الجذور العميقة لأعمال العنف والنهب في جنوب إفريقيا

الجذور العميقة لأعمال العنف والنهب في جنوب إفريقيا

ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية مشاهد نهب واحتجاجات عنيفة في جنوب إفريقيا عقب سجن الرئيس السابق جاكوب زوما. ومع ذلك، من الخطأ تفسير ما يحدث هناك على أنه علامة على الدعم السياسي الهائل لزوما. ومن الخطأ أيضًا اعتبار هذه الأفعال الجسيمة من الإجرام والسرقة غير قابلة للتفسير.
على العكس من ذلك، كانت مشاهد الدمار العنيف التي تتجلى في مقاطعتي “غوتنغ” و”كوازولو ناتال” هي النتائج المنطقية والمتوقعة للانحدار الأخلاقي والفشل التكنوقراطي للدولة التي يديرها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. ولا ينبغي طمس هذه الجذور العميقة للعنف الذي وقع الأسبوع الماضي بحكم أخلاقي متسرع حول السلوك المعادي للمجتمع من طرف الأشخاص الذين يعيشون على هامش مجتمع جنوب إفريقيا.
يقضي زوما حكماً بالسجن لمدة 15 شهرًا أصدرته المحكمة الدستورية -أعلى محكمة في جنوب إفريقيا- بتهمة ازدراء المحكمة بعد أن تجاهل عمداً أمرًا للإجابة عن الأسئلة أمام لجنة تحقيق قضائية مكلفة باكتشاف الحقائق حول سنوات من فساد الدولة. وبعد فترة وجيزة من دخول زوما السجن يوم الأربعاء قبل الماضي، ضجت منصات وسائل التواصل الاجتماعي بمطالب تطلقها أصوات مجهولة الوجوه والأصوات بإطلاق سراحه، وإلا فسوف تكون هناك احتجاجات.
وكان هذا هو السبب المباشر لحرق شاحنات المسافات الطويلة في كوازولو ناتال، وإغلاق الطرق الرئيسية، والنهب الوحشي لمراكز التسوق والتدمير العنيف للممتلكات، الذي سرعان ما انتشر إلى غوتنغ، المركز الاقتصادي للبلاد. وقد لقي ما لا يقل عن 72 شخصًا مصرعهم في الأحداث، وأصيب العشرات، ولحق دمار كبير بقيمة مليارات الراندات.
وحتى توزيع لقاحات “كوفيد – 19” تعطل، حيث يخشى العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية من الذهاب إلى العمل؛ كما أغلقت العديد من أماكن توزيع اللقاحات أبوابها خوفًا من النهب. وفي بعض المستشفيات، حدث نقص في الأكسجين لأن إغلاق الطرق جعل من المستحيل إيصال الأكسجين إليها.
لذلك، تعاني جنوب إفريقيا أزمة اقتصادية وسياسية خطيرة، تفاقمها أوضاع الصحة العامة. لكن عمليات النهب والاحتجاجات تشير إلى فشل القيادة السياسية، وإلى حكومة لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي لم تعد صالحة لهذا الغرض. كان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم منذ فترة طويلة مشغولاً للغاية بالمعارك الداخلية بين الفصائل -بما في ذلك بين زوما والرئيس الحالي سيريل رامافوزا -والنهب من الدولة نفسها بحيث لم يعد هناك وقت لإبقاء عين على المجتمع، ناهيك عن الحكم بالشكل الصحيح.
حتى الآن، كان عمل الشرطة غير فعال بشكل كبير ولم يرتدع اللصوص. وعنى الفساد داخل أجهزة استخبارات الدولة، وتسييس الهياكل الاستخباراتية على مدى سنوات عديدة، أن الشرطة ليس لديها ما يكفي من الدعم من عملاء المخابرات لتوقع مسارات العنف وقمعها جميعًا بسرعة. والآن، تم نشر الجيش لمساعدة الشرطة -وهي علامة على أن الدولة تفتقر إلى القدرة على الحفاظ على سلامة المواطنين باستخدام آليات الأعمال الشرطية العادية.
ومع ذلك، يشكل السرد السائد الذي يركز على تفشي الجريمة تجاهلاً للصورة الكلية. ثمة أكثر من 74 في المائة من الشباب دون سن 25 عاطلون عن العمل، في حين أن 43.2 في المائة من مجموع السكان من العمال المحتملين ليس لديهم عمل أيضاً. ويعاني نصف سكان جنوب إفريقيا فقرا مزمنا. ولعل العامل المنسي أكثر ما يكون هو أن مستويات عدم المساواة في الأصول والدخل تجعل هذا البلد واحدًا من أكثر المجتمعات انعداماً للمساواة اقتصادياً على وجه الأرض، مع وجود مجموعة صغيرة من الأثرياء في القمة، وطبقة وسطى غير مستقرة (من نوع ما)، وقاعدة كبيرة من الفقراء الذين يمتلكون العدد الأقل من الأصول.
وهكذا، قد تكون الشرارة المباشرة لهذا الانعدام للاستقرار هي سجن زوما. لكن زوما هو في النهاية قوة سياسية مستهلكة. وثمة عالم أكثر قرباً من المسائل الإنسانية يتدخل هنا.
ليس للملايين من السود في جنوب إفريقيا الذين يعيشون في ظل ظروف من الفقر الشديد حصة في جنوب إفريقيا الحرة اسمياً التي قادها نيلسون مانديلا. وليس لديهم سبب ليكونوا متحمسين للاستيقاظ غدًا. ولديهم احتمالات قاتمة لتحقيق الذات. إنهم لن يفقدوا سمعتهم أو وظائفهم إذا ثبتت إدانتهم بارتكاب العنف العام والسرقة، لأنك لا تستطيع أن تفقد إلا ما يكون لديك. وهم يفتقرون إلى الأمل والثقة في الحكومة، لأن الاستثمار السياسي في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي منذ العام 1994 لم يحقق شعاره السياسي المعروف: “حياة أفضل للجميع”.
بدلاً من ذلك، سمح حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بالسرقة على نطاق واسع من الخزائن العامة -وهو على وجه التحديد السبب في تهرُّب زوما من المساءلة. واللامساواة في البلد عميقة لدرجة أنها ترتبط بالعنف غير المبرر. ومهما كانت النوايا الضيقة لأبناء “حرِّروا زوما” الذين أشعلوا النار أولاً في الشاحنات، فمن الواضح أن العديد من أولئك الموجودين الآن في الشوارع يستهدفون بشكل مباشر دولة -ومجتمعاً- تخليا عنهم وجعلاهم غير مرئيين.
وهذا لا يعني أن الحكومة يجب ألا تؤمِّن الدولة وتعتقل الخارجين عن القانون. يجب أن تفعل. فهذا بعد كل شيء هو الواجب السياسي الأول لجميع الدول. لكن هزّ الأصابع بالتهديد في اتجاه اللصوص لن يحل المشكلة. سوف يتم العثور على الحل في الإجابة عن سؤالين لم يتم طرحهما في الوقت الحالي: ماذا سيفعل الجنوب أفريقيون للقضاء على جميع أشكال عدم المساواة؟ وإلى متى سيستمر الناخبون في جنوب إفريقيا في مكافأة حكومة يقودها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لا تستجيب لاحتياجاتهم؟

الغد