جدّد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إصرار حكومته على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في موعدها المحدّد بالعاشر من أكتوبر القادم محاولا استبعاد سيناريو تأجيل الموعد الانتخابي أو إلغائه والذي توسّعت عملية الترويج له بالتوازي مع موجة ترهيب للقوى السياسية الصاعدة لثنيها عن المشاركة في الانتخابات وحملة “تيئيس” للعراقيين من إمكانية إحداث التغيير الذي يتوقون إليه عن طريق صناديق الاقتراع.
وينسب متابعون للشأن العراقي حملات الترهيب والتيئيس من جدوى الانتخابات للأحزاب والميليشيات المسّلحة المسيطرة على دفّة الحكم ومقدّرات الدولة والمتخوّفة على مكاسبها ومكانتها الكبيرة من قوى صاعدة وذات شعبية كونها منبثقة عن الحراك الاحتجاجي غير المسبوق الذي شهده العراق بدءا من شهر أكتوبر سنة 2019.
وقال الكاظمي في تصريحات صحافية إنّ “الرهان الأساس يدور حول إمكان حصول خرق من قوى تشرين (أكتوبر) للعملية السياسية من خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة”، محذّرا من أنّ عدم إجراء الانتخابات في موعدها “سيضع العراق أمام تحدّيات خطرة وانفجار أمني قد يؤدي إلى الانهيار الكامل في كل المنظومات الاجتماعية والعسكرية والأمنية والإدارية والسياسية”.
وجاءت تطمينات الكاظمي بينما يسجّل مراقبون انتشار مناخ للخوف قبل الانتخابات المرتقبة نتيجة قيام مسلحين مرتبطين بأحزاب سياسية راسخة بقتل وخطف العشرات من النشطاء السياسيين.
وجاء في تقرير لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية تحت عنوان “اغتيالات الناشطين العراقيين تخلق مناخا من الخوف قبل الانتخابات” أنّه “على الرغم من وعود الحكومة بحماية النشطاء ومعاقبة المهاجمين، قال محللون إن الجماعات شبه العسكرية القوية تهدف إلى تثبيط التصويت وترهيب حركة الاحتجاج الشعبية التي تبلغ من العمر عامين والتي تريد تغييرا سياسيا في الدولة الغنية بالنفط”.
لهيب هيجل: هدف الميليشيات ثني النشطاء عن المشاركة في السياسة الرسمية
لهيب هيجل: هدف الميليشيات ثني النشطاء عن المشاركة في السياسة الرسمية
ووثّقت الأمم المتحدة اغتيال ما لا يقل عن اثنين وثلاثين من المتظاهرين ومنتقدي تجربة الحكم التي تقوده الأحزاب الدينية بين أكتوبر 2019 ومايو 2021، بينما نجا ستة عشر آخرون من محاولات اغتيال، بينما لا يزال عشرون شخصا في عداد المفقودين بعد اختطافهم. وقد قتل نحو خمسمئة شخص خلال أعمال رافقت انتفاضة أكتوبر 2019 التي أطاحت بالحكومة العراقية السابقة.
وتستبعد لهيب هيجل المحلّلة في “مجموعة الأزمات” نسبة جميع عمليات الخطف والقتل إلى منفّذ واحد، موضحّة أنّ بالنسبة “للنشطاء وأولئك الذين يحاولون تأسيس أحزاب سياسية، فمن الواضح جدا أن الجماعات شبه العسكرية ذات الارتباطات السياسية هي التي تقود عملية ترهيبهم لثنيهم عن المشاركة في السياسة الرسمية”. كما تؤكّد هيجل أن هذا النمط من العنف ساهم في خلق مناخ من الخوف.
ومن اللافت أنّه لم يتم اتهام أي شخص بأي من جرائم القتل والخطف تلك.
وقاطعت بعض الأحزاب الوليدة بالفعل الانتخابات التي تجري للمرة الأولى منذ احتجاجات أكتوبر 2019. وقال ناشط عراقي يعيش حاليا مختبئا لأنه يخشى التعرض للاعتداء، إن الهجمات على النشطاء كانت “لأنّ النخب السياسية والميليشيات شعرت بخطر النشطاء في الانتخابات”.
وازدهرت الميليشيات الشيعية بالعراق في ظل الفوضى التي أعقبت الغزو الأميركي للبلد، وتعززت قوتها واكتسبت قدرا من الشعبية من خلال دورها في القتال ضد تنظيم داعش. لكن مع انغماس تلك الميليشيات في أعمال إجرامية بعد هزيمة التنظيم قلب الرأي العام ضدها. وتجلّى ذلك في توجيه المتظاهرين غضبهم ضدّ تلك الفصائل وقادتها المرتبطين ارتباطا وثيقا بالحرس الثوري الإيراني.
وأعرب الكاظمي عن دعمه للمتظاهرين لكنه تعثر في الجهود المبذولة لكبح الميليشيات التي تتمتع بنفوذ سياسي حقيقي. فمشاركة ممثلين عنها في انتخابات سنة 2018 وحصولهم على سبعة وأربعين مقعدا من مقاعد البرلمان يتيح لها القول إنّ شرعيتها تفوق شرعية رئيس الوزراء غير المنتخب والمعيّن خلفا لسلفه عادل عبدالمهدي.
ويقول ريناد منصور الباحث في معهد تشاتام هاوس إنّ تمكّن الفصائل المسلّحة في العراق من الوصول إلى مؤسسة القضاء وممارسة التأثير على اللاعبين السياسيين الرئيسيين لا يجعلها مجرّد حفنة من الميليشيات بل يضعها داخل نظام الدولة.
وكان المتظاهرون يأملون في أن يخفف قانون انتخابي جديد تم التصديق عليه أواخر عام 2020 ويزيد عدد الدوائر الانتخابية قبضة الأحزاب السياسية الراسخة على السلطة. لكن المحللين يحذرون من أن الأحزاب الأكبر ذات الجذور الأعمق والعلاقات المحلية الأقوى ستظل لها اليد العليا.
وقال مستشار سياسي عراقي طلب عدم الكشف عن اسمه إنّ نفس الأحزاب التي تستفيد من المشاركة المنخفضة للناخبين تحاول جعل الناس يائسين من الانتخابات ومن إمكانية تحقيق التغيير عن طريقها، معتبرا أن سلسلة الاغتيالات يمكن تفسيرها في هذا السياق.
القدس العربي