هل هناك احتمالية بأن يكون رؤساء حماس من البشر؟ هل هناك احتمالية بأن نعترف بذلك؟ إسرائيل منذ إقامتها غسلت الأدمغة بشيطنة أعدائها. في الستينيات قمنا في عيد “لاغ بعومر” بإحراق صورة جمال عبد الناصر في ميدان ملوك إسرائيل. قالوا لنا إنه “الديكتاتور المصري”، ولم نستمع في أي وقت إلى ما كان لديه ليقوله. لم يكن إنساناً بالطبع، ومثله أيضاً ياسر عرفات ومنظمته: حتى الآن لا تعترف العبرية بمفهوم “حزب فلسطيني” و”جيش فلسطيني”. لا توجد هناك أمور كهذه. بل لنا جيش الدفاع وما عندهم تنظيمات إرهابية.
حماس بالتأكيد كذلك. لا توجد جمعيات خيرية، ولا حركة سياسية، ولا انتخابات داخلية ولا مقاتلون… بل جميعهم إرهابيون ومخربون. وإذا كان الأمر كذلك، فإن من يقفون على رأسهم قتلة. وإذا كان الأمر هكذا، فإن الخطاب المقرف الذي يتطور في إسرائيل عن تصفيتهم وإخضاعهم والقضاء عليهم هو خطاب شرعي. ومن الشرعي أيضاً هدم بيوتهم وقتل أبناء عائلاتهم.
على سبيل المثال، ، يعرف المحللون بأن يحيى السنوار شخص متوحش، فهل هو متوحش أكثر من طيارين سلاح الجو الإسرائيلي الذين ألقوا في الشهر الماضي عشرات القنابل على المنازل وقتلوا 66 طفلاً؟ يصعب علينا معرفة ذلك. هل يوجد دم أكثر على يديه أكثر مما هو على أيدي عدد من ضباط الجيش الإسرائيلي؟ ثمة شك كبير في ذلك. هل هو أكثر شجاعة واستعداداً للتضحية من قادة إسرائيل؟ لا أحد يوافق على الاعتراف بذلك. السنوار هو العدو، لذلك هو ليس من البشر. محقق الشاباك الذي حقق معه وصفه بأنه بلا مشاعر. والسجانة التي في مصلحة السجون وصفته بالجن. ومثله أيضاً محمد الضيف: أن نرسم طائر الرمال هذا مثل جندي شجاع، حتى بعد أن بترت يده ورجله وفقد عينه وزوجته وأبناءه الصغار؟ هل جننتم؟ الضيف شيطان، ومثله السنوار.
لا يمكن مناقشة هذه المقاربة البدائية. لكن يمكننا اقتراح قراءة أخرى للواقع؛ أن نعدهم من بني البشر على سبيل المثال. هناك في حماس وفي غزة لهم طموحات وأحلام، ونقاط ضعف، وعيوب وصفات تستحق التقدير أيضاً. مثلاً، لحماس أهداف محقة يجدر الاعتراف بها، وحتى التسليم بها. فهم أيضاً يريدون أن لا تكون حياتهم مكرسة فقط لأن يقتلوا ويُقتلوا، أو أن يدمروا إسرائيل كل يوم. أو على الأقل، يعرفون أنه لا توجد إمكانية لذلك.
لقد قضى السنوار 22 سنة في السجن، أقل بقليل من الفترة التي قضاها نلسون مانديلا. هناك تعلم كيفية التحدث بالعبرية بطلاقة، ومن الخسارة أن لا يسمعه الإسرائيليون وهو يتحدثها. وبالعبرية يظهر أكثر إنسانية. وقد قال بالعبرية ذات مرة في سجنه ليورام بينور، إنه مستعد لمناقشة هدنة طويلة المدى مع إسرائيل، وربما ستتقدم الأجيال القادمة من هذه الهدنة.
لا يجب أن يكون المرء مؤيداً لحماس، المنظمة المكروهة جداً، لكي يتذكر أن السنوار والضيف ترعرعا في مخيم خانيونس للاجئين. كم هو عدد الإسرائيليين الذين يعرفون عن ظروف الحياة هناك؟ هل يمكن أن يترعرع هناك شخص يحب إسرائيل، أو حفيد أشخاص تم طردهم من المجدل (السنوار) أو من كوكبة (محمد الضيف)، التي دمرت إسرائيل حياتها وحياة العائلات فيها إلى الأبد، بما في ذلك الطرد وسلب الأراضي واللجوء والفقر والسجن والقصف و15 سنة من الحصار.
إن نضال حماس هو نضال شخص بائس أمام دولة عظمى إقليمية. من السهل وعظه بالتنازل عن النهج العسكري الذي لا يوجد فيه أي احتمالية بل لا يجدي سوى المعاناة لشعبه، ولكن الحقيقة الفظيعة أن حماس حين تطلق، فإن العالم وإسرائيل يهتمون بمصير غزة. وبعد ذلك، وعندما تتوقف مدافع حماس عن الهدير، ينسون غزة؛ ولتختنق.
أشاهد السنوار وهو يخرج من المخبأ غداة وقف إطلاق النار. قال المحللون إنه يحيط نفسه بالمدنيين لأنه جبان. بالتأكيد هو أكثر شجاعة من نتنياهو وبني غانتس، المحميين بدرجة كبيرة. ومن ناحية عدالة نضاله، فله أفضليات على سجانيه ومحتليه، حتى عندما تكون الوسائل التي يستخدمها إجرامية، بالضبط مثل التي يستخدمها أعداؤه.
بقلم: جدعون ليفي
القدس العربي