تعطي زيارة سلطان عمان هيثم بن طارق إلى السعودية إشارة واضحة على أن عُمان في طريقها إلى تغيير أداء دبلوماسيتها مع دول الخليج، والقطيعة مع الطريقة العمانية السابقة في زيارة دول الجوار حيث كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد مقلاّ بشكل لافت، بل وكان لا يحضر القمم الخليجية.
يأتي هذا في وقت تراهن فيه السلطنة كما السعودية على الخروج بالعلاقات الثنائية من بعدها البروتوكولي الباهت الذي استمر لعقود إلى مرحلة جديدة تقوم على بناء شراكة اقتصادية متينة تقوم على تبادل المصالح والتعاون الذي يستفيد منه مواطنو البلدين.
ويصل السلطان هيثم الأحد (اليوم) إلى مدينة نيوم بشمال غرب السعودية في زيارة رسمية إلى المملكة ستكون الأولى له خارج بلاده منذ تسلمه زمام الحكم في يناير 2020 خلفا للسلطان الراحل قابوس.
واحتفت وسائل إعلام عمانية وسعودية بزيارة السلطان هيثم واعتبرت أن لقاءه المنتظر بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز حدث تاريخي سيقود البلدين إلى علاقات جديدة تعطي الأولوية للاقتصاد والمشاريع المشتركة، وهو ما تظهره تركيبة الوفد الوزاري الذي يصاحب السلطان هيثم إلى المملكة.
ويضم الوفد كلاً من: شهاب بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع، وخالد البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني، والفريق أول سلطان بن محمد النعماني وزير المكتب السلطاني (المشرف على الأمن، والذي قام بزيارة إلى السعودية في علاقة بموضوع اليمن)، وحمود البوسعيدي وزير الداخلية، وبدر البوسعيدي وزير الخارجية، وسعيد المعولي وزير النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، وقيس اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وعبدالسلام المرشدي رئيس جهاز الاستثمار العُماني.
وتظهر تركيبة الوفد الوزاري أن اللقاءات الرسمية العمانية السعودية التي ستتم على هامش الزيارة ستشمل أغلب الملفات بما في ذلك العسكرية والأمنية، والمسائل الدبلوماسية، لكن الاهتمام الأكبر سيتركز على الجوانب الاقتصادية لوجود وزراء من مختلف القطاعات، وهو ما يجعل الملف الاقتصادي هو الغالب على الزيارة.
وسبق أن مهد الجانبان لهذه الزيارة وأهميتها الاقتصادية من خلال لقاءات بين مسؤولين في البلدين ناقشت تعزيز التعاون والشراكة في مختلف المجالات.
ومن بين مشاريع هذه الشراكة إنشاء منطقة صناعية سعودية في السلطنة تقوم المملكة بتطويرها وتشغيلها وإدارتها، وتشمل، وفق ما ذكرت وسائل إعلام سعودية، بناء مسارات لوجستية لنقل البضائع بين المناطق الاقتصادية الخاصة السعودية والعمانية.
أحمد بن سعيد كشوب: المنطقة الاقتصادية بالدقم والمنفذ البري أبرز مرتكزات الشراكة
كما أعلن مسؤولون عمانيون عن قرب افتتاح أول طريق بطول 800 كيلومتر يربط بين البلدين بعد اكتمال إنشاء المرافق اللاّزمة لتقديم الخدمات لمستخدمي الطريق. ويمر الجزء الأكبر من الطريق عبر السعودية.
وأظهر اهتمام لافت للإعلام العماني بالزيارة أن السلطنة تراهن عليها من أجل أن توفر حلولا إضافية لمشاكلها الاقتصادية والمالية التي نتجت بشكل أساسي عن تذبذب أسعار النفط وتأثيرات جائحة كورونا على اقتصادها، لاسيما تقييدها لحركة السفر الذي خلّف ضررا بالغا لقطاع السياحة الحيوي في البلاد.
ويأمل مسؤولون عمانيون أن تفتح الزيارة مرحلة جديدة من الشراكة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
وتوقّع الخبير الاقتصادي أحمد بن سعيد كشوب أن “تكون المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم والمنفذ البري المتوقع افتتاحه قريبا بين البلدين والموانئ العُمانية أبرز المرتكزات التي ستقوم عليها هذه الشراكة”.
لكن التفاؤل بالتقدم على مسار الشراكة الاقتصادية لم يحجب الاهتمام لدى دوائر عمانية وسعودية مختلفة بنتائج الزيارة على مستوى القضايا الإقليمية، وخاصة ما تعلق باختلاف الموقف من التقارب مع إيران وعلاقتها بالحوثيين، وهو اختلاف يعتبره متابعون للشأن الخليجي العنصر الرئيسي في برود العلاقات الثنائية في السنوات الأخيرة.
ويقول هؤلاء المتابعون إن مسقط فهمت إشارات التغيير السعودية في الإقليم، من ذلك السعي إلى تسريع الحل السياسي في اليمن، والتهدئة مع إيران، وبناء علاقات إقليمية قائمة على تبادل المصالح، وهو التغيير الذي بدأت مسقط تتصرف على أساسه، من ذلك تسريع خطوات الوساطة التي تقوم بها بين مختلف الأطراف في اليمن، وكان أبرزها زيارة الوفد الأمني العماني إلى الرياض وصنعاء برئاسة وزير المكتب السلطاني.
علي العيسائي: اللقاء بين الملك سلمان والسلطان هيثم سيسهم في حلّ قضايا المنطقة
وتتطلع الرياض إلى دور عماني في حلحلة الصراع اليمني الذي أثقل كاهل المملكة ماليا ودبلوماسيا، وهو أمر تبنته السلطنة بشكل علني حين أكدت في بيان لها في مارس الماضي أنها مستمرة بالعمل مع مختلف الفرقاء “بهدف التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة” في اليمن.
كما رحّبت وسائل إعلام سعودية بزيارة السلطان هيثم إلى المملكة ودعت إلى زيادة الاستثمارات السعودية في السلطنة، وأثنى نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي على حياد عمان والوساطات التي تقودها لحل الأزمات الإقليمية.
ويعتقد سياسيون ومحللون عمانيون أن بلادهم يمكن أن توظف علاقاتها الجيدة مع القوى الإقليمية المختلفة، وقنوات الاتصال المفتوحة مع فرقاء الأزمة اليمنية، لتتحول إلى وسيط إقليمي فاعل، وتحويل هذه الميزة إلى عنصر مساعد في خدمة الاقتصاد العماني، لافتين إلى أن السعوديين باتوا يثمّنون عنصر الحياد العماني بعد أن كان يثير الشك في السابق، وهو العنصر الذي سيفتح السلطنة أمام الاستثمارات السعودية وقد يتوسع إلى استثمارات ومشاريع خليجية أوسع
ويراهن علي العيسائي عضو مجلس الدولة العماني على أنّ اللقاء بين الملك سلمان والسلطان هيثم سيسهم في حلّ جميع القضايا التي تمرّ بها المنطقة بما يخدم مصالحها ويضمن الاستقرار الإقليمي.
واعتبر عبدالعزيز الصواعي عضو مجلس الدولة العماني أنّ الزيارة ذات بُعد تاريخي وستنعكس تأثيراتها الإيجابية على مختلف القضايا في المنطقة وتؤكّد على تقارب وجهات النظر بين البلدين وتوافقها مما سيكون له دور كبير في استقرار وأمن المنطقة.
صحيفة العرب