أدى وباء “كوفيد-19” إلى تفاقم المشاكل الهيكلية المستمرة في نهج الحكومة الجزائرية تجاه الاستثمار الأجنبي، والإصلاح المصرفي، والسياسة النقدية، والقطاعات الأخرى، لكن الجزائر قد تكون أكثر انفتاحاً على المشورة الأمريكية بشأن مثل هذه الأمور.
سوف تؤدي الانتخابات المقرر إجراؤها في الجزائر في 12 حزيران/يونيو، إلى انتخاب رئيس وزراء جديد وحكومة تضم الكثير من الوزراء الجدد، ولكن بغض النظر عمن سيفوز بمنصب رئيس الوزراء، ستكون أولويته الأكثر إلحاحاً هي الاقتصاد المترنح من جائحة فيروس كورونا والمشاكل الهيكلية الموجودة من قبل. ولحسن الحظ، توفر هذه الظروف فرصة فريدة للولايات المتحدة لبناء روابط اقتصادية أوسع نطاقاً مع الدولة التي تتمتع باستقلال كامل، وربما تسمح بفتح قنوات إضافية للتعاون في مجالات أخرى.
التحديات الهيكلية التي تفاقمت بسبب الوباء
في قلب التحديات الاقتصادية التي تواجهها الجزائر، يكمن اعتمادها على الصادرات الهيدروكربونية، التي تمثل 30٪ من “ناتجها المحلي الإجمالي”. وأدى التراجع الناجم عن الوباء في أسعار الغاز الطبيعي والنفط إلى انخفاض عائدات الهيدروكربونات في البلاد بنسبة 33٪، من 33 مليار دولار في عام 2019 إلى 22 مليار دولار في العام الماضي. وعلى الرغم من أنتعاش مبيعات البلاد من الغاز إلى حد ما في عام 2021، إلا أن صادراتها من الغاز عادة ما تكون موسمية، لذلك من غير المرجح أن تكون الأرقام المحسنة للربع الأول مستدامة طوال الفترة المتبقية من العام.
وبالمثل، جفّت التحويلات الأجنبية التي تمثل ما يقرب من 1٪ من “الناتج المحلي الإجمالي” في عام 2020 حيث تم تنفيذ عمليات الإغلاق [بسبب جائحة كورونا] في جميع أنحاء أوروبا. وفَرَض الإغلاق الخاص بالجزائر حظر تجوّل مرهق وقلّص الحياة العامة، مما أدى فعلياً إلى تجميد الاقتصاد غير الرسمي المهم للغاية (حوالي 33٪ من “الناتج المحلي الإجمالي”). وتبنت الحكومة عمليات الإغلاق أيضاً: فبعد فترة أولية من رحلات العودة المحدودة للمواطنين إلى البلاد، أغلقت الجزائر بإحكام حدودها البرية والبحرية والجوية بحيث لم يتمكن أي شخص تقريباً من الدخول إلى البلاد أو الخروج منها (من المتوقع إعادة فتح السفر الجوي المحدود مع فرنسا في 1 حزيران/يونيو).
ورغم أن هذه القيود أدّت إلى منع جائحة “كوفيد-19” من الخروج عن نطاق السيطرة وفقاً لبعض التقارير، إلّا أنه كان لها أيضاً مجموعة من الآثار السيئة غير المقصودة على السكان. ويتم حالياً الإبلاغ عن نقص في المواد الغذائية الأساسية مثل زيت الطهي والمعكرونة؛ وتعج وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو لجزائريين وهم يصطفون للحصول على الطعام، وهي ظاهرة لم تتم رؤيتها منذ خمسين عاماً. وأدت الاضطرابات في سلسلة الإمدادات إلى ارتفاع حاد في أسعار الأطعمة الأخرى؛ فقد أصبحت المواد الغذائية مثل الدجاج والروبيان والبطاطس والطماطم والسردين باهظة الثمن حالياً بالنسبة للمواطن العادي. كما أن أسعار السيارات آخذة في الارتفاع – وقد علّقت الجزائر قطاع تجميع السيارات الذي يمثل مشكلة في نفس الوقت تقريباً الذي توقف فيه استيراد المركبات من أجل تقليل العجز في الحساب الجاري، مما أجبر الكثير من الناس على شراء سيارات مستعملة باهظة الثمن.
رد الحكومة
حتى الآن، سعى المسؤولون إلى إجراء تخفيض تدريجي للدينار الجزائري كوسيلة لتحفيز الصادرات وتشجيع الطلب على المنتجات المصنوعة محلياً، حيث لا تزال الصناعات المملوكة للدولة تصنع كل شيء من المايونيز إلى الطلاء ومكيفات الهواء. ومع ذلك، لم تؤدِّ هذه السياسة سوى إلى تشجيع المواطنين على استبدال دنانيرهم بعملة أخرى في السوق السوداء.
وكنتيجة جزئية لهذه الممارسة، فإن ما يصل إلى 35٪ من الدنانير لا يمر بتاتاً عبر النظام المصرفي، مما يترك الدولة في أزمة سيولة عميقة. وغالباً ما يصطف المتقاعدون في طوابير في وقت مبكر من الصباح ويسارعون للحصول على مخصصاتهم الشهرية قبل نفاد الأموال النقدية. وتوقفت المشاريع المملوكة للدولة عن دفع الرواتب من أجل الحفاظ على السيولة النقدية، بينما فرضت المصارف الحكومية حظراً على المزيد من الإقراض. ولمعالجة مشكلة السيولة، اقترح الرئيس عبد المجيد تبون العودة إلى طباعة النقود، لكن ذلك لن يؤدي إلّا إلى زيادة الضغوط التضخمية الناتجة عن تخفيض قيمة الدينار.
استمرار عدم الرضا السياسي
رغم أن العديد من الجزائريين يشعرون بالإحباط بشكل متزايد من تعرض رفاههم الاقتصادي للخطر، إلا أنه ليس لدى حركة “الحِراك” الاحتجاجية المستمرة في البلاد أي مطالب تتعلق بالظروف الاقتصادية على وجه التحديد – بل تتركز شكاويها على القيادة السياسية والنظام السياسي. فبعد مرور عامين وقيام 119 مسيرة في أيام الجمعة (التي استؤنفت بعد فجوة قصيرة ناجمة عن فيروس كورونا)، تواصل الحركة المطالبة باستبدال الطبقة السياسية بأكملها، وتوقُّف الجيش عن التدخل في السياسة، وإقامة دولة مدنية بالكامل.
وجادل النقاد باستمرار بأن هذه الرسالة جائرة للغاية وخالية من المواقف السياسية القابلة للتنفيذ، ويمكن قول الشيء نفسه عن نهج “الحِراك” إزاء القضايا الاقتصادية. ويبدو أن الحركة تعتقد أنه إذا تم إصلاح النظام السياسي بالكامل، فسوف يصحح الاقتصاد نفسه تدريجياً. وعلى أي حال، انخفض الإقبال على مسيرات “الحِراك” بشكل كبير منذ عام 2019، وكذلك صبر الحكومة مع الحركة. وتقوم الأجهزة الأمنية باعتقال المزيد من المتظاهرين كل أسبوع، وتتهمهم في كثير من الأحيان بـ “تقويض الوحدة الوطنية”.
ومع ذلك، فمهما كان مصير الحركة، تبقى الحقيقة أنه حتى لو انتهى الوباء غداً وارتفعت أسعار النفط / الغاز على الفور، سيظل الاقتصاد الجزائري يعاني من مشاكل هيكلية وعجز أساسي في البنية التحتية. وتوفر الدولة السكن للمواطنين، لكن التوافر محدود، والعديد من العائلات تقبع في قوائم الانتظار لسنوات. كما أن الوصول إلى المياه الصالحة للشرب عاد إلى الواجهة، مع إعادة فرض قَطْع المياه في بداية أيار/مايو في الجزائر العاصمة وغيرها من المدن. وتتفاقم جميع حالات العجز هذه في الجنوب، حيث يوجد نقص في الإسكان، والمياه، والرعاية الصحية، والمواد الغذائية الأساسية مقارنة بما هي عليها في الشمال.
فرص للمشاركة الأمريكية
إن أحد الجوانب الإيجابية للمشاكل الاقتصادية للجزائر هو أنها تمنح المسؤولين الأمريكيين سبيل للتواصل مع البلاد دون تجاوز تطوراتها السياسية المحلية أو سيادتها الوطنية. ومنذ عام 2012، كان المحفل الرئيسي لتعزيز العلاقات الثنائية هو “الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والجزائر”. وعادة ما تهيمن الاعتبارات الأمنية على هذه المناقشات، حيث تشيد واشنطن بنجاح الجزائر في مكافحة الإرهاب بينما تحث البلاد على المساعدة في حماية الاستقرار في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
ومن خلال تجاوز هذا الإطار، يمكن للحوار أن يبدأ في بناء جسور اقتصادية. وبدلاً من النظر إلى الجزائر في الغالب من منظور التعاون الأمني واستغلال النفط / الغاز، يجب على الولايات المتحدة تعزيز البرامج التي تفيد قطاعات أوسع من السكان، وتخفيف بعض ضغوطهم الاقتصادية، وتكون بمثابة نقطة انطلاق لمشاركة أكبر في مجالات أخرى. والجزائر هي أكبر دولة في إفريقيا ويبلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة، لذا فإن أي حالة من عدم الاستقرار هناك سترتد جنوباً إلى منطقة الساحل وشمالاً إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا.
ويشكل الاستثمار إحدى النوافذ الواعدة لمشاركة الولايات المتحدة مع الجزائر. ففي العام الماضي، أنهت الجزائر قانون الملُكية المحظور51/49 لجميع القطاعات الاستراتيجية باستثناء خمسة منها. ونص هذا الحُكم على أن الشركات الأجنبية لا يمكنها امتلاك سوى حصص أقلية في الشركات الجزائرية، الأمر الذي يثني الشركات الغربية عن الاستثمار في الطاقة والقطاعات الأخرى. وتناقش الحكومة ما إذا كانت الظروف الاقتصادية الحالية تستحق فتح حتى تلك القطاعات الخمسة المتبقية للاستثمار الأجنبي المباشر، والذي يمكن أن يمهد الطريق لتدفق مثل هذا الاستثمار إلى الجزائر. وهناك عدد قليل من الشركات الأمريكية النشطة بالفعل هناك – “سيتيبنك”، “كوكاكولا”، “داو كيميكل”، “جنرال إلكتريك”، “هنيويل”، “مِرك”، “أوكسيدنتل بيتروليوم”، “فايزر” – ونهاية قانون 51/49 يخلق فرصاً وفيرة لزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر من الولايات المتحدة. وهذا بدوره يمكن أن يخلق المزيد من فرص العمل للجزائريين، ويحفز نقل التكنولوجيا، وينقل أفضل الممارسات إلى مجتمع الأعمال الجزائري الأوسع نطاقاً. وستكون الولايات المتحدة “ضيف الشرف” في “معرض الجزائر الدولي” الشهر المقبل، مما يمنح الشركات الأمريكية مكاناً رئيسياً لعرض الكيفية التي يمكن لأنشطتها مساعدة الجزائر.
وبالإضافة إلى تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر، بإمكان الجزائر الاستفادة من التوجيهات بشأن إصلاح القطاع المصرفي، وتحسين سياستها النقدية، وإنشاء منصات للدفع الإلكتروني، وتسخير قوة الاقتصاد غير الرسمي لزيادة الإيرادات الضريبية. وكل ذلك في حدود قدرات واشنطن.
ونظراً لتجاربها السابقة مع “صندوق النقد الدولي”، كانت الجزائر مترددة في اللجوء إلى المؤسسات المالية الدولية من أجل الإغاثة الاقتصادية. وفي المرة الأخيرة التي واجهت فيها أزمة اقتصادية مماثلة في ثمانينيات القرن الماضي، طلبت مساعدة “صندوق النقد الدولي”، لكنها ألقت باللوم بعد ذلك على الإصلاحات الهيكلية الإلزامية للمنظمة فيما يتعلق بعدم الاستقرار الذي أعقب ذلك في البلاد. ونتيجة لذلك، قد يكون من الأفضل التعامل مع عروض المساعدة الثنائية غير العلنية من واشنطن بدلاً من المؤسسات المالية الدولية الأكثر سمية من الناحية السياسية.
وفي الواقع، إن واشنطن في وضع أفضل من أي شريك خارجي آخر. وتَحْذَر الجزائر من تشجيع المزيد من الاستثمار من فرنسا بسبب تاريخها الاستعماري. كما أنها تتحفظ من الاستثمار الصيني، الذي يميل إلى الاعتماد على المواد والعمالة المستوردة بدلاً من المساهمة في “المشروع الوطني” الجزائري. وعلى الرغم من أن روسيا لا تزال المصدر الرئيسي للمعدات العسكرية الجزائرية، إلا أن القيادة السياسية الحالية لا تتمتع بنفس مستوى التفاعل مع موسكو الذي تمتّع به القادة الجزائريين السابقين خلال “الحرب الباردة”.
وسعياً وراء هذه الفرص، يجب على واشنطن أن تكون حذرة في صياغة عروض المساعدة بطريقة حساسة سياسياً. وتستاء الجزائر بحق من الاقتراحات بأن المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين ينظرون إليها في المقام الأول من منظور هجرة تهديدات التطرف. وبالتالي، يجب على إدارة بايدن تقديم المشورة والتوجيه إلى الجزائر لمصلحة الجزائر فقط – مع الإشارة إلى أن العلاقة الثنائية ستتعزز كنتاج ثانوي طبيعي لهذا الجهد. وليس هناك ما يضمن اتخاذ الجزائر مشورة واشنطن، لكن المحاولة هي السبيل الوحيد لمعرفة ذلك.
جيف بورتر
معهد واشنطن