بينما تعيد الإدارة الأميركية ترتيب أولويات خياراتها السياسية وتحديد أهم الملفات التي تحتاج للتعامل معها بشكل عاجل، تبرز المنافسة مع الصين وروسيا لتبدو على رأس تلك الأولويات مع خفوت شواغل أخرى كانت تتصدر جدول الأعمال في وقت سابق.
ويشير خبراء ومحللون إلى أن المنافسة الجيوسياسية مع الصين وروسيا وإن كانت بمثابة توصيف أميركي فضفاض لحالة اللاسلم واللاحرب مع خصومها، إلا أنه بوسعها أن تخدم أهداف إستراتيجية الدفاع الوطني الأميركية.
وأبرز المحلل السياسي رافائيل كوهين، وهو ضابط سابق بالجيش الأميركي، في تقرير نشرته مؤسسة البحث والتطوير الأميركية (راند) أنه منذ أن أعلنت إستراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018 تعتبر “المنافسة الإستراتيجية بين الدول، وليس الإرهاب، هي الآن الشاغل الرئيسي في الأمن القومي الأميركي”.
رافائيل كوهين: المنافسة الجيوسياسية بين واشنطن وخصومها تفتقر إلى الوضوح
ولم يكن هناك مصطلح أكثر عصرية في دوائر السياسة الدفاعية من “المنافسة”. وقد كان ذلك موضوع أي عدد من التقارير والمذكرات والبيانات العامة، وقد تضمن أول خطاب للرئيس الأميركي جو بايدن أمام الكونغرس، هذا المصطلح.
ويتمثل هدف إدارة بايدن من “التوجيه الإستراتيجي” المؤقت الذي نشر مؤخرا في تحقيق “الغلبة في منافسة إستراتيجية مع الصين أو أي دولة أخرى”.
وعلى أحد المستويات، هناك سبب وجيه لشعبية هذا المصطلح، إذ أن الولايات المتحدة تبذل جهودا مضنية من أجل النفوذ مع الصين وروسيا في أجزاء كثيرة من العالم. ولكن في حين أن “المنافسة الإستراتيجية بين الدول” قد تكون وصفا دقيقا للبيئة الدولية، إلا أنها قد لا توفر إستراتيجية دفاعية جيدة.
وتستحضر المنافسة بين الدول صور المباريات الرياضية أو الأسواق الاقتصادية. غير أن هذه المسابقات ملزمة بالقواعد، وتخضع للحكم عليها من جانب الحكام، وتنتج في نهاية المطاف فائزين وخاسرين. وعلى النقيض من ذلك، يلفت كوهين إلى أن المنافسة الجيوسياسية تفتقر إلى مثل هذا الوضوح، فلا توجد بداية أو وسط أو نهاية، ولا قواعد ولا حكام.
وبقدر ما يتحدث منظّرو العلاقات الدولية عن المنافسة، فإنهم يستخدمون هذا المصطلح بشكل مجرد لوصف كيف تتسابق الدول باستمرار مع أقرانها من أجل الهيبة والسلطة والأمن.
لكن الإستراتيجيات تحتاج إلى أن تكون ملموسة وملزمة، بدلا من أن تكون غامضة ووصفية. والمنافسة، كهدف، لا توفر أيا من هذه السمات. وفي حين يحدد ذلك من الذي ينبغي على الولايات المتحدة أن تتنافس معه (أي الصين وإلى حد أقل روسيا)، فأين وكيف ولماذا تترك مفتوحة.
وقبل كل شيء، فإن المنافسة وسيلة وليست غاية. وعلى هذا النحو، فإنها لا تصف ما تريد الولايات المتحدة تحقيقه. ففي نهاية الأمر، فإن الصين وروسيا دولتان كبيرتان وقويتان، وبغض النظر عما يفعله الجيش الأميركي في وقت السلم، فإن هذا لن يتغير.
وبسبب أن هذا المصطلح غير محدد بشكل جيد، فإن التركيز على المنافسة يحول دون اتخاذ خيارات صعبة ولكنها ضرورية بشأن المكان الذي ينبغي لوزارة الدفاع أن تخصص فيه مواردها.
وفيما تشكل الصين وروسيا قوتين عالميتين، ولهما وجود بشكل أو بآخر في كل ركن من أركان العالم تقريبا، لكن ليس كل هذا النفوذ يهدد الأمن القومي الأميركي بنفس القدر.
ويرى التقرير أن المنافسة ليست لها مهام محددة، وقد فسرت وزارة الدفاع المنافسة على أنها كل شيء أقل من الصراع الفعلي. وتقع بعض هذه المهام، مثل ردع العدوان الصيني والروسي، مباشرة في المسار العسكري، ولكن يمكن القول إن مهاما أخرى تعتبر أكثر ملاءمة لجهات أخرى في الحكومة الأميركية.
ماذا ينبغي لوزارة الدفاع الأميركية أن تفعل في وقت السلم إن لم تكن تتنافس مع الصين وروسيا، هل ينبغي لها أن تستعد لكسب الحرب المقبلة
ماذا ينبغي لوزارة الدفاع الأميركية أن تفعل في وقت السلم إن لم تكن تتنافس مع الصين وروسيا، هل ينبغي لها أن تستعد لكسب الحرب المقبلة
على سبيل المثال، قد تكون وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومنظمات المجتمع المدني أفضل في مواجهة استثمارات الحزام والطريق الصينية، أو إبطال عمليات النفوذ الروسي، أو فضح محاولات القوتين للتخريب السياسي. وبهذا المعنى، فإن توجيه الجيش للمنافسة يقوض تعهد إدارة بايدن بـ“رفع مستوى الدبلوماسية كأداة لملاذنا الأول”.
ويتساءل التقرير: ماذا ينبغي لوزارة الدفاع أن تفعل في وقت السلم إن لم تكن تتنافس مع الصين وروسيا؟ ويجيب أنه ببساطة، ينبغي لها أن تستعد لكسب الحرب المقبلة، مع هزيمة أي عدوان عسكري.
وينبغي أن توجه هذه الضرورة الأساسية القدرات التي تطورها القوة المشتركة، والتدريب الذي تقوم به، وكيفية عمل ذلك، ومع من تطور الولايات المتحدة علاقات عسكرية.
المنافسة الجيوسياسية مع الصين وروسيا وإن كانت بمثابة توصيف أميركي فضفاض لحالة اللاسلم واللاحرب مع خصومها، إلا أنه بوسعها أن تخدم أهداف إستراتيجية الدفاع الوطني الأميركية
ومن خلال تطوير خيارات عسكرية ذات مصداقية، قد تكون الولايات المتحدة قادرة على ردع الصين وروسيا عن استخدام القوة لتغيير الوضع الراهن. وقبل كل شيء، يخلص التقرير إلى أنه إذا ركز الجيش الأميركي على التحضير للحرب المقبلة، فقد يحقق أيضا ما يسميه وزير الدفاع لويد أوستن حجر الزاوية في الدفاع الأميركي، وهو ضمان عدم اضطراره لخوض حرب أبدا.
وقد تتمكن الولايات المتحدة من خلال تطوير خيارات عسكرية موثوقة من ردع القوتين (روسيا والصين) عن استخدام القوة لتغيير الوضع الراهن.
صحيفة العرب