سينتخب الإيرانيون رئيسا جديدا الجمعة في سباق يهيمن عليه مرشحون متشددون مقربون من الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي مع تصاعد الغضب الشعبي بسبب تعثر الاقتصاد والقيود المفروضة على الحريات، وهو ما قد يدفع على الأرجح الكثير من مؤيدي الإصلاح إلى البقاء في المنازل والعزوف عن المشاركة.
والمرشح الأبرز في السباق الانتخابي الذي خضع لتدقيق شديد هو إبراهيم رئيسي القاضي المتشدد الذي يرى محللون ومطلعون أنه يمثل الوجه الأشد إثارة للرهبة في المؤسسة الأمنية.
لكن قد تخيب آمال السلطات في نسبة مشاركة عالية تعزز شرعيتها، إذ تشير استطلاعات رأي رسمية إلى أن حوالي 40 في المئة فحسب من 59 مليون ناخب سيدلون بأصواتهم.
ويرجع منتقدو الحكومة ذلك إلى الغضب الذي ينتاب الإيرانيين بسبب اقتصاد قوضته العقوبات الأميركية وقلة الخيارات المتاحة أمام الناخبين بعدما استبعدت لجنة انتخابات متشددة مرشحين معتدلين ومحافظين ذوي ثقل.
وسيكون السباق لاختيار رئيس خلفا للبراغماتي حسن روحاني مقصورا على خمسة متشددين يعتنقون نهج خامنئي المناهض للغرب بشدة، منهم رئيسي وكبير المفاوضين النوويين سابقا سعيد جليلي، واثنان من المعتدلين غير المعروفين.
ويعكس الخيار المحدود غياب السياسيين البراغماتيين الذين أضعفهم قرار واشنطن الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم في 2015 وإعادة فرض عقوبات، في خطوة قوضت التقارب مع الغرب.وقال المرشح المعتدل محسن مهر علي زاده خلال مناظرة انتخابية بثها التلفزيون “جمعوا الشمس والقمر والسماوات ليجعلوا شخصا واحدا محددا رئيسا”.
ويقول الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس تييري كوفيل إن روحاني “أراد تحرير الاقتصاد الإيراني من خلال تعزيز دور القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية”.
ويضيف الخبير في الاقتصاد الإيراني أن هذا التوجه “أطاح به كليا” الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وعلى الرغم من أن الكثير سيدلون بأصواتهم دعا المئات من المعارضين في الداخل والخارج إلى مقاطعة الانتخابات، ومنهم الزعيم المعارض مير حسين موسوي الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية في منزله منذ 2011.
وقال موسوي في بيان نشره موقع “كلمة” الإلكتروني المعارض “سأقف في صف من سئموا الانتخابات المهينة المعدّة سلفا، ومن لن يستسلموا لقرارات سرية خفية خلف الكواليس”.
وخاض موسوي وإصلاحي آخر هو مهدي كروبي انتخابات عام 2009، وأصبحا رمزين للإيرانيين المطالبين بالإصلاح الذين شاركوا في احتجاجات جماهيرية بعد أن فاز المتشدد محمود أحمدي نجاد في انتخابات يرون أنه شابها تزوير.
وإذا فاز رئيس السلطة القضائية رئيسي في انتخابات الجمعة فقد يعزز ذلك فرص رجال الدين الشيعة من المرتبة الوسطى لخلافة خامنئي في نهاية المطاف. وشغل خامنئي منصب الرئيس لفترتين قبل أن يصبح زعيما أعلى.
وانتقدت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان رئيسي الذي خسر الانتخابات أمام روحاني في 2017، وذلك لدوره في الحكم بإعدام آلاف المعتقلين السياسيين في 1988. وقد اختاره خامنئي في 2019 ليرأس السلطة القضائية.
لكن الإيرانيين لا يستبعدون حدوث أمر غير متوقع، ففي انتخابات 2005 الرئاسية على سبيل المثال هزم نجاد، الذي لم يكن شخصية بارزة حينها، الرئيس القوي السابق أكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان يعتبر على نطاق واسع المرشح الأقرب للفوز بالمنصب.
وقال المحلل سعيد ليلاز المقيم في طهران “ينبغي عدم التقليل من احتمال أن يفاجئنا جليلي”.
وعلى الرغم من أن خامنئي لم يبد ميله لأي مرشح علنا قال محللون إنه يفضل مرشحا مواليا للمؤسسة مثل رئيسي أو جليلي.
ومن غير المرجح أن تحدث الانتخابات تغيرا كبيرا في سياسات إيران الخارجية أو النووية التي يحددها خامنئي بالفعل، لكن انتخاب رئيس متشدد قد يعزز قبضة خامنئي على الداخل الإيراني.
والاقتصاد الإيراني المتداعي عامل مهم أيضا. ولكسب أصوات ناخبين تشغلهم قضايا لقمة العيش تعهد المرشحون بتوفير الملايين من فرص العمل وحل مشكلة التضخم وتوزيع أعطيات مالية على محدودي الدخل. لكنهم لم يذكروا كيفية تمويل هذه التعهدات.
ويدعم جميع المرشحين المحادثات بين إيران والقوى العالمية لإحياء اتفاق 2015 النووي ورفع العقوبات.
لكن المرشح المعتدل عبدالناصر همتي قال إن المتشددين يسعون لتأجيج التوتر مع الغرب، بينما تجني الشركات التي يسيطرون عليها أرباحا ضخمة بالتحايل على العقوبات.
وفي مناظرة تلفزيونية أضاف همتي، الذي شغل منصب محافظ البنك المركزي حتى مايو، “ماذا سيحدث إذا تولى المتشددون السلطة؟ المزيد من العقوبات بالمزيد من الإجماع العالمي”.
وكان خامنئي، صاحب القول الفصل في كل شؤون الدولة، قد استبعد مرارا التفاوض مع الولايات المتحدة. لكن طهران تجري محادثات غير مباشرة مع واشنطن وقوى عالمية من أجل العودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن في 2018.
وهمتي مرشح معتدل سمح له مجلس صيانة الدستور الذي يقوده متشددون بخوض الانتخابات مع خمسة مرشحين متشددين ومرشح آخر معتدل. ولم يحقق نجاحا يذكر في حشد تأييد الإصلاحيين وسط دعوات إلى مقاطعة الانتخابات.
العرب