ما الذي تخافه إسرائيل بعد توطيد العلاقات بين روسيا وإيران؟

ما الذي تخافه إسرائيل بعد توطيد العلاقات بين روسيا وإيران؟

في السنة الأخيرة واصلت روسيا وإيران تعزيز علاقاتهما السياسية، وكان تنسيق المواقف بالنسبة للاتفاق النووي في مركز ذلك. في صيف – خريف 2020 عارضت روسيا بشدة، بما في ذلك في مجلس الأمن، محاولة إدارة ترامب استخدام آلية “سناب باك” ومنع رفع حظر السلاح عن إيران. في مفاوضات فيينا حول العودة إلى تطبيق الاتفاق النووي، التي بدأت بعد دخول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، مواقف روسيا هي الأكثر قرباً من مواقف إيران بالنسبة لمواقف الدول العظمى المشاركة في المفاوضات. إضافة إلى ذلك، أظهرت موسكو التسامح تجاه خروقات إيران المستمرة في مجال تخصيب اليورانيوم ومراكمة الاحتياطي، رغم أنها تطلب من طهران التوقف عن ذلك. وروسيا متشائمة بخصوص القدرة على التوصل إلى تفاهمات مع إيران حول تقييد قدرتها الصاروخية أو سياستها الإقليمية العنيفة. لذلك، هي تعارض مطالبة أمريكا تضمين الاتفاق الذي يتم بحثه تطرقاً لهذه المسائل.

وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، زار موسكو في كانون الثاني 2021، قريباً من الفترة التي تسلمت فيها إدارة بايدن مهماتها، وهناك وقع على اتفاق تعاون مع روسيا في موضوع “أمن المعلومات” (الذي تضمن -حسب روسيا- مجال السايبر). ويشار إلى أن الكثيرين فسروا الاتفاق بأنه نية للتعاون التكنولوجي بين الدولتين، لكنه فعلياً موجه بالأساس للدفع قدماً برؤى مشابهة في المنظمات الدولية فيما يتعلق بالسيادة في فضاء السايبر وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

صحيح أن تسعة أشهر مرت على رفع الحظر عن بيع السلاح لإيران دون أن تعلن روسيا وإيران بشكل علني عن صفقات جديدة، لكن التعاون بينهما في هذا المجال آخذ في التعمق من وراء الكواليس. عشية القمة بين بوتين – بايدن (16 حزيران)، نشرت وسائل إعلام أمريكية بأن روسيا ستوفر لإيران قمراً اصطناعياً للتصوير يمكنها من جمع معلومات دقيقة أيضاً لغايات عسكرية. مع ذلك، نفى الرئيس بوتين نية روسيا بيع إيران قمراً اصطناعياً. وقال إنه لا يوجد أي تقدم بين الدولتين في مجالات أخرى لبيع السلاح.

هذا الفصل يؤكد على أن غلاف العقوبات الأمريكية الواسع على إيران وعلى روسيا يدفعهما إلى إخفاء حجم العلاقات الأمنية بينهما عن وسائل الإعلام. وفي أعقاب وضع تشريع “سي.إي.إي.تي.اس.إي” فإن جميع الدول التي تشتري السلاح من موسكو تخاطر بدفع ثمن سياسي واقتصادي باهظ أمام واشنطن. ولكن موسكو من ناحيتها اتخذت خطوات تشريع من أجل إعفاء جهات أمنية من واجب النشر، وفرضت عقوبات قاسية على المراسلين الذين نشروا عن هذه العلاقات. صناعة السلاح في روسيا تحتاج إلى السوق الإيرانية، وهي مستعدة لإعطاء طهران شروط تمويل جيدة وعلى مدى بعيد، إزاء الصعوبات المالية الحالية في إيران.

إيران، التي هي في الأصل تخضع للعقوبات، لا تخشى من شراء السلاح الروسي. وفي ظل غياب بدائل جيدة لشراء منصات سلاح متطورة، فيمكنها أن توقع على صفقات جديدة مع روسيا بعد اتضاح نتائج المفاوضات في فيينا. في السابق، أظهرت إيران الاهتمام بشراء طائرات قتالية من نوع “اس.يو.30″، وهي طائرات للتدريب من نوع “ياك 130″، ومنظومة الدفاع الجوي “اس 400″، وغواصات ديزل، وسفن فضاء، وأنظمة شاطئ – بحر من نوع “باستيون” (المزودة بصواريخ يحونت) ودبابات “تي90”.

برز في الأشهر الأخيرة ارتفاع في حجم التعاون العسكري بين الدولتين، لا سيما في المجال البحري. وقد نشر أنه منذ بداية العام 2021 قام سلاح البحرية الروسي بحماية السفن الإيرانية في البحر المتوسط وهي في طريقها إلى سوريا. ونشرت وكالة الأنباء الروسية الرسمية “سبوتنيك” في نيسان، عن إقامة آلية تنسيق روسية – إيرانية – سورية في البحر المتوسط بهدف حماية تزويد النفط من إيران إلى سوريا. وهي تقارير تظهر كرسالة لإسرائيل على خلفية نسبة الهجمات ضد السفن الإيرانية لإسرائيل، التي حسب مصادر إسرائيلية، نقلت لسوريا سلاحاً (خارق للتوازن)، وليس فقط إرساليات نفط. في شباط، عشية بداية محادثات فيينا، قامت روسيا بمناورة عسكرية بحرية مشتركة مع إيران (خلافاً لتقارير إيرانية سابقة، لم تشارك فيها الصين). وثمة سفن إيرانية شاركت للمرة الأولى في حزيران في استعراض بمناسبة يوم سلاح البحرية الروسي في سانت بيتربورغ. إضافة إلى ذلك، تواصل قوات عسكرية روسية وإيرانية في سوريا التعاون للدفاع عن نظام الأسد. ولكن تم الإبلاغ أيضاً عن توتر بينهما، وتدهور أحياناً إلى صدامات عنيفة بين قوات بالوكالة للطرفين.

علاوة على ذلك، عززت روسيا في هذه السنة علاقتها مع “حزب الله” اللبناني، وحافظت على علاقات علنية مع الحشد الشعبي، الذي يضم عشرات المليشيات المؤيدة لإيران في العراق. في آذار، زار وفد لـ”حزب الله” موسكو للمرة الأولى منذ عقد، والتقى وزير الخارجية مع سرجيه لافروف، الشخصية الأرفع التي قابلها ممثلو الحزب. خلافاً للدول الأوروبية أو الولايات المتحدة، فإن روسيا تعارض اعتبار “حزب الله” منظمة إرهابية، وتعتبره قوة سياسية شرعية في لبنان، وتقيم معه علاقات وثيقة في إطار القتال المشترك مع إيران و سوريا. في نيسان الماضي، زار موسكو فالح الفياض، رئيس منظمة الحشد الشعبي، والتقى هناك نيكولاي بتروشوف، سكرتير مجلس الدفاع الروسي. رسمياً، فالح هو نظير بتروشوف في التسلسل الهرمي في العراق، لكن لا يوجد في الولايات المتحدة استعداد لإجراء اتصال معه بسبب علاقته الوثيقة بإيران.

في الوقت نفسه، يتواصل تضارب المصالح بين روسيا وإيران، وهي تؤثر على قدرة الدولتين على تعميق العلاقات بينهما. التشكك العميق تجاه روسيا في القيادة العليا في إيران تحقق في تسريب لتسجيل في نيسان، اتهم فيه وزير الخارجية الإيراني روسيا بمحاولة إفشال التوصل إلى الاتفاق النووي في العام 2015. غضب الإيرانيون من أن وزير الخارجية لافروف. وفي سفره إلى دول الخليج في آذار الماضي، أعلن في الدوحة عن إنشاء إطار سياسي جديد يشمل روسيا وقطر وتركيا. ما يقلق طهران القفز عنها في هذه الرحلة، وإقامة إطار للدفع قدماً بتسوية سياسية في سوريا، التي تعتبر في إيران منافسة لـ “منتدى الأستانة” الإيراني – الروسي – التركي. إن العلاقات الآخذة في التوطد مع دول الخليج ومع إسرائيل (خاصة التسليم بالهجمات ضد أهداف إيرانية في سوريا)، تعتبر مناقضة للمصالح الأمنية الإيرانية. وثمة خلاف آخر، وهو توفير اللقاح من نوع سبوتنيك ضد فيروس كورونا من روسيا لإيران، في حين أن إيران تسمع انتقادات على أن روسيا لا تزود اللقاح بالكمية والوتيرة التي تم الاتفاق عليها.

العلاقات الاقتصادية الروسية – الإيرانية تراوح مكانها منذ سنوات كثيرة، بسبب المنافسة فيما بينهما في سوق الطاقة ومحدودة جاذبية العرض التجاري الروسي للاقتصاد الإيراني. لن تتحقق التوقعات بشأن توقيع اتفاقية إطار عمل استراتيجي جديدة بين روسيا وإيران (بما يشبه الاتفاق الموقع في آذار بين الصين وإيران). وقد أشار الطرفان في آذار الماضي إلى تمديد “اتفاق المبادئ الأساسي للعلاقات بين روسيا وإيران” الذي تم التوقيع عليه في العام 2001. عملياً، هذا ليس حدثاً، لأن الاتفاق يتم تمديده بشكل تلقائي كل خمس سنوات ما لم يعترض أحد الطرفين.

خلاصة وتقدير

إيران وروسيا شريكتان في عدد من المصالح الإقليمية والدولية، وعلى رأسها تقليص نفوذ أمريكا الحالي في الشرق الأوسط. ولكن هناك عدة خلافات تقيد عمق العلاقات.

الآن يمكن تشخيص عدد من التوجهات التي ستعطي دفعة لاستمرار التعاون بين روسيا وإيران في الأشهر القادمة. أولاً، في كل سيناريو يتعلق بمستقبل الاتفاق النووي، ستستمر العلاقات بين طهران والغرب بتوتر، حيث لا تستطيع التنازل عن الشراكة مع موسكو (ومع بكين أيضاً)، لا سيما في ظل تعزز المحافظين في إيران مع انتخاب إبراهيم رئيسي. ثانياً، إذا تم تجديد الاتفاق النووي، فيمكن أن تعود إيران إلى سوق النفط العالمية التي تعد فيها روسيا لاعبة مهمة من حيث تنظيم الأسعار بواسطة “أوبيك +”. لذلك، ستكون حاجة متزايدة إلى تنسيق نشاطاتها في مجال الطاقة. ثالثاً، خروج القوات الأمريكية من أفغانستان سيجبر موسكو وطهران على تعزيز العلاقات بينهما لمنع انزلاق تهديدات الإسلام المتطرف إلى أراضيهما.

بالنسبة لإسرائيل، روسيا تخشى من أن يمس مصالحها أي تصعيد عسكري إسرائيلي – إيراني في سوريا. وهي تريد كبح نشاطات إسرائيل (مثلما تبين أيضاً فيما نشره الجيش الروسي، بدءاً من 22 تموز، عقب تزايد الهجمات المنسوبة لإسرائيل في الفترة التي سبقت ذلك). مع ذلك، فإزاء مصالح أوسع لروسيا، المشتركة بينها وبين إيران، وقيود القوة الروسية في سوريا، فإن موسكو ستفضل تجنب القيام بخطوات ناجعة لتقييد وجود إيران في سوريا، بل ستواصل أيضاً غض النظر عن نشاطات إسرائيل في هذه الساحة. إذا تطور حوار أمريكي – روسي عميق بالنسبة لسوريا، الذي سيرافقه الاستعداد لتقديم ثمن معين من ناحية واشنطن، فيمكن أن تتبنى روسيا مقاربة أكثر فعالية ضد إيران. وسيكون لإسرائيل دور في تطوير حوار كهذا حتى لو ظهرت احتمالية ذلك ضعيفة بسبب عدم الثقة بين موسكو وواشنطن.

بقلم: دانييل راكوف وبات حن فيلدمان

القدس العربي