أخيرا، وبعد سنوات طويلة، لم يعد بنيامين نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل. ومرة أخرى، أثار تغيير الحكومة في إسرائيل آمالا في بعض الأوساط السياسية إزاء احتمال أن يؤدي ذلك إلى تحرك ما على الجبهة الإسرائيلية-الفلسطينية، وما إذا كان صعود حكومة جديدة من شأنه أن يحيي حل الدولتين كحل للصراع التاريخي وهو محض إجماع دولي، أم سيبقى مجرد وهم تتناقله الحكومات المتعاقبة.
وفيما نهى نتنياهو أي أمل لحل الدولتين قبل أن تتم تنحيته من على رأس الحكومة، يتساءل خبراء ومحللون عن فرص عملية السلام أعقاب ولادة حكومة إسرائيلية جديدة.
وتذهب غالبية الآراء إلى أن حكومة يقودها المتشدد نفتالي بينيت لن تختلف كثيرا عن سابقتها في قضايا مثل اتفاق وقف إطلاق النار وإعادة إعمار غزة وصفقة تبادل الأسرى، لأنها قضايا مرتبطة برأي المؤسسة الأمنية، وتبعا لذلك يبدو من الصعب أن تحقق عملية السلام تقدما خاصة في حال نشوب صراع جديد بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي.
ويجمع المتابعون أن ضراوة الصراع الأخير، ومستوى الخسائر في الأرواح بين المدنيين، والأضرار الجماعية التي تسببت فيها كل من صواريخ حركة حماس والجيش الإسرائيلي، عوامل من شأنها أن تعرقل فرص السلام المستقبلية.
وما يجعل آمال السلام ضئيلة بالنسبة للفلسطينيين، ولادة حكومة متشددة وغير متجانسة، حيث تضم أحزابا من اليمين واليسار والوسط، فضلا عن حزب عربي إسلامي، ما يعني أنه سيكون من الصعب عليها التوافق على أي خطوة في اتجاه إحياء عملية السلام المتعثرة.
خيرالله خيرالله: الحالة المرضيّة الفلسطينية تبدو حالة مرضيّة إسرائيلية أيضا
خيرالله خيرالله: الحالة المرضيّة الفلسطينية تبدو حالة مرضيّة إسرائيلية أيضا
ويقول محمد أيوب الأستاذ الفخري للعلاقات الدولية بجامعة ولاية ميشجان، في تحليل نشرته مجلة “ناشونال أنتريست” الأميركية، “إن هذه الآمال ليست فقط في غير محلها، بل هي أيضا غير واقعية تماما، فحكومة بينيت، أكثر تشددا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية من نتنياهو الذي احتفظ، على الأقل، بوهم حل الدولتين عندما كان يتحدث مع الغرب”.
وفي حقيقة الأمر، يعارض بينيت تماما فكرة إقامة دولة فلسطينية، وأكد ذلك مرات لا تحصى.
وفي عام 2012 قال بينيت بوضوح “سوف أبذل كل ما في وسعي للتأكد من عدم حصولهم ( الفلسطينيين) على دولة مطلقا”. وتوقع قيام حكومة يرأسها بينيت بالتفاوض بجدية بشأن حل الدولتين، هو في أفضل الأحوال، حلم بعيد المنال.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن أحداث الشهر الماضي -المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية في القدس، بالتزامن مع الحرب بين حماس وإسرائيل، والانتفاضة الأولية للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل- أظهرت بوضوح أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دخل مرحلة جديدة لا رجعة فيها، تستبعد حل الدولتين.
ومع ذلك، فإن رد الفعل إزاء هذه الأحداث من جانب واشنطن ومعظم العواصم الغربية اتخذ شكل المزيد من التصريحات المكررة عن إيجاد حل الدولتين للصراع.
وفيما حصل نتنياهو على كل ما كان يتمناه من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي دفعه الحرص على مراعاة ناخبي اليمين الأميركي المتدين إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وطرح خطة سلام منحازة لمطالب تل أبيب، مخالفا بذلك إجماعا دوليا على أساس حل دولتين. غير أن الديمقراطيين ازدادوا رفضا لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي جنح بشكل متزايد إلى اليمين، ولم يتقبلوا الدعم الذي قدمه له بايدن عند اندلاع الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة في مايو.
وزار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن القدس، حيث أكد الدعم الأميركي المستمر لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مع عرض تقديم مساعدات إنسانية من أجل إعادة الإعمار في غزة، بعد الدمار الذي نجم عن الهجمات الجوية الإسرائيلية، إذا تخلص القطاع من “الإرهابيين” الذين يحكمونه، على حد قوله. كما زار بلينكن رام الله في محاولة للحفاظ على وهم أن السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس هي المحاور الشرعي الفلسطيني في الصراع.
وأضاف أيوب، وهو أحد كبار زملاء مركز السياسة العالمية الأميركي، أن “هذا يماثل إخفاء الرأس في الرمال. لقد أصبح من الواضح الآن لأي محلل جاد للمشهد أن حل الدولتين قد انتهى، وأن السبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع المعقّد هو حل الدولة الواحدة. ولا بد أن أحداث الشهر الماضي أوضحت هذه النقطة بقوة وبقدر كبير من الوضوح يزيل أي شكوك في عقل حتى أكثر المراقبين تشككا”.
ومن الواضح أن الخط الأخضر هو الآن جزء من الرواية الوهمية التي تستخدم للحفاظ على بقاء أسطورة حل الدولتين. وقد تم محو الخط الأخضر منذ وقت طويل من خلال البناء المستمر للمستوطنات على نطاق واسع في الضفة الغربية، وضم إسرائيل للقدس الشرقية، وتشريح الضفة الغربية من خلال بناء المستوطنات اليهودية والطرق الخاصة بالإسرائيليين فقط.
في المقابل تصعب سياسة حركة حماس التي تقف وراءها إيران فرص السلام بالمنطقة، وفيما عززت الحرب الأخيرة مكاسب الحركة المسلحة، إلا أنها ألقت بظلالها سلبا على الواقع الفلسطيني الذي يعاني شرخا وانقساما حادين، مع تضاؤل حضور عباس في المشهد.
Thumbnail
وأوضح المحلل السياسي اللبناني خيرالله خيرالله أن “أخطر ما في الأمر الهوّة التي باتت تفصل بين الضفة الغربيّة وقطاع غزّة، وهي هوّة تفصل بين عالمين في ظلّ قيادة فلسطينية مترهّلة في رام الله من جهة ورغبة ‘حماس’ في بقاء ‘الإمارة الإسلاميّة’ التي أقامتها في غزّة من جهة أخرى. وهذا ما يجعل دور مصر أكثر من ضروري لمعالجة حالة مرضيّة استمرّت أكثر من اللزوم”.
ورأى أن الحالة المرضيّة الفلسطينية تبدو حالة مرضيّة إسرائيلية أيضا بعدما أمضى نتنياهو اثني عشر عاما في موقع رئيس الوزراء الذي سبق أن بلغه للمرّة الأولى في العام 1996 بعد الهزيمة التي لحقت بشمعون بيريز أمام اليمين الإسرائيلي بعد أشهر من اغتيال إسحق رابين.
ويعتقد المتابعون أن التحديد الواضح المتزايد من جانب الحكومات الإسرائيلية عبر السنين لهدفها النهائي، وهو ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، بما في ذلك وادي الأردن، إلى إسرائيل وتحويل باقي الأراضي المحتلة إلى عدة بانتوستانات غير متصلة كشف أن كامل الحديث عن حلّ الدولتين مجرد خدعة.
ورغم هذه الدلائل الواضحة، أبقت الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى على وهم حل الدولتين، وبذلك أعطت إسرائيل المزيد من الوقت لتنفيذ مخططها الكبير، وهو تجريد الفلسطينيين من أراضيهم ومن هويتهم في حقيقة الأمر.
محمد أيوب: أصبح من الواضح الآن أن حل الدولتين قد انتهى
محمد أيوب: أصبح من الواضح الآن أن حل الدولتين قد انتهى
ولفتت ميشيل دان من مركز كارنيغي للسلام الدولي أنه بإمكان بايدن أن يأمل بأن الفريق الحكومي الجديد “سيولي اهتماما أكبر لتفادي أي إجراء سواء في القدس أو غيرها من شأنه إشعال العلاقات مع الفلسطينيين”.
مع ذلك، لن تعيد اللفتة الأميركية حل الدولتين إلى الواجهة، وبرأي المحللين فإن واشنطن لا “تسعى لجائزة نوبل” وستواصل الاكتفاء بتدابير براغماتية تهدف بصورة خاصة إلى تحسين ظروف الحياة اليومية للفلسطينيين.
ولم يأخذ حلم عملية السلام الذي يؤدي إلى حلّ الدولتين أيضا في الاعتبار التحول الواضح في الواقع الفلسطيني على الأرض طوال العقود الثلاثة الماضية في أعقاب فشل ما عرف باسم عملية أوسلو للسلام، التي أضعفت الثقة في خطاب ياسر عرفات، عن تحقيق “سلام الشجعان”.
ويعتبر الكثيرون الاحتلال المستمر للضفة الغربية، وقمع سكانها، وحصار وقصف غزة، مجموعة متصلة في السياسة الإسرائيلية، وليس مجرد ظاهرة منفصلة.
وقد أدرك المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل أن السياسة التمييزية تجاههم هي جزء من نهج الحكومة الإسرائيلية تجاه جميع الفلسطينيين، سواء داخل إسرائيل أو في الأراضي المحتلة، ومن ثم جزء من نفس المخطط.
وحسب أيوب فإن مجموعة من العوامل المختلفة -الذكريات التاريخية، والتوسع الإسرائيلي، واللامبالاة الأميركية تجاه مأساة الفلسطينيين ومطالبهم العادلة- التي أدت إلى حالة يكون فيها الحل الوحيد الذي يمكن أن يوفر العدل والسلام على المدى الطويل، هو إقامة دولة واحدة في كل فلسطين المحتلة.
وهناك سؤالان يحتاجان إلى إجابة جميع الأطراف عليهما في الوقت الذي تسير فيه المنطقة بصورة حتمية نحو هذه النهاية. أولهما هو ما إذا كان من الممكن تحقيق الهدف دون سفك دماء، أو بعد قدر كبير من سفك الدماء، خاصة أن احتمالات عودة النزاع واردة بقوة.
أما السؤال الثاني هو شكل منتج الدولة الواحدة النهائي: ما إذا كانت ستظهر كدولة يتمتع فيها جميع المواطنين بحقوق مدنية وسياسية متساوية أو ستكون دولة فصل عنصري؟
وفي تقدير أيوب فإن الإجابة على هذين السؤالين يجب أن تشغل بال المسؤولين السياسيين والمحللين في الشرق الأوسط وفي الغرب، المهتمين بحسم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بدلا من البحث العقيم عن خرافة اسمها حل الدولتين أو عن إجراءات تخفيف قد تؤجل مؤقتا النهاية الحتمية.
صحيفة العرب