قال الجيش الأميركي إن اثنتين من القاذفات الإستراتيجية الأميركية من طراز بي-52 (B-52) حلقتا في سماء الشرق الأوسط للمرة الرابعة منذ بداية العام، والثانية منذ تولي الرئيس جو بايدن السلطة.
وذكرت القيادة المركزية للجيش الأميركي أن القاذفتين حلقتا في سماء المنطقة ترافقهما طائرات عسكرية من دول إقليمية؛ بينها إسرائيل والسعودية وقطر.
ولم يأت الجيش الأميركي على ذكر إيران في بيانه مباشرة، لكنه أشار إلى أن المهمة تهدف إلى ردع العدوان وطمأنة حلفاء الولايات المتحدة وشركائها.
واعتبر عدد من المعلقين أن واشنطن بإرسالها القاذفتين للمنطقة تبعث رسالة مباشرة لطهران؛ مفادها إظهار جاهزية القوات الأميركية، واستعدادها للرد على الهجوم الأخير الذي استهدف قاعدة عين الأسد بالعراق، في الزمان والمكان اللذين تختارهما، كما جاء على لسان وزير الدفاع لويد أوستن في مقابلة مع شبكة “إيه بي سي” (ABC).
لماذا بي-52؟
تُعد القاذفة بي-52 درة تاج القوات الجوية الأميركية، فهي قاذفة طويلة المدى، عابرة للقارات، قادرة على حمل الأسلحة النووية، وذلك منذ بدء طيرانها في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، أثناء فترة حكم الرئيس دوايت أيزنهاور.
ومنذ عام 1952 وحتى الآن، أنتجت شركة بوينغ 744 قاذفة لحساب وزارة الدفاع الأميركية، وتم إيقاف العمل ببعض القاذفات القديمة، وتتم الاستعانة بالقاذفات المطورة التي بقيت منها 70 قاذفة، وينتظر أن تبقى في الخدمة حتى منتصف خمسينيات هذا القرن.
ولا تمتلك أي دولة أخرى هذا النوع من القاذفات العملاقة، أو أي قاذفات أخرى تقترب من إمكانياتها.
وتتميز هذه القاذفة بوجود 8 محركات، تسمح لها بالطيران بسرعة تتخطى ألف كيلومتر في الساعة، ويمكنها الطيران من قواعدها داخل الولايات المتحدة لأي بقعة في العالم من دون الحاجة للتوقف للتزود بالوقود.
ونظرا لضخامة الطائرة -التي يبلغ طولها 48 مترا وعرضها 56 مترا، وترتفع عن الأرض 12 مترا- فإنها تحمل المئات من صواريخ كروز، وأكثر من 30 طنا من القنابل المتنوعة.
ولا تتوقف شركة بوينغ عن التطوير المستمر لأنظمة التسليح أو شبكة الاتصالات للقاذفة العملاقة.
ولا تملك القاذفة بي-52 سجلا ناصعا في العمليات القتالية؛ فرغم تميزها عن بقية القاذفات حول العالم، فإن القوات الفيتنامية الشمالية الشيوعية استطاعت خلال حرب فيتنام، وفي عام 1972 تحديدا، وبمساعدة صواريخ سام الروسية المضادة للطائرات؛ إسقاط أكثر من 30 منها.
واستخدمت واشنطن القاذفة في كل حروبها التالية؛ بدءا من حرب تحرير الكويت عام 1991، ثم حرب البلقان عندما شنت هجمات على جمهورية يوغوسلافيا السابقة عام 1999، ثم حرب أفغانستان في 2001، وغزو العراق عام 2003.
كما استخدمتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في غاراتها الجوية على شرق سوريا عام 2018.
ويعتقد مايكل روبين، المسؤول السابق بوزارة الدفاع، والخبير بمعهد أميركان إنتربرايز (American Enterprise Institute)؛ أن إرسال قاذفتين من طراز بي-52 إلى الخليج ليست له أهمية خاصة.
وقال روبين -في حديث مع الجزيرة نت- إن “ما يجري يعد شيئا عاديا؛ ففي أول 24 ساعة من حرب عاصفة الصحراء عام 1991 حلقت القوات الجوية بـ7 طائرات من طراز بي-52. ولو كانت واشنطن جادة وتستعد لخوض الحرب أو شن هجمات، لكنا نحلق بالكثير من بي-52 أكثر مما نحن عليه الآن”.
من جانبه، أشار الخبير العسكري ديفيد دي روش، المحارب السابق والأستاذ المساعد في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأميركية؛ إلى أن إرسال واشنطن هذه القاذفات “يبدو جزءا من نمط رأيناه منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما بدأت إيران تصعيد الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات من دون طيار والهجمات بالوكالة في المنطقة”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، قال دي روش إن بلاده “تحاول تذكير الناس في المنطقة بأن لدينا خيارات عسكرية، وأننا نرصد ما تقوم به إيران، ويمكن مواجهتها إذا اختارت الولايات المتحدة ذلك”.
واعتبر أن إعادة الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة له علاقة بأدوات التفاوض مع إيران، ويمكن اعتبارها جزءا من مراجعة انتشار القوات التي طالب بها بايدن.
ومن ناحية أخرى، تحرص القوات الجوية الأميركية على إظهار أن بعض الأسلحة القديمة لا تزال ذات معنى وصلة بالصراعات الحديثة.
وقال دي روش للجزيرة نت إن “قائد القيادة المركزية الوسطى الجنرال كينيث ماكينزي مثل جميع قياداتنا المقاتلين، حيث يمتلك موارد عسكرية قليلة جدا، وتكون عادة لديه متطلبات أكثر من القدرات المتاحة، لذا إذا عرضت القوات الجوية نشر قاذفات قنابل من طراز بي-52، سيكون من الغريب أن يرفض ذلك”.
وربط دي روش بين نشر القاذفات والتوتر في مياه الخليج، ومن المحتمل أن يكون هذا الانتشار قد تمت الموافقة عليه أو تعزيزه في ضوء الهجمات الأخيرة من جماعة الحوثي على السعودية.
وأضاف “لا أعتقد أنه سيكون هناك رد عسكري مباشر ضد إيران إلا بعد أن يتضح أنها لن تعيد الدخول في مفاوضات الاتفاق النووي مرة أخرى”.
المصدر : الجزيرة