ما زالت المخاوف من ارتفاع التضخم عالية في الولايات المتحدة، وتتوجه الأنظار حالياً إلى مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) الأمريكي في انتظار أي إشارة حول نواياه رغم تأكيده مرارا أنه لن يشدّد السياسة النقدية ما لم تحصل تطورات أكثر خطورة.
ولا ينتظر صدور قرارات كبيرة في اجتماع اللجنة المالية للمجلس يومي غدٍ وبعد غد.
وأمس قالت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، أن مخاطر التضخم في الولايات المتحدة لا تزال منخفضة رغم قيام إدارة الرئيس جو بايدن بضخ 1.9 تريليون دولار للإغاثة من الوباء في الاقتصاد والاقتراب من العودة إلى التوظيف الكامل.
وأضافت في برنامج «هذا الأسبوع» على قناة « إيه.بي.سي» الأمريكية «هل هناك خطر حدوث تضخم؟ أعتقد أن هناك مخاطر محدودة، وأعتقد أنه يمكن التحكم فيها». وأوضحت أن بعض الأسعار التي انخفضت العام الماضي عندما انتشرت جائحة كوفيد19- عبر الولايات المتحدة ستتعافى، مضيفة «لكن هذه حركة مؤقتة في الأسعار».
ووقع بايدن يوم الخميس الماضي قانون حُزمة إغاثة من الوباء والذي يوفر التمويل للتطعيمات ويقدم المساعدة للأسر والشركات وحكومات الولايات والحكومات المحلية.
وتصر يلين ومسؤولون آخرون على أن المساعدة – التي تأتي على رأس الإغاثة من الوباء التي أقرها الكونغرس العام الماضي- مطلوبة بشدة للاقتصاد الذي تضرر بشدة من كوفيد19، خاصة العمال ذوي الدخل المنخفض الذين يعمل أغلبهم في الصناعات الخدمية، على الرغم من علامات الانتعاش.
وفي حين لايزال معدل البطالة في الولايات المتحدة مرتفعاً، خاصة عند إضافة الأشخاص الذين تسربوا من القوى العاملة في العام الماضي، إلا أن عملية توفير الوظائف قد عادت .
يقول روبرت فريك، المحلل الاقتصادي في الاتحاد الإئتماني الفدرالي للعاملين في البحرية، إنه «متأكد من أن الاحتياطي الفدرالي سيظل ملتزماً إبقاء أسعار الفائدة على حالها، أي إبقاءها مُيسَّرة». ويضيف «أعتقد أنه لن يحدث شيء على الإطلاق».
وما فتئ مسؤولو الاحتياطي الفدرالي يذكّرون أن تشديد السياسة المالية يستوجب حصول تطورات أكبر من ارتفاع الأسعار خلال بضعة أشهر، معتبرين أن التشديد من شأنه أن يعرّض التعافي الاقتصادي للخطر.
لذلك، ما لم يعد التوظيف للارتفاع وما لم يتجاوز معدل التضخم 2 في المئة «لبعض الوقت» فإن سعر الفائدة لا يجب أن يتجاوز معدلاً يراوح بين صفر و0.25 في المئة كما هو الحال منذ عام. كما لا يتوقع تخفيض مشتريات البنك المركزي للأصول لأنها تحافظ على أداء الأسواق بشكل جيد عن طريق ضخ السيولة فيها.
وعززت التكهنات حول التضخم عوائد سندات الخزانة في الأسابيع الأخيرة، حيث بلغت يوم الجمعة الماضي أعلى مستوياتها منذ فراير/شباط 2020. لكن الاحتياطي الفدرالي أشار إلى أنه لن يتخذ أي إجراء، مخيباً بعض التوقعات.
يرى روبرت فريك أنه «في هذه المرحلة، لسان الحال يقول: سحقاً للأسواق».
لذلك لا يُنتظر كثير من المفاجآت من الاحتياطي الفدرالي، في حين أعلن البنك المركزي الأوروبي بشكل مفاجئ يوم الخميس الماضي عن تسريع عمليات شراء سندات الدَين، لأنه يعتبر أن الحفاظ على الظروف المالية التيسيريّة لدعم التعافي له أولوية على الارتفاع الطفيف للغاية في توقعات التضخم.
من جهتها، تقدّر دانيال ديمارتينو بوث، مديرة شركة «كويل إنتلجينس» للمعلومات الاقتصادية، أن مسؤولي الاحتياطي الفدرالي «سيبذلون قصارى جهدهم للاستمرار في التكتّم». وتضيف «أعتقد أنهم سيحاولون السير في طريق وسطي، دون رفع التوقعات حول السياسة النقدية أو خفضها».
مع ذلك يتلقّط المراقبون أدنى إشارة يمكن إرسالها، ذلك لأن الشيطان يكمن في التفاصيل الدقيقة للغة التي يستخدمها الاحتياطي الفدرالي الذي سيزن كل كلمة في بيانه المنتظر بعد غدٍ الأربعاء بعد انتهاء اجتماعه.
ويعطي التفاهم بين قادة البنك المركزي الأمريكي بعض الإشارات، مثل إجماعهم على إبقاء أسعار الفائدة على حالها.
وفي حال خرج أحدهم عن الإجماع فإن «ذلك لا يعني تغيّر السياسة، بل يعني وجود خرق للإجماع سيتوسع في الأشهر المقبلة» وفق ما يرى روبرت فريك.
وبعد اجتماعهم سيُقوم مسؤولو الاحتياطي الفدرالي أيضا يتحديث توقعاتهم للسنوات المقبلة. وسيقدمون توقعاتهم حول تطور الناتج المحلي الإجمالي ومعدل البطالة ومعدل التضخم.
من المنتظر أن يراوح معدل التضخم «نسبة 3 في المئة» في الربيع وعلى امتداد عام «بسبب ارتفاع سعر النفط» ونسبة 2.5 في المئة في حال استثناء الطاقة والغذاء، وفق كاثي بوستانسيك، المحللة في «أكسفورد إيكونوميكس» الاستشلارية في لندن.
تستدرك الخبيرة «لكن بعد هذه القفزة في الربيع، نعتقد أن التضخم سيكون معتدلاً ويظل دون 2 في المئة».
يشار إلى أن المخاوف من ارتفاع التضخم تغذيها الطفرة الاقتصادية المتوقعة في الربيع، بفضل التلقيح والأموال التي ستتدفق إلى السوق لدى بدء تنفيذ خطة التعافي البالغة 1900 مليار دولار التي وقّعها الرئيس جو بايدن الخميس الماضي.
وذلك من شأنه أن يرفع الأسعار، خاصة وأن المقارنة ستجرى مع شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان 2020، حينما انخفضت الأسعار إثر إقرار أولى إجراءات احتواء الوباء الواسعة في البلاد.
ويقدّر خبراء اقتصاديون، ومنهم رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، أن ارتفاع الأسعار سيكون مؤقتا. لكن يخشى آخرون من تواصل الارتفاع وينتظرون تحركاً من الاحتياطي الفدرالي لاحتواء التضخّم، لا سيما عبر رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع من المتوقع.
القدس العربي