واشنطن – حملت الضربات العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة ليل الخميس الجمعة ضد ميليشيات شيعية موالية لإيران متهمة بتنفيذ هجمات على مواقع أميركية في أربيل رسالة متعددة للأطراف الأجنبية الموجودة على الأراضي السورية مثل روسيا وإيران مفادها: تضربون ونضرب، وأن واشنطن لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام استهداف مواقعها العسكرية والدبلوماسية.
وفهمت روسيا الرسالة الأميركية بسرعة، ودعا وزير الخارجية سيرجي لافروف الجمعة الولايات المتحدة إلى إعادة الاتصالات مع موسكو وتوضيح موقف إدارة بايدن بخصوص سوريا.
وأوضح لافروف أثناء مؤتمر صحافي في موسكو أن العسكريين الروس تلقوا إخطارا من الجانب الأميركي بشأن الغارات الجديدة قبل أربع أو خمس دقائق فقط من شنها، مضيفا “حتى إنْ تحدثنا عن إجراءات منع وقوع الاشتباك المعتادة في العلاقات بين العسكريين الروس والأميركيين فإن مثل هذا الإخطار الذي يأتي بالتزامن مع تنفيذ الضربة لا يجلب أي منفعة”.
وقال محللون إن ردة الفعل الروسية على الهجمات تعود إلى كون موسكو قد فوجئت بسرعة رد واشنطن على استهداف مواقع لها في مدينة أربيل في الوقت الذي كان فيه الروس يتوقعون أن يكرر بايدن تجربة باراك أوباما في النأي بالنفس عن التدخل المباشر في الملف السوري، وإدارة الملف عن بعد.
ولا تكمن محاذير هذا الهجوم فقط في غياب التنسيق مع روسيا لتجنب أي أخطاء تقود إلى اشتباك، وإنما تتضمن أيضا رسالة سلبية بشأن مسعى روسيا لإعادة تأهيل نظام بشار الأسد، وجعل الاعتراف الدولي به أمرا واقعا.
وأعلن المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي في بيان يوم الخميس أنه “بناء على توجيهات الرئيس بايدن، نفذت القوات العسكرية الأميركية ضربات جوية استهدفت بنية تحتية تستخدمها جماعات متشددة مدعومة من إيران في شرق سوريا”.
وكشف أن الضربات دمرت عدة منشآت في نقطة سيطرة حدودية تستخدمها جماعات متشددة مدعومة من إيران ومنها كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء.
وقال مسؤول أميركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن “قرار توجيه هذه الضربات كان يهدف إلى إرسال إشارة مفادها أن الولايات المتحدة تريد معاقبة الجماعات المتشددة لكنها لا تريد أن ينزلق الوضع إلى صراع أكبر”.
وأضاف أن “بايدن عُرضت عليه عدة خيارات واختار أقلها تخليفًا للعواقب”.
ويرى محللون وسياسيون أن الهجوم لم يكن مقتصرا على توجيه رسالة إلى الفصائل الموالية لإيران في العراق، وإلا لكان وجّه ضربات للمجموعات التي كانت وراء الاستهداف على الأراضي العراقية، لكن الهدف الأكثر وضوحا هو توجيه رسالة إلى إيران يتعلق فحواها بدورها الإقليمي في العراق وسوريا واليمن.
ويلفت هؤلاء المحللون والسياسيون إلى أن إدارة بايدن أرادت أن تثبت للمسؤولين الإيرانيين أن لديها بدائل متعددة لجلب طهران إلى طاولة المفاوضات، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام رفضها العودة إلى طاولة الحوار في الملف النووي والاستمرار في وضع الشروط المعرقلة قبل رفع العقوبات أولا.
ويعتبرون أن الرسالة الأميركية تعمل على تبديد ما حصل من التباس في أذهان الإيرانيين بشأن الإدارة الجديدة، وأن تبني مسار الحوار في الملف النووي أو في الأدوار الإقليمية لإيران، وخاصة في موضوع اليمن، لا يعني ضعفا وتسليما بالأمر الواقع.
ويعتقد مايكل ماكول، أبرز عضو جمهوري في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، أن الضربات “إنذار لإيران ووكلائها وخصومنا في جميع أنحاء العالم بأنه لا تهاون مع الهجمات على المصالح الأميركية”.
وقالت سوزان مالوني من معهد بروكنجز للأبحاث على تويتر إن الضربات “خطوة جيدة” أظهرت أن إدارة بايدن يمكنها أن تتفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووي وفي الوقت نفسه تتصدى للفصائل التي تدعمها.
وجاءت الهجمات الصاروخية على مواقع أميركية في العراق في وقت تبحث فيه واشنطن وطهران عن طريق يعود بهما إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015 والذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
ولم يتضح ما إذا كانت الضربات ستؤثر على الجهود الأميركية الرامية إلى إقناع إيران بضرورة التفاوض بشأن عودة الجانبين إلى الامتثال للاتفاق النووي.
وقال بلال صعب، المسؤول السابق في البنتاغون والباحث حاليا في معهد الشرق الأوسط بهولندا، “الضربة، بالطريقة التي أراها، كانت تهدف إلى ضبط النبرة مع طهران وتقويض ثقتها المتضخمة قبل المفاوضات”، وأضاف “لا تريد الدخول في محادثات محتملة مع إيران بشأن أي قضية بكدمة في وجهك من هجمات أربيل”.
وفي هجوم الخامس عشر من فبراير أصابت صواريخ القاعدة العسكرية الأميركية في مطار أربيل الدولي بالمنطقة التي يديرها الأكراد، مما أسفر عن مقتل متعاقد غير أميركي وإصابة عدد من المتعاقدين الأميركيين وأحد أفراد الخدمة الأميركيين. وبعد أيام سقط وابل من الصواريخ على قاعدة تستضيف قوات أميركية شمالي بغداد مما أصاب متعاقدا واحدا على الأقل.
ويوم الاثنين ضربت صواريخ المنطقة الخضراء في بغداد، وهي منطقة تضم السفارة الأميركية وبعثات دبلوماسية أخرى.
ورغم أن كتائب حزب الله نفت أي دور لها في الهجمات الصاروخية يقول بعض المسؤولين الغربيين والعراقيين إن الهجمات التي غالبا ما تعلن جماعات غير معروفة المسؤولية عنها ينفذها متشددون لهم صلات بكتائب حزب الله كأسلوب يتبعه حلفاء إيران لإزعاج القوات الأميركية دون محاسبة.
ومنذ أواخر عام 2019 نفذت الولايات المتحدة ضربات استهدفت كتائب حزب الله في العراق وسوريا ردا على هجمات صاروخية على القوات التي تقودها واشنطن أوقعت قتلى في بعض الأحيان.
العرب