مثل رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس المحتلة خلال افتتاح الجلسة الثانية من محاكمته على تهم الرشوة والغش وخيانة الأمانة، بعد أن كانت الجلسة الأولى التي افتتحت في أيار/ مايو الماضي قد تأجلت بسبب الإغلاق الذي أعقب تفشي جائحة كوفيد ـ 19. وبهذا فإن نتنياهو بات أوّل رئيس حكومة في دولة الاحتلال يمثل أمام القضاء بتهم جنائية وهو على رأس عمله، وقد سعى خلال ثلاث دورات انتخابية للكنيست إلى المماطلة والتسويف وتحريض الأنصار على القضاء والظهور بمظهر الضحية.
وكانت البراهين على التهم الثلاث أقوى من أن تتجاهلها تقارير الشرطة الإسرائيلية أو يتغاضى عنها القضاء، ففي تهمة الرشوة وحدها أوضحت المعطيات أن نتنياهو تلقى هدايا فاخرة وعديدة من أحد أساطين هوليود لقاء تقديم سلسلة من الخدمات، وفي تهمة الغش تواطأ مع ناشر صحيفة ضدّ ناشر صحيفة أخرى لقاء تغطيات انتخابية متعاطفة مع نتنياهو والليكود، ومقابل خدمات مماثلة خان رئيس الحكومة الثقة وتواطأ على الخداع عن سابق قصد. وفي الحالات الثلاث لا ينكر دفاع نتنياهو الوقائع، لكنه يحيلها إلى مقاصد سياسية لا صلة تجمعها بمحاولات الإثراء الشخصي، وفي هذه الاستراتيجية الدفاعية الواهنة الدليل الأوضح على نقائض المزامع.
غير أن الدلالة الكبرى خلف مثول نتنياهو أمام المحكمة على خلفية التهم الثلاث لا تقتصر على حقيقة أنه ارتشى وغشّ وخان الأمانة، فالسلطة مفسدة بصفة عامة وهنالك سابقة حالات الفساد التي حوكم على أساسها رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت، وليس مفاجئاً أن يكون محامي الأخير هو اليوم في طاقم الدفاع عن نتنياهو. الأبرز في دلالات محاكمة نتنياهو هو إصرار شرائح غير قليلة من الإسرائيليين على التشبث به كرئيس للحكومة رغم اتضاح تلوثه وغرقه في الفساد، والإمعان كذلك في تصديق سردية الليكود القائلة بأن المحاكمة سياسية وأن نتنياهو مستهدف بسبب شعبيته وتفوّقه على السياسيين الإسرائيليين كافة. وضمن هذا اليقين الأقرب إلى هستيريا جماعية مفتوحة واصل نتنياهو جني ثمار شعبيته هذه رغم أن تهم الفساد ظلت تلاحقه خلال ثلاثة انتخابات، بل تشير استطلاعات الرأي إلى أنه سوف يحصد المزيد من المكاسب حتى قبيل أسابيع قليلة تسبق انتخابات الكنيست.
وبهذا فإن دولة الاحتلال، التي تتفاخر بأنها واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وبهذا يتباهى الكثير من حلفائها ومسانديها في الغرب، لا تبرهن مجدداً على أن ركيزة الديمقراطية كما يتوجب أن يعكسها القضاء ليست متأصلة في نفوس ناخبي نتنياهو وأمثاله فحسب، بل يحدث أيضاً أنها تنقلب فعلياً إلى ألعوبة مشجعة على الفساد بدل أن تكون رادعة للفاسدين. وغير مستغرب والحال هذه أن يكون نتنياهو الفاسد هو أحد كبار دعاة العنصرية والاستيطان وانتهاك القانون الدولي وحقوق الإنسان، وأن تتنامى شعبيته على أسس كهذه، وأن يجد أحد أبرز داعميه في شخص الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
لكن الأسئلة بصدد محاكمة نتنياهو بالكاد بدأت، وثمة الكثير الذي يُنتظر من مداولات القضاة الثلاث، بافتراض أن الجلسات لن تشهد تأجيلاً بعد آخر، قبل الانتخابات وبعدها سيان.
القدس العربي