تدابير رئيس تونس.. “جدل ثلاثي” يعكس انقساما سياسيا

تدابير رئيس تونس.. “جدل ثلاثي” يعكس انقساما سياسيا

تهيمن على الساحة السياسية في تونس حالة من الجدل الشديد منذ أن أعلن الرئيس قيس سعيّد، مساء الأحد، عن تدابير استثنائية اعتبر أنها تعتمد على الفصل 80 من الدستور.

هذا الجدل يجسد انقساما سياسيا في البلاد وتباينا في المواقف بين مكونات المجتمع من أحزاب سياسية ومنظمات مدنية، فضلا عن المواطن العادي.

وإثر اجتماع طارئ مع قيادات عسكرية وأمنية، أعلن سعيّد إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، وتجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، وترؤسه النيابة العامة.

واشتد الانقسام بشأن هذه التدابير الاستثنائية، لتضاف إلى جملة مشاكل اقتصادية واجتماعية وأزمة سياسية مستفحلة تعاني منها البلاد منذ أوائل العام الجاري، مما أدى إلى تشكل المشهد الاستثنائي الراهن.

وجاءت قرارات سعيد في ضوء احتجاجات شعبية في محافظات عديدة طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة بأكملها واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.

الساعات الأولى من إعلان التدابير الاستثنائية استقبلها الشعب التونسي منقسما بين مؤيد ومعارض لتفعيل الفصل 80، واختلفت المسميات والتوصيفات لما حدث بين “انقلاب على الدستور” و “تصحيح المسار”، فضلا عن جدل بشأن إخضاع مسؤولين للإقامة الجبرية.

توقيفات أم إقالة ورفع الحصانة؟
مساء الأحد، 25 يوليو/ تموز الجاري، تسارعت الأحداث بشكل ملفت وثارت التساؤلات الأولى حول مصير رئيس الحكومة “المُقال” المشيشي، وكذلك مصير مجلس نواب الشعب (البرلمان)، برئاسة راشد الغنوشي، رئيس حركة “النهضة”، صاحبة أكبر كتلة برلمانية (53 نائبا من 217).

المشيشي تم استدعاؤه إلى القصر الرئاسي، وتواردت أنباء عن وضعه قيد الإقامة الجبرية وأخرى تفيد بوجوده في منزله، وهو ما أثار جدلا.

ومنذ يناير/ كانون الثاني الماضي، عانت تونس من أزمة سياسية بين سعيد والمشيشي، على خلفية تعديل وزاري أجراه الأخير ورفضه سعيّد.

وأعلن المشيشي، عبر “فيسبوك” الإثنين، عن” تخليه عن منصبه وتسليم المسؤولية إلى الشخصية التي سيكلّفها السيد رئيس الجمهورية لرئاسة الحكومة في كنف سنة التداول التي دأبت عليها بلادنا منذ الثورة”.

وفي 2011 اندلعت في تونس ثورة شعبية أطاحت بنظام الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).

كما نفت حركة “النهضة”، في بيان، صحة أنباء عن وضع الغنوشي، رئيسها ورئيس البرلمان، قيد الإقامة الجبرية.

وعشية قرارات سعيّد، انتقل الغنوشي ليلا من مقر حزبه إلى البرلمان، الذي أغلقته فرقة من الجيش، ومنعت دخول الغنوشي ونواب آخرين إليه في الصباح.

كما أن قرار رفع الحصانة عن النواب، خلال التدابير الاستثنائية، فتح الباب أمام شائعات عن إيقاف نواب، لكن لم تؤكد أي جهة رسمية أو حقوقية حدوث عمليات توقيف.

البرلمان.. مُجمد أم مُنعقد؟
إغلاق مبنى البرلمان أثار جدلا حول التزام سعيّد بنص الدستور، باعتبار أن البرلمان، حسب الفصل 80، يبقى في حالة انعقاد دائم.

وقال كريم المرزوقي، باحث جامعي، إن “تجميد اختصاصات البرلمان هي مخالفة لصريح الفصل 80 من الدستور، الذي ينص على بقاء البرلمان في حالة انعقاد”.

وأضاف: “والسؤال المطروح يتعلق بطبيعة العلاقة بين البرلمان والحكومة المنتظر تشكيلها، وقد أعلن رئيس الدولة توليه السلطة التنفيذية بالكامل، وأن رئيس الحكومة القادم سيكون مسؤولا أمامه، والحال أن الدستور الحالي يعتمد نظاما شبه برلماني يجعل الحكومة مسؤولة أمام البرلمان”.

وتابع المرزوقي: “تم النص على أن رفع التجميد عن البرلمان سيتم بعد 30 يوما، مقابل السكوت عن بقية التدابير التي لا يفترض أن تكون معنية بأجل الشهر، وبالخصوص قرار تولي رئيس الدولة للسلطة التنفيذية”.

واستطرد: “رئيس الدولة أعلن أن رفع التدابير موقوف على انتهاء الموجب (ما استوجب فرضها).. وهو موجب غير قابل للانتهاء في الزمن، مع غياب رقابة المحكمة الدستورية (لم يتم تشكيلها جراء خلافات)”.

وتساءل المرزوقي: “هل سينتهي هذا الموجب وتنتهي جميع التدابير، أي العودة من التنظيم المؤقت للسلطة إلى دستور 2014، خاصة تنظيم السلطة؟”.

التدابير.. انقلاب أم تصحيح؟
المواقف المتباينة من التدابير الاستثنائية ألقت بظلالها على جميع المكونات السياسية في تونس، فانقسمت بين مؤيد ومعارض وصامت، في ظل جدل مشتعل.

وقال عادل بن عبد الله، محلل سياسي وجامعي، إن “ما قام به سعيّد أقرب ما يكون للانقلاب، فهو يقول إنه قام بتأويل للفصل 80 من الدستور، ولكن هذا التأويل حسب أساتذة القانون الدستوري لا يسمح له بتوقيف أشغال المجلس النيابي ولا يسمح له بتولي الحكومة والجمع بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، رغم تراجعه عن الأخيرة بعد لقائه بالمجلس الأعلى للقضاء (الإثنين)”.

واعتبر أن “الإشكال ليس في توصيف ما قام به سعيّد، وإنما مدى استجابة ما قام به مع انتظار التونسيين؛ لأن هذه المنظومة وصلت إلى مرحلة مأزومة وتعطيل المجلس النيابي ووزراء غير ملتحقين بمناصبهم”.

وتابع: “هذه الأزمة حصيلة أزمات كبرى منذ 2011، وحتى لو افترضنا أن ما وقع انقلاب، فإنه جاء ضمن سلسلة كاملة من الانقلابات التي بدأت منذ 2011، انقلابات على استحقاقات الثورة”.

وعدَّدَ هذه الانقلابات في: “رفض العزل السياسي، توافقات هشة في صياغة الدستور، القانون الانتخابي، المصالحة الاقتصادية، إخراج المحاسبة والمساءلة من مسار العدالة الانتقالية، التطبيع مع الفساد والتغطية على رجال أعمال فاسدين”.

وأردف بن عبد الله: “المنتظر من سعيّد لطمأنة الرأي العام الداخلي والخارجي هو إيجاد خارطة طريق وضمانات كي لا يتحول الاستثنائي إلى دائم، وليبتعد بذلك عن شبهة الانقلاب، ويُعتقد فعلا أنه مسار تصحيح ثورة أو مسار إصلاحي”.

وزاد بأن “الرأي العام ينتظر تعامل سعيّد مع مسائل الفساد تعاملا غير انتقائي وغير مسيس، ويجب مواجهة منظومة الفساد دون اختزالها في بعض الخصوم السياسيين”.

وعقب لقائه قادة منظمات محلية الإثنين، حاول سعيّد، عبر مقطع مصور، تبرير قرارات الأحد، بقوله: “لسنا انقلابيين، لكننا لن نترك الدولة التونسية لقمة سائغة.. والدليل تواصل الحوارات مع المنظمات الوطنية”.

ويُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضًا ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.

لكن في أكثر من مناسبة اتهمت شخصيات تونسية دولا عربية، لا سيما خليجية، بقيادة “ثورة مضادة” لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفا على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.

(الأناضول)