هل يعود شبح الحروب التجارية مع فوز ترامب ؟

هل يعود شبح الحروب التجارية مع فوز ترامب ؟

الباحثة شذى خليل*
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتزايد المخاوف حول انعكاسات سياساته التجارية على الاقتصاد العالمي. ففترة رئاسته السابقة تميزت بسياسات حازمة، تضمنت فرض رسوم جمركية على العديد من الواردات، إلى جانب تأكيده على دعم الصناعة الأميركية. في هذا المقال، سنستعرض ما إذا كان فوز ترامب مجددًا قد يؤدي إلى اندلاع حرب تجارية عالمية جديدة، ونناقش التداعيات الاقتصادية المحتملة.
إمكانية تجديد الرسوم الجمركية
تُعرف سياسات ترامب الاقتصادية بالنهج الحمائي، حيث فرض سابقًا رسومًا جمركية على واردات أساسية من دول مثل الصين والاتحاد الأوروبي. وفي حال فوزه مجددًا، قد يعيد فرض أو تصعيد هذه الرسوم لحماية الصناعات الأميركية، خاصة في قطاعات التصنيع والتكنولوجيا. لكن هذا النهج قد يثير ردود فعل انتقامية من الدول الأخرى، ما قد يشعل حرباً تجارية شاملة ويعطل التجارة العالمية.
• الأثر الاقتصادي: من شأن تصعيد الرسوم الجمركية أن يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج للشركات التي تعتمد على المواد المستوردة، مما يرفع أسعار السلع على المستهلكين. في الولايات المتحدة، قد يؤدي هذا إلى تضخم الأسعار، إذ قد تقوم الشركات بنقل هذه التكاليف إلى المستهلك. كما قد تتأثر الدول التي تصدر إلى الولايات المتحدة بانخفاض الطلب، ما قد يؤثر سلبًا على اقتصاداتها.
التوترات مع الصين وتأثيرها على سلاسل التوريد العالمية
في فترة رئاسة ترامب السابقة، أشعل حربًا تجارية مع الصين عبر فرض رسوم جمركية ضخمة، مما شكل ضغطاً على سلاسل التوريد العالمية. وإذا عاد إلى السلطة، قد تتجدد هذه التوترات، مما قد يعطل تدفقات التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم.
• الأثر الاقتصادي: يمكن لحرب تجارية متجددة مع الصين أن تؤدي إلى اضطراب أكبر في سلاسل التوريد العالمية، خاصة في مجالات الإلكترونيات والأدوية وصناعة السيارات. ستتضرر الشركات متعددة الجنسيات التي تعتمد على التصنيع الصيني، مما قد يدفع بعضها لإعادة التفكير في سلاسل التوريد الخاصة بها، وربما تُسرع خطط الانتقال إلى دول أخرى مثل فيتنام أو المكسيك أو الهند.
الآثار على الاقتصادات الناشئة
من المتوقع أن تؤثر سياسات ترامب أيضًا على الأسواق الناشئة التي تعتمد بشكل كبير على التجارة مع كل من الولايات المتحدة والصين. فالدول التي تجد نفسها بين قوتين عظميين قد تواجه تقلبات اقتصادية كبيرة، خاصةً في آسيا وأميركا اللاتينية.
• الأثر الاقتصادي: قد تؤدي زيادة الرسوم الجمركية إلى تراجع الطلب على صادرات هذه الاقتصادات، مما يؤثر على فرص العمل والنمو الاقتصادي فيها. بالإضافة إلى ذلك، قد تتأثر الدول التي تعتمد على تصدير المواد الخام إلى الصين، إذا تباطأ الاقتصاد الصيني نتيجة للعقوبات التجارية الأميركية.
تداعيات اقتصادية داخلية في الولايات المتحدة
تهدف سياسات ترامب إلى حماية الصناعات الأميركية وتعزيز فرص العمل داخل البلاد، لكن التأثير الفعلي لمثل هذه السياسات الحمائية قد يكون متباينًا. فعلى الرغم من أن الرسوم الجمركية قد تحمي بعض الصناعات من المنافسة الأجنبية، إلا أنها قد تزيد التكاليف على الشركات والمستهلكين.
• الأثر الاقتصادي: قد تؤدي زيادة تكاليف الواردات إلى تضخم الأسعار، خاصةً للسلع التي لا تستطيع الولايات المتحدة إنتاجها بكفاءة. فعلى سبيل المثال، قد ترتفع تكاليف مكونات الصلب والإلكترونيات، مما يضغط على أسعار السيارات والسلع التكنولوجية. وقد لا يكفي الإنتاج المحلي لسد الفجوات، ما يزيد من اعتماد بعض القطاعات على خيارات مكلفة.
التأثير على الشركات متعددة الجنسيات
يمكن أن تؤدي سياسات ترامب التجارية إلى عواقب بعيدة المدى على الشركات متعددة الجنسيات. فالشركات التي تعمل في عدة دول قد تواجه بيئات تنظيمية معقدة ورسومًا جمركية متقلبة. قد تتأثر بشكل خاص الشركات في مجالات السيارات والإلكترونيات الاستهلاكية والأدوية.
• الأثر الاقتصادي: قد تُضطر الشركات متعددة الجنسيات إلى إعادة هيكلة سلاسل التوريد، ما قد يزيد من التكاليف التشغيلية. قد تختار بعض الشركات نقل الإنتاج إلى أسواقها الرئيسية، مما يؤدي إلى خلق وظائف في بعض الدول وتقليل الاستثمارات في دول أخرى. لكن هذه التغيرات تتطلب رأس مال كبيرًا ووقتًا طويلاً، مما يسبب ضغوطًا مالية على المدى القصير والمتوسط.
ردود فعل الأسواق المالية
تُظهر الأسواق المالية حساسية كبيرة تجاه التطورات السياسية والتغيرات المحتملة في السياسات التجارية. فوز ترامب قد يؤدي إلى حالة من عدم اليقين، خاصةً إذا تم الإعلان عن حواجز تجارية أو رسوم جمركية جديدة. قد يؤدي هذا إلى حالة من الحذر بين المستثمرين، مما قد يزيد من تقلبات الأسواق.
• الأثر الاقتصادي: قد تشهد أسواق الأسهم تقلبات متزايدة، خصوصاً في القطاعات التي تتأثر مباشرة بالسياسات التجارية مثل التكنولوجيا والسلع الاستهلاكية وصناعة السيارات. بالإضافة إلى ذلك، قد يتعزز الدولار الأميركي كعملة ملاذ آمن في ظل حالة عدم اليقين العالمية، ما يجعل الصادرات أكثر تكلفة وقد يزيد من العجز التجاري.
الخلاصة: الاستعداد لحرب تجارية محتملة
إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن احتمالية تصاعد التوترات التجارية العالمية تظل مرتفعة. قد تسعى إدارته إلى فرض رسوم جديدة وإعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية، مما قد يشعل سلسلة من الردود الانتقامية من الدول الأخرى. من المحتمل أن تتأثر الأسواق العالمية بشدة من هذه السياسات، مما يعطل تدفقات التجارة وسلاسل التوريد ويؤثر على الأسعار. من هنا، قد يكون تعزيز مرونة سلاسل التوريد وتنويع الإنتاج والتوسع خارج الاقتصادات المعتمدة على الحروب التجارية هو الحل لتخفيف آثار أي نزاعات تجارية مستقبلية.

 

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية