عندما تكون توجهات القوى الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط نحو تحقيق منطلقاتها ووجودها الميداني، تعمل على تحديد أهدافها السياسية والاقتصادية والعسكرية حتى وأن اختلفت المعايير الجوهرية في أوجه الصراع بينهم، ولكن تبقى المصالح والمنافع والمكاسب الجوهرية لتثبيت أولويات التأثير الميداني، هي الأساس في تحقيق الأهداف المتحققة من أي عمل مهما بلغت قدرته أو فعاليته.
وأبرز حالة تؤكد هذه المضامين هذه ما حصل فجر يوم السبت 26 نيسان 2024 بالرد الإسرائيلي نحو الأراضي الإيرانية الذي استهدف القواعد العسكرية ومنظومات أنظمة الدفاع الجوي، وهي من الأهداف الاستراتيجية التي تضعف الجهة المستهدفة وتمنعها من عملية الرد المقابل بسبب فسحة المجال الجغرافي الذي تحقق نتيجة إصابة هذه المواقع المهمة.
استمكن الهجوم الإسرائيلي مراكز الطاقة والاقتصاد الإيراني والدفاعات الجوية المخصصة لحماية مصافي النفط والبتروكيمياويات الحيوية وحقل الغاز الكبير في طهران، وكانت الآثار السلبية المترتبة على إصابة هذه المواقع كبيرة من حيث عدم قدرة إيران على التعامل معها أو رد الهجوم في حينها.
أصابت الطائرات الإسرائيلية (نوع أف 35 وأف 16 وأف 15) الدفاعات الجوية في مجمع بندر الإمام الخميني للبتروكيمياويات في أطراف محافظة خوزستان والميناء الرئيسي ذو القدرة والفعالية في الاقتصاد الإيراني في بندر الإمام الخميني ومصفاة عبادان الاستراتيجية ذات الأبعاد المهمة في الإنتاج النفطي ومصفاة حقل الغاز ( تانجي بيجار) بمحافظة أيلام.
تعرضت ثلاث قواعد عسكرية رئيسية تابعة للحرس الثوري الإيراني لتصنيع الصواريخ وهي ( فلق وعبد الفتح وغديري) مع استهداف موقعي ( بارشين وباراند) العسكريين بطائرات مسيرة.
طبيعة الأهداف العسكرية والاقتصادية التي استهدفت في الرد الإسرائيلي جعل المرشد الأعلى علي خامنئي يقول ( إن الهجوم الذي شنته إسرائيل لا ينبغي التقليل من أهميته أو تضخيمه)، وهذا أول رد من أعلى موقع سياسي وديني في القيادة الإيرانية كونه يدرك أن نتائج الهجوم الإسرائيلي قد أدى إلى إعاقة قدرة إيران على إنتاج الصواريخ البالستية وعدم قدرتها على تجاوز الأمور الفنية المتعلقة ببرنامج الصواريخ بعد أصابها، وتدمير ثلاث أنظمة دفاع جوي من نوع ( أس 300) تمتلكها إيران والتي سبق للروس تزويدهم بها، مع إصابة مطار الإمام الخميني الدولي وقاعدة الصواريخ الاستراتيجية في أطراف العاصمة طهران،وهذا ما أكدته أيضًا صحيفة ( وول ستريت جورنال) بأن الهجوم دمر جميع الصواريخ الدفاعية المنظومة ( أس 300).
أن الجانب الإيراني سيأخذ بنظر بالاعتبار أي محاولة للرد المقابل لأنه يعلم إذا ما فكر بأي عملية للقصف الممثل، فسيكون لها عواقب اقتصادية عسكرية بعد أن دمرت الدفاعات الجوية المسؤولة عن حماية الأهداف الاقتصادية والمواقع الأمنية والمراكز الحيوية وأصبح المجال الجوي بمساحاته الجغرافية مفتوح أمام الهجمات الإسرائيلية بعد التدمير الذي حصل للدفاعات الجوية ومنظوماتها الأرضية وصواريخها الموجهة، وهذا ما يترتب عليه استخدام سياسية التريث وضبط النفس والحكمة في اتخاذ القرار وعدم الانجرار إلى مزيد من التوترات، لأن إيران لا تستطيع استبدال أنظمة الدفاع الجوي في الوقت الحاضر وهو ما يجعلها أكثر عرضة للمخاطر.
تدرك إيران أن الفعالية الصاروخية التي تمتلكها إسرائيل من صواريخ بالستية بعيدة المدى نوع ( روكس وجولدن هورايزن)، يمكن تفعيلها في أي رد إيراني قادم، وعذه الصواريخ يمكن إطلاقها من الطائرات الحربية نوع ( أف 35 وأف 16 وأف 15) ومديات تصل إلى 2000كم، وهي الصواريخ التي انتجتها شركة ( روفائيل) الإسرائيلية، والتي تتمكن من التعامل مع اهداف ثابتة ومتحركة وتعمل بنظام القصور الذاتي وتحمل رؤوس حربية وتصيب اهداف محصنة تحت وفوق الأرض.
أن إيران لا ترغب في توسيع دائرة المواجهات المباشرة وتعمل على توظيف الأزمات الحاصلة في المنطقة العربية لمصالحها، ولهذا فهي ستذهب إلى حالة التسكين وعدم اامجازفة في الرد المقابل وستعود إلى سياسية قبضة النظام وضبط النفس تحقيقًا لاهدافها السياسية والاقتصادية في ادامة الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية وتصعيد العمل لاتفاق نووي جديد ورفع العقوبات الدولية.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية