الدين والسياسة (1)

الدين والسياسة (1)

كان للدين، وما يزال، تأثير قوي في حيوات وأفعال الناس منذ عشرات الآلاف من السنين، وتم تقديمه في جميع المجتمعات البشرية في أشكال مختلفة. وفي أقدم المجتمعات البشرية المعروفة، ثمة القليل من الأدلة في البقايا الأثرية، لكنها تعرض، مع ذلك، إشارات لا جدال فيها على وجود كل من الرموز والاحتفالات الدينية المختلفة. وعلى سبيل المثال، ثمة اقتراحات من رسومات الكهوف بإمكانية إرجاع المعتقدات والممارسات الدينية إلى حوالي 40.000 سنة قبل الميلاد. ومع ذلك، استمر الدين، على مدار الزمن التاريخي، في أن يكون أحد الجوانب المحورية (إن لم يكن الجانب الحاسم) للوجود والخبرة البشريين. وحتى اليوم، ما يزال الدين يؤثر في العديد من المجتمعات بشكل محوري على الناس من حيث كيفية إدراكهم ورد فعلهم على البيئات المحيطة التي يعيشون ويعملون فيها.
لا شك أن الدين لعب، تاريخيًا، دورًا بالغ الأهمية في السياسة العالمية والعلاقات الدولية. وقد أدركت العديد من الحضارات القديمة أن الدين يشكل أداة قوية عندما يتم ربطه بالسلطة العلمانية -وهي حقيقة يعترف بها العديد من الفلاسفة والكتاب السياسيين، مثل نيكولو مكيافيلي Niccolò Machiavelli (1469-1527)، الذي لاحظ أنه حيثما يوجد الدين، يكون من السهل تكوين الجيوش وخلق الانضباط (الأمير؛ الخطابات).
على غرار الأوقات السابقة، تستخدم الدول الحديثة والمعاصرة والجهات الفاعلة السياسية الأخرى الدين إما لتعزيز شرعية أفعالها (باسم الله)، أو لاحتواء الهويات الدينية التي قد تقوض ولاء المواطنين. وقد أعلنت العديد من السلطات العلمانية عن نفسها كمدافعين وحماة لطائفة دينية معينة: على سبيل المثال، الأباطرة الروس للمسيحية الأرثوذكسية الشرقية؛ أو القيادة الإسلامية للمملكة العربية السعودية للشريعة الإسلامية. وقد تأسست إسرائيل الصهيونية في العام 1948 على أساس اليهودية، والهند على الهندوسية، بينما تشكل البوذية سمة الهوية المحورية للتبتيين. وكان الفاتيكان خلال الحرب الباردة يكافح ضد الشيوعية في شرق ووسط أوروبا عن طريق تعزيز قومية مغلفة بالكاثوليكية. وقد لعب البابا يوحنا بولس الثاني دورًا سياسيًا ملهمًا للغاية في الثورة البولندية في العام 1989، حيث قدمت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية دعمًا صريحًا لـ”حركة التضامن” النقابية المناهضة للشيوعية، التي أطاحت أخيرًا بالحكومة الشيوعية لحزب العمال البولندي المتحد. وكان هناك وضع مماثل في ليتوانيا أو كرواتيا في الوقت نفسه، وبالتالي، يمكن استنتاج أن الكاثوليكية الرومانية فازت أخيرًا على تقسيمات الشيوعية.
ما الدين وما خصائصه المحورية؟
من حيث المبدأ، لا يوجد تعريف دقيق ومتفق عليه للدين. لكن الواضح، مع ذلك، هو الحقيقة اللغوية المتمثلة في أن أصل مصطلح الدين مشتق من الكلمة اللاتينية religiare. وتقترح هذه الحقيقة أن العديد من أنواع المعتقدات تتصف في الواقع بالخصائص الأساسية للدين (القومية، النازية، أو الماركسية). ومع ذلك، من الصعب للغاية تعريف الدين لغرضه، وبالتالي، ينجم السؤال: هل السحر أو الوثنية دين (ثيوصوفيا) أم مجرد مجموعة من الأديان؟ (1)
يمكن تعريف الدين، على الأقل من وجهة نظر علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا (إميل دوركهايم)، على أنه نظام ثقافي من المعتقدات والطقوس المتقاسمة بشكل مشترك، التي توفر إحساسًا بالمعنى والغرض النهائيين من خلال إنشاء فكرة عن الواقع، التي تكون مقدسة، وغامرة، وفوق-طبيعية.
من وجهة النظر الأكثر عمومية، الدين هو مجتمع منظم من الناس الذين يرتبطون ببعضهم بعضا من خلال معتقدات مشتركة حول بعض الحقائق المتعالية transcendent. والآن، يكون السؤال: ما “المتعالي”؟ في سياق المعتقد الديني، يُفهم المتعالي على أنه أي اعتقاد “قادم من عالم آخر” بشكل مميز ليكون كائنًا أسمى أو “إلهًا خالقًا” وحاكمًا أعلى Pantocrator. ومع ذلك، في حالة البوذية، يمكن أن يكون ذلك تجربة “دنيوية” للتحرر الشخصي (نيرفانا).(2)
يهتم الدين عادة بعبادة كينونات متعالية أو فوق-طبيعية، يكون وجودها خارج هذا العالم، أو على الأقل فوق العالم الفاني والمؤقت. وفي الأشكال التوحيدية للدين، مثل اليهودية والمسيحية والإسلام، يتركز الاهتمام الديني في إله واحد كلي القدرة، كلي الوجود، وكلي المعرفة -خالق الكون.
في العقائد الدينية الرئيسية اليوم، ثمة اختلافات جوهرية بين العقائد التوحيدية للإسلام واليهودية والمسيحية، التي لها نصوص مقدسة واحدة أو عدد محدود من النصوص المقدسة ونظام واضح للسلطة والتعليم الفلسفي (العقيدة)، من جهة، ومن جهة أخرى، ثمة الديانات الوجودية وغير التوحيدية والطبيعية، مثل الهندوسية والبوذية والجاينية والطاوية، التي تميل إلى أن تكون لها هياكل أكثر مرونة وأكثر لامركزية وأقل استبدادية وأكثر تعددية. وبالنسبة لجميع الديانات التوحيدية الثلاث الرئيسية اليوم (ديانات الكتاب)، فإن ما تسمى بالحرفية الكتابية هي مسألة شائعة -إيمان بالحقيقة الحرفية لبعض النصوص المقدسة (الكتب المقدسة)، التي لها، باعتبارها كلمة الله الموحاة، سلطة مطلقة لا يدانيها الشك (العهد القديم، العهد الجديد، القرآن).
من المؤكد أن الدين هو نوع من الشكل الثقافي. وتتكون الثقافة، بدورها، من القيم المشتركة، والمعتقدات، والأعراف، والتقاليد، والعادات والأفكار التي تشكل جميعها هوية مشتركة بين أعضاء مجموعة معينة من الناس. ومع ذلك، يشترك الدين في جميع الخصائص المذكورة. ويشتمل الدين على معتقدات تتخذ شكل ممارسات، أسبِغ عليها، في جوهرها، طابع طقوسي. ولذلك، لجميع الأشكال الدينية، في الممارسة العملية، جانب سلوكي، يعني أن لديها مجموعة خاصة من الأنشطة العملية (الطقوس) التي يشارك فيها المؤمنون (أتباعُ الدين) وتُعرِّفهم كأعضاء للمجتمع الديني.
ومع ذلك، فإن النقطة المحورية للدين هي أنه يوفر إحساسًا بالغاية (من الحياة)، وهو شعور وتفسير يفيد بأن الحياة لها معنى في نهاية المطاف، وأنها تمضي بغاية نهائية. وبعبارات أخرى، يشرح الدين (أو العقيدة الدينية) بشكل متماسك، وإنما مقنع، ما يتجاوز حياة الإنسان. ومع ذلك، عادة ما يتم شرحه بطريقة لا تستطيعها بعض الجوانب الثقافية الأخرى (نظام التربية المدنية، والعلوم، وما شابه).
عادة ما يؤمن الناس بإله أو بآلهة عدة (التأليه theism -مصطلح من أصل يوناني يعني الإيمان بإله/ آلهة)، أي الإيمان بواحد أو أكثر من الآلهة الخارقة للطبيعة باعتبار ذلك الأساس للدين. ومع ذلك، في الممارسة، لا يكون هذا حاضراً بالضرورة في جميع الحالات، لأن بعض الديانات (البوذية) تؤمن بوجود قوى روحية بدلاً من إله معين أو آلهة معينة.
في المجتمعات والجماعات التقليدية والمحافظة، عادة ما يلعب الدين دورًا رئيسيًا وتأثيرًا في الحياة الاجتماعية واليومية. وبشكل عام، يتم دمج الرموز والطقوس الدينية بالمنتجات الثقافية المادية و/ أو الفنية لمجتمع معين (الرسومات، والموسيقى، والنحت، والرقص والأدب). وفي بعض المجتمعات الصغيرة، لا يوجد كهنة محترفون، وإنما تكون بعض الشخصيات متخصصة في معرفة الممارسات الدينية أو السحرية (الشامان). والشامان هو شخص يُعتقد أنه قادر على توجيه الأرواح أو القوة الخارقة باستخدام طقوس معينة، وهؤلاء الأشخاص هم في كثير من الحالات سحرة أكثر من كونهم قادة دينيين حقيقيين.
العقائد الأخلاقية الصارمة أساسية لجميع العقائد الدينية الرئيسية اليوم، وهي، في الممارسة العملية، في تناقض مع المفهوم الاجتماعي للـ”النسبية الأخلاقية”، التي هي النهج الذي لا توجد فيه قيم أو شروط أخلاقية مطلقة، ويوجد فيه خلاف عميق واسع النطاق حول السمات الحاسمة للظاهرة الأخلاقية.
كان الدين، وما يزال، يتمتع بأهمية أخلاقية كبيرة في غالبية المجتمعات. وعلى سبيل المثال، عادة ما يكون ما يجب على الأفراد، أو مجموعات الناس، فعله مشتقًا من وجود الله، وطبيعته وإرادته. ويُفترض أنه من الصعب أن يكون المرء متديناً حقاً بأي شكل من الأشكال من دون أن يحدد هذا الدين بعضًا من معتقدات المرء السياسية. والعلاقة الأكثر طبيعية بين الدين والسياسة هي تلك التي يكون فيها لأهم الأسئلة السياسية إجابات دينية (شرعية السلطة، صواب/ خطأ التشريع). وأنواع السلطات المبررة دينياً هي ثيوقراطية وغير ثيوقراطية. في الثيوقراطيات، يجب أن يحكم الوحي الإلهي والكهنة الذين يؤولونه مباشرة. وفي الأنظمة غير الثيوقراطية، سوف يكون المقدّس قد أجاز الشكل المعين للحكم العلماني (عقيدة الحق الإلهي للملوك في الحكم).
صدام الحضارات والدين
بالنسبة لصمويل ب. هنتنغتون Samuel P. Huntington (1927-2008)، فإن الدين هو السمة المركزية المميزة للحضارات. وقد نظر إلى الدين على أنه السمة المميزة المحورية للحضارات، بحيث يكون صدام الحضارات، في هذه الحالة، في الواقع مرادفاً لصدام للأديان. وبعبارات أخرى، فإن فكرته عن صدام الحضارات تعني فعليًا صداماً بين الأديان. وفي جوهره، يقترح صدام الحضارات، كأطروحة، أن السياسة العالمية والنظام الأمني في القرن الحادي والعشرين سوف يتسمان بالتوترات الحادة والصراعات المفتوحة بين الحضارات المختلفة (في الحقيقة العقائد الدينية). ومع ذلك، سوف تكون مثل هذه النزاعات ذات طابع ثقافي في شخصيتها أكثر من كونها أيدولوجية أو سياسية -أو حتى اقتصادية.
علينا أن نضع في اعتبارنا أن الثقافة، من منظور أكثر عمومية، هي طريقة حياة للبشر: دينهم، قيمهم أو ممارساتهم. وعلى المستوى الأنثروبولوجي، ثمة فرق بين “الثقافة” و”الطبيعة”، لأن الثقافة هي ما ينتقل من جيل إلى آخر بالتعلم والتعليم، وإنما ليس عن طريق الإرث البيولوجي. وتشمل الثقافة اللغة، والدين، والعادات والتقاليد وبعض الأعراف الاجتماعية، وبعض الالتزامات الأخلاقية القائمة على المبادئ العرفية. ويضع علماء الاجتماع فرقًا بين الثقافة “العالية” (الفن والأدب) و”المتدينة” (الشعبية). والثقافة هي الاعتقاد بأن الناس كائنات معرَّفة ثقافيًا وأن الثقافة هي الأساس المحوري لكل من الهويتين، الشخصية والجماعية.
كان التنبؤ الأساسي لصمويل هنتنغتون هو أنه في حقبة ما بعد الحرب الباردة للسياسة العالمية والعلاقات الدولية، ستكون الحضارات القائمة على الأديان والقيم الدينية هي القوة الأساسية. ولذلك، تتناقض أطروحة هنتنغتون عن صدام الحضارات (العقائد الدينية) بشكل مباشر مع الإطار النيوليبرالي للسياسة العالمية، لأنها تقوم على فكرة الترابط بين أجزاء مختلفة من العالم، والثقافات، والحضارات، والعقائد في وقت العولمة الفائقة. في الأساس، كان هنتنغتون واقعيًا حيث قبل النهج الواقعي التقليدي في العلاقات الدولية القائل إن العوامل والجهات الفاعلة الرئيسية في السياسة العالمية ما تزال دولًا مدفوعة بالقوة. ومع ذلك، تم تعديل واقعيته من خلال مقاربته القائلة إن الصراع على النفوذ يأخذ مكانًا ضمن نطاق أوسع من الصراع الحضاري (المذهبي) -وإنما ليس الأيديولوجي.
في رأيه، على أغلب تقدير سوف تحدث النزاعات الثقافية-الدينية على مستوى جزئي (محلي، إقليمي) وعلى مستوى كلي (عالمي). ويمكن أن تحدث الصراعات الصغيرة على طول خطوط القسمة بين الحضارات والأديان (البوسنة والهرسك، وكوسوفو، وكرواتيا في التسعينيات) حيث تصطدم حضارة-دين مع أخرى في ما يتصاعد إلى حروب إقليمية (حروب خلافة يوغوسلافيا في 1991-1995). وعلى المستوى الكلي، يمكن أن تحدث الصراعات والحروب الحضارية-الدينية بين الحضارات أو بين الأديان نفسها حيث تكون دولها الأساسية هي الجهات الفاعلة المحورية (على سبيل المثال، إيران كقائد للإسلام الشيعي). ومع ذلك، بالنسبة لصمويل هنتنغتون، يمكن أن يكون الصدام الأكثر خطورة بين الصين بقيمها الثقافية الصينية المميزة والغرب (المسيحية الغربية)، أو بين الغرب والإسلام (بين اللاتوافُق الثقافي بين أنظمة القيم للحضارتين، الغربية والإسلامية). أما احتمال الصراع الثالث، فبين الغرب (الإمبريالي) والـ”بقية” (الكتلة المناهضة للغرب المكونة من الصين والدول الإسلامية). ويمكن، في رأيه، إدارة الصراعات الحضارية من خلال التدخل السياسي، حيث حذر من أن من شأن الطريقة الغربية الوحشية لتحقيق الديمقراطية السياسية وتعزيز حقوق الإنسان أن تدفع الحضارات غير الغربية إلى إقامة تحالف مشترك مناهض للغرب.
الهويات والمشاعر الدينية
أصبح الدين خلال العقود الماضية ذا أهمية متزايدة في دراسة تخصص العلاقات الدولية وفي ممارسة السياسة العالمية. وقد أدرك كل من العلماء والسياسيين أن الهويات والمشاعر الدينية ما تزال تتمتع بالأهمية القصوى في أكبر أجزاء العالم. ومن الواضح أننا نشهد، منذ العام 1990، صعود الهوية الدينية كعامل قوي في السياسة العالمية والعلاقات الدولية.
كانت الهوية، والمشاعر والتضامن الدينية أكثر أهمية من الهويات والمشاعر والتضامن القومية لعدة قرون وكانت الأسباب المحورية للصراعات السياسية والحروب، سواء داخل أو بين الدول (حرب الثلاثين عاماً، 1618-1648) حتى معاهدة سلام ويستفاليا في العام 1648. وقد أنهت هذه المعاهدة الحروب بين الروم الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا، كما أنهت فترة الهيمنة الدينية (المسيحية) على الدول في أوروبا. ومنذ العام 1648 فصاعدًا، حلت سيادة الدول محل ما فوق-طبيعية الفاتيكان والبابا. وفي الوقت نفسه، تحولت هوية الناس وولاؤهم تدريجياً من طوائفهم الدينية إلى حكامهم وأممهم ودولهم. وانتشر نظام ويستفاليا خارج أوروبا بعد العام 1648 إلى بقية العالم (المستعمرات الغربية). ومع ذلك، لم تحل الأمم والمشاعر القومية محل الأديان تمامًا كهوية جماعية يكون الأفراد و/ أو الجماعات مستعدين للذهاب من أجلها إلى الحرب.
في العديد من الحالات التاريخية، خلفت الهوية العرقية أو القومية أكثر من كونها نسخت الهوية الدينية، وصنعت مظلة للحروب الدينية قبل العام 1648. وكانت الأكثر أهمية في هذا النوع من الحروب في أوروبا “حروب الإصلاح” التي بلغت ذروتها خلال “حرب الثلاثين عامًا”، لكنها ظلت، مع ذلك، قائمة في أيرلندا الشمالية والبلقان في التسعينيات. ومن حيث المبدأ، هناك في كثير من الحالات تداخل بين الهوية الدينية والهوية العرقية/ القومية، ولكن النزاعات والحروب من نوع تلك التي في أيرلندا الشمالية، أو يوغوسلافيا السابقة، أو من أجل استقلال التاميل، تُفهم جيداً على أنها صراعات يخوضها القوميون، والتي يتم فيها تأطير الأمة (مجتمع متخيل) على أسس الهوية الدينية، أكثر من كونها نزاعات دينية في حد ذاتها. ومع ذلك، فإن فصل باكستان وبنغلاديش عن الهند بعد الحرب العالمية الثانية كان قائمًا على أسباب دينية أكثر من كونها عرقية/ قومية.
في بعض الدول والمناطق، تتنافس الهوية المذهبية والمشاعر الدينية مع المواطنة فيما يتعلق بولاء وتضامن الأفراد والشعب كمجموعة، خاصة في تلك الحالات التي تستند فيها العلاقات بين الأغلبية والأقلية إلى معتقدات دينية مختلفة و/ أو متعارضة. وتعد النزاعات المتعلقة بقضايا الهوية، خاصة تلك التي تتعلق بالدين، حادة بشكل خاص في مناطق معينة من العالم، لكنها ظاهرة أكثر ما يكون في الشرق الأوسط (في أوروبا في البلقان). والحقيقة هي أن النوع الأوروبي من القومية والهوية الوطنية القائمة على الإقليم/ الأرض لم تتجذر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبشكل عام بين العرب (المسلمين) لأن كُلا من القومية العربية والإسلام لا يعترفان بحدود الدولة القائمة أو أي حدود سياسية بين العرب و/ أو المسلمين. ولذلك، تهدد هاتان الأيديولوجيتان تقليديًا استقرار ووظيفة الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث، إضافة إلى ذلك، عادة ما تكون الهوية الإسلامية أكثر أهمية من الهوية العربية.

*Vladislav B. SOTIROVIC: أستاذ في جامعة العلوم الإنسانية الأوروبية، ليتوانيا. مجالاته الأكاديمية الرئيسية في التدريس والبحث هي السياسة العالمية، والعلاقات الدولية، والدراسات الأوروبية البلقانية، واللغة الصربية وفقه اللغة، والعولمة، وإدارة الجودة، والتواصل بين الثقافات، والتسويق، والدراسات الأوروبية، والديمقراطية، والنظم السياسية، والأسواق الناشئة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Religion And Politics (I)

هوامش المترجم:
(1) تتكون الثيوصوفيا أو الثيوصوفية (الحكمة الإلهية) Theosophia، من مقطعين هما “ثیو” بمعنى (إله أو إلهي)، و”سوفوس” التي تعني (الحكمة)، وبذلك يكون معناه (الحكمة الإلهية). وهي مفهوم ديني فلسفي ظهر في جذوره الأولى كممارسات روحية في الشرق الأقصى القديم بشكل خاص، ولكنه ظهر على يد أمونيوس ساکاس في العصر الهيلنستي، وهو مؤسس الأفلاطونية الحديثة الذي كان أستاذاً للفيلسوف أفلوطين أحد أكبر أعلامها. وظل التيار حيا في الجمعيات الدينية الفلسفية السرية حتى جاءت هيلينا بتروفنا بلافاتسكي، التي وضعت مبادئ الحكمة الأزلية، وترى أن الأديان واحدة في جوهرها مختلفة في شكلها، ولكنها تنبثق عن الحقيقة الإلهية الواحدة. وعلى الرغم من أنها ترى أن الثيوصوفيا لا علاقة لها بدين محدد ومعروف، فإنها ترى أنها (دین الحكمة)، التي تسميها الأدبيات الثيوصوفية بـ”الفلسفة الباطنية”. (ويكيبيديا)
(2) النيرفانا في البوذية الجاينية هي حالة الخلو من المعاناة. والـ(نيرفانا) هي حالة الانطفاء الكامل التي يصل إليها الإنسان بعد فترة طويلة من التأمل العميق، فلا يشعر بالمؤثرات الخارجية المحيطة به على الإطلاق، أي أنه يصبح منفصلا تماما بذهنه وجسده عن العالم الخارجي، والهدف من ذلك هو شحن طاقات الروح من أجل تحقيق النشوة والسعادة القصوى والقناعة وقتل الشهوات، ليبتعد الإنسان بهذه الحالة عن كل المشاعر السلبية من الاكتئاب والحزن والقلق وغيرها. ويصل الكهنة البوذيون والزهاد الهنود إلى حالة الـ(نيرفانا) بعد فترات طويلة جدا من التأمل العميق، إلا أن الأمر وبطبيعة الحال صعب جدا على عامة الناس، وكل ما ذكرناه واقعي تماما على الرغم من أنه يبدو مجرد فكرة فلسفية.

الغد