراقي أمام العملات الأجنبية مؤخرا من 1190 دولارا لكل دينار إلى 1450 دينارا لكل دولار، وتقدير الأرقام الواردة في الموازنة بالدينار العراقي وفق سعر الصرف الجديد، حيث تلاحظ الفجوة الكبيرة بين حجم النفقات والواردات المتوقعة.
وأن قيمة العجز المتوقعة في موازنة العراق للعام 2021 هي أكثر من 50 مليار دولار أميركي، وشكلت هذه الأرقام مفاجأة داخل أوساط المال والاقتصاد، حيث أنها تأتي في عام يفترض أن يشهد تقشفا كبيرا، بسبب انخفاض عوائد النفط واستمرار التأثيرات السلبية لجائحة كورونا على الاقتصاد، وغياب أي أفق للازدهار.
وأظهرت موازنة العام 2021 كيف أن العراق يعتمد بشكل شبه تام على عوائد بيع النفط، إذ يخطط مشروعها لبيع 3.25 مليون برميل يوميا بسعر 42 دولارا لكل برميل، لجمع قرابة 50 مليار دولار خلال 12 شهرا، هذا يؤكد ضعف السياسة الاقتصادية المتبعة في العراق والقائمة على العشوائية والتخبط بالقرارات إذا كانت هناك قرارات للإصلاح.
ولكي تعظم الواردات غير النفطية، اتجهت الدولة الى تضمين مشروع الموازنة فرض ضرائب على قطاعات العمل الحيوية في البلاد، مثل شركات الهاتف النقال التي بلغت ضريبة مبيعات بطاقات التعبئة الصادرة عنها 20%، فيما سيكون على كل عراقي يريد السفر إلى أية دولة أخرى أن يدفع نحو 18 دولارا، أو 7 دولارات إذا أراد أن يسافر داخليا.
ويفرض مشروع الموازنة ضريبة بقيمة 10% على المجمعات التجارية والأسواق الكبيرة، ومثلها على مبيعات السيارات، فيما بلغت نسبة الضريبة على المشروبات الروحية والتبغ 20%.
ولم ينج من الاستقطاعات ضمن قانون الموازنة لعام 2021، سوى الموظفين الذين يحصلون شهريا على أقل من نحو 300 دولار شهريا، حيث كلما ازداد راتب الموظف ازداد حجم الاستقطاع الشهري.
ويبدو أن سلسلة المشكلات في الموازنة دون تعديلات تؤدي إلى مشاكل متوارثة ودون حلول جذرية.
ويقول عضو اللجنة المالية في مجلس النواب جمال كوجر، إن “هناك كثيراً من الملاحظات على قانون الموازنة الاتحادية العامة للبلاد لهذا العام”، مبيناً أن مسودة الموازنة بحاجة إلى تعديلات كبيرة قبل إقراراها.
وأن “مهمة اللجنة المالية ستكون شاقة، وستشهد الموازنة تغييرات في أبوابها وفقراتها، لذلك سيستغرق إنجاز هذه التعديلات وقتاً”، لافتاً إلى أن “الموازنة جاءت في وقت عصيب في ظل محاولات لإفشال الحكومة وظرف اقتصادي صعب، إضافة إلى التدخلات الخارجية مع محاولات لإيقاف مشروع ميناء الفاو ومطالبات باستثمار الغاز العراقي وضغوط لدعم المنتج المحلي وتنشيطه”.
ويضيف اقتصاديون، ان الموازنة لا تتفق مع الواقع المالي والاقتصادي العراقي، وتحتوي على مشكلات ربما تسبب أزمات كبيرة لاحقة إذا تم تمريرها بهذا الشكل”.
“مشروع الفاو” الذي يعد من المشاريع الإستراتيجية لم يُخصص له سوى 400 مليار دينار (قرابة 273 مليون دولار)، وهو يمثل 12% من كلفة إنشاء الميناء، فيما خُصصت مبالغ كبيرة للصيانة والمستلزمات السلعية للوزارات”. ويرون أن “الموازنة تتجاهل الواقع الاقتصادي الحقيقي للبلد ، ومخالفة لقانون الإدارة المالية لعام 2019، الذي يحدد عجز الموازنة 3% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن نسبة العجز في هذه الموازنة من الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 24%.
“نسبة إقليم كردستان”، من أبرز المشكلات التي تُعد من القضايا الصعبة وستدخل في باب المزايدات السياسية مع غياب في التوازن والتوزيع العادل للموارد المالية بين الوزارات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض المحافظات السُنية”.
ويوضح أن “موازنات نينوى وصلاح الدين والأنبار تبلغ 918 مليار دينار (قرابة 628 مليون دولار)، وعدد سكانها يبلغ 6 ملايين و708 آلاف، في حين تبلغ موازنة محافظة سُنية أخرى وهي ديالى نحو تريليون دينار (قرابة 684 مليون دولار) وعدد سكانها قرابة مليون و548 ألفاً.
يتضح ان هناك سوء توزيع وتخطيط في بعض الوزارات، فمثلاً تبلغ موازنة وزارة الزراعة 310 مليارات دينار (212 مليون دولار)، فيما تبلغ موازنة الوقف السني 309 مليارات والوقف الشيعي 830 مليار دينار (قرابة 568 مليون دولار)، وهي تمثل سبعة أضعاف موازنة وزارة الزراعة، مع وجود مبالغة في الحجم الكلي للموازنة.
“وبحسب عضو اللجنة المالية، لم تُراع الورقة الإصلاحية التي اقترحتها اللجنة المالية، إنما اقتُصر على فرض ضرائب واستقطاعات من دون إصلاحات، والذي أشار إلى أن “قانون الموازنة لم يعالج الفساد الإداري، واختُزل في قضية تعدد الرواتب والمنافذ الحدودية من دون وضع سقف زمني لإنجاز هذا الأمر”.
ويرى مختصون ان الموازنة لا تتوافق مع الانكماش الاقتصادي وانخفاض أسعار النفط وأزمة كورونا وما يعانيه الاقتصاد من أزمات متتالية، ورغم كل الظروف الاستثنائية تبقى الموازنة ثاني أكبر موازنة من موازنات الدول العربية وغارقة في النفقات.
إن تمويل العجز، وفق الموازنة، سيكون عن طريق الاقتراض الداخلي والخارجي وإصدار السندات الوطنية، وهذا سيُغرق البلد في الديون ويضر في الاقتصاد العراقي”. وخلصوا إلى أن “الحكومة تعمدت إرسال الموازنة في وقت متأخر لإحراج البرلمان، حيث تبلغ قيمة القروض الداخلية للدولة العراقية نحو 80 تريليون دينار عراقي (67.7 مليار دولار)، أما الديون الخارجية فتبلغ نحو 60 مليار دولار، أكثر من نصفها ديون سجلت خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي إبان الحرب العراقية- الإيرانية.
وذكر صندوق النقد الدولي، أن عجلة الانتعاش الاقتصادي في العراق لا تزال تسير بوتيرة بطيئة، ومشروعات إعادة الإعمار محدودة جداً، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، فيما يعزز الإنفاق الجاري الكبير المخاطر التي تحدق بالاقتصاد العراقي، مما يضع الأموال العامة واحتياطيات البنك المركزي على مسار لا يمكن دعم استمراريته. وأكد التقرير، الصادر في 2019، أهمية مكافحة الفساد لأجل تعزيز فعالية المؤسسات العامة، ولدعم جهود الاستثمار، وإيجاد فرص العمل من جانب القطاع الخاص.
وفي القطاع المالي، دعا الصندوق الحكومة العراقية إلى إيجاد خطة قوية لإعادة هيكلة مصارف القطاع العام الكبيرة الحجم، وما يقترن بذلك من تعزيز الرقابة على المصارف، والذي قال إنه أصبح ضرورة لتأمين الاستقرار المالي، كما دعا إلى تعزيز التطوير والشمول المالي، ووضع ضوابط أقوى لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز عمليات الإشراف، مما يساعد العراق على منع إساءة استعمال القطاع المالي بالبلاد لأغراض جني العوائد الإجرامية المتأتية من غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وبحسب المحللين، فإن هذه الاستقطاعات هي محاولة حكومية لإجبار المواطن العراقي البسيط على تحمل مسؤوليات جسيمة لم تكن له يد في أسباب وجودها.
خاتما حاجة العراق الى المزيد من الاستثمارات العامة لإصلاح البنية التحتية التي دمرتها الحرب وتعزيز توفير الخدمات العامة الاساسية، بما في ذلك الكهرباء.
ويحتاج الإنفاق الحالي إلى إعادة توجيهه إلى الصحة، وتقليل الإنفاق على الأجور والمعاشات التي تمثل 65% من إجمالي الانفاق العام، والقضاء على الفساد المستشري، وضعف الإطار التنظيمي، وبيئة الأعمال السيئة، لأنها لا تزال تعيق تنمية القطاع الخاص، وخلق فرص العمل، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ومشكلة الشركات في الحصول على الائتمان والوصول إلى الكهرباء والتجارة وحماية حقوقهم في اطار تشجعهم على تدوير عجلة الاستثمار .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية