ماذا لو خيرت إسرائيل بين “تشاو مين” والهمبرغر؟

ماذا لو خيرت إسرائيل بين “تشاو مين” والهمبرغر؟

ليس سهلاً الاختيار بين تشاو مين والهمبرغر، وبخاصة عندما يكون المرء غاضباً فيهما كليهما. هكذا في عالم الطعام، بل وأصعب بكثير في العالم السياسي. فالعلاقات الاقتصادية وغيرها، بما في ذلك الإنتاج الأمني، بين الصين وإسرائيل، تطورت بسرعة في أعقاب إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وجعل الصين الشريك التجاري الثالث في حجمه لإسرائيل، بعد أوروبا والولايات المتحدة.

وبسبب حساسية الموضوع، لا تشاع كل غياهب أوجه التعاون الأمني، وكانت فيه ارتفاعات وهبوطات، وذلك ضمن أمور أخرى كنتيجة للتدخل الأمريكي. في العام 2000 أدى ضغط أمريكي إلى إلغاء صفقة كبرى لتصدير طائرات إلى الصين. صحيح أن إسرائيل حرصت على منع انتقال المعلومات او العناصر الأمريكية إلى الصين، ولكن هذا لم يمنع محافل أمريكية ذات مصلحة وغيرها على أن تنشر معلومات كاذبة في هذا الشأن أحياناً.

في كتابي “دبلوماسي” رويت مثلاً أن “واشنطن تايمز” نشرت في 1992 نبأ ادعى بأن إسرائيل -بخلاف تعهدات صريحة للولايات المتحدة- نقلت إلى الصين تكنولوجيا حساسة لصواريخ “باتريوت”. واقتبس التقرير عن “مصادر استخبارية أمريكية” وموظفين في وزارة الخارجية والدفاع ممن طلب منهم التعقيب، فقالوا في محادثات خلفية إن الاتهامات “جدية”. كما أن “وول ستريت جورنال” الاعتبارية اتهمت إسرائيل بنقل تكنولوجيا عسكرية أمريكية إلى الصين ودول أخرى. والأكثر خطورة، في الكونغرس أيضاً تعجبوا ونقل الموضوع إلى تحقيق مراقب الدولة الأمريكي.

أعلنت المحاكم المسؤولة في إسرائيل عن أن الاتهامات عديمة الأساس، ولكن الناطقين بلسان الإدارة رفضوا نفياً مطلقاً للاتهامات رغم علمهم بأنها كاذبة. وبعد أن طلبت من نائب وزير الخارجية لورانس ايغلبيرغر نشر نفي رسمي، شطب الموضوع عن جدول الأعمال.

على أي حال، رغم “التثاؤبات” الحقيقية والمصطنعة، فإن العلاقات الاقتصادية وغيرها بين إسرائيل والصين واصلت التطور. فقد استثمرت شركات صينية في مجالات بنى تحتية وتكنولوجيا مختلفة وهي تحتل مكانة مهمة في توسيع وإدارة موانئ إسرائيلية.

لا يتلخص ميل التسلل في الأهداف المادية فقط، كما يمكن لنا أن نتعرف من النبأ عن أن فرعاً من جامعة صينية يوشك على العمل في إسرائيل ابتداء من تشرين الأول، برئاسة اللواء احتياط متان فيلنائي، سفير إسرائيل السابق في الصين. وسيعلم الفرع اللغة الصينية وسيجري لطلابه زيارات تعليمية في الصين. يبدو هذا بريئاً، ولكن مؤسسات من هذا النوع لدول شمولية، تستهدف نشر الدعاية الخفية والتأثير السياسي والثقافي.

من ناحية الصين، تشكل مثل هذه الاستثمارات والنشاطات جزءاً من مبادرة “الحزام والطريق” التي تدمج أهدافاً اقتصادية وجغرافية استراتيجية. وإذا كانت علاقات القرب بين إسرائيل والصين أثارت استياء واشنطن في الماضي، فقد أصبح الموضوع الآن حرجاً أكثر في ضوء التوتر العالمي الآخذ في الاحتدام بين أمريكا والصين.

لقد سبق لإدارة ترامب أن حذرت إسرائيل من تعميق العلاقات مع الصين، ولكن المواجهة متعددة الأبعاد في إدارة بايدن تحولت مع الصين إلى الموضوع المركزي في سياستها الخارجية. ففي تموز من هذه السنة اتهمت الإدارة بشكل رسمي وزارة الأمن الداخلي الصينية بهجوم سايبر على شركة “مايكروسوفت” ووصفت نشاطات الصين بأنها “تهديد حقيقي على أمن أمريكا وحلفائها. وقال وزير الدفاع الأمريكي لورد أوستن، بأن “بكين هي التحدي الأكبر للولايات المتحدة، كما دعا الرئيس نفسه في لقاءاته مع زعماء أوروبا إلى إقامة جبهة موحدة في مواجهة الميول الصينية.

كتب الخبير في شؤون الصين راش دوشي، أحد مستشاري بايدن السياسيين، في كتابه الجديد “لعبة للمدى البعيد”، يقول إن هدف الصين هو الوصول إلى تفوق عالمي تام على أمريكا في الثلاثين سنة القادمة. لا يتفق الجميع مع هذا التقدير، ولكن طالما بقي هذا هو الخط الذي يوجه السياسة الخارجية الأمريكية، فإن إسرائيل – رغم علاقاتها المهمة مع الصين – لا يمكنها أن تتجاهل ذلك. وذلك مع الأخذ بالاعتبار أن أمريكا هي الحليف الاستراتيجي الرئيس، وأن نصف الشعب اليهودي يعيش هناك. بالتأكيد، من المرغوب فيه أن يكون هناك شاو مين وهمبرغر معاً، ولكن إذا وضعت إسرائيل أمام الاختيار، فسيتعين عليها أن تختار الهمبرغر، أي أمريكا.

بقلم: زلمان شوفال

القدس العربي