لم تشهد ساحات العراق منذ 25 مايو/ أيار الماضي، أي تظاهرات أو وقفات احتجاجية جديدة في مختلف مدن البلاد، بعد انتهاء آخر تظاهرة بمقتل مدنييَّن وجرح نحو 30 آخرين على يد قوات الأمن. ويمكن اعتبار الفترة الماضية، أطول فترة تهدئة للمحتجين منذ بدء الاحتجاجات في أكتوبر/تشرين الأول 2019. وكانت تظاهرات مايو تجددت بعد اغتيال رئيس تنسيقيات تظاهرات مدينة كربلاء الناشط إيهاب الوزني، وطالبت بمحاسبة المتورطين بقتل الناشطين والصحافيين، واتهمت جماعات مسلحة حليفة لإيران بالوقوف وراء تلك العمليات. وحظيت الاحتجاجات في حينه بتفاعل شعبي كبير، مع انضمام قوى مدنية فاعلة إلى المحتجين، أبرزها الحزب الشيوعي العراقي.
تسكت السلطة عن كل عمليات الاغتيال المُرتكبة ضد النشطاء
ويؤكد قادة وناشطون بارزون في الحراك المدني العراقي، أنهم يواجهون “خبثاً غير مسبوق من قبل أحزاب السلطة”، تدفع إلى الالتفاف على كل المطالب التي رفعها المتظاهرون منذ مطلع أكتوبر 2019. ويظهر هذا السلوك في السكوت عن جرائم قتل رموز التظاهرات والفاعلين والشخصيات المحركة له على مدى العامين الماضيين.
وعلى الرغم من الخسائر التي مرَّ بها الحراك المدني والاحتجاجي في العراق على مدى الأشهر الـ24 الماضية، تمثلت بمقتل نحو 800 متظاهر، من بينهم ما لا يقل عن 80 ناشطاً وقيادياً بارزاً في الحراك المدني، جرى اغتيال أكثر من نصفهم بحوادث منظمة وتتهم مليشيات مسلحة بالمسؤولية عنها، إلا أنها لم تشفع لتوحيد خطاب تنسيقيات التظاهرات في المحافظات العراقية العشر المنتفضة وهي بغداد، والبصرة، والنجف، وكربلاء، والقادسية، وذي قار، وبابل، وواسط، والمثنى، وميسان. وينقسم المحتجون في التعامل مع المرحلة المقبلة، وتحديداً بما يتعلق في المشاركة عبر كيانات وأحزاب وكتل جديدة في الانتخابات سواء بالتصويت أو الترشح، وكذلك في ما يتعلق بتجديد النزول إلى الشوارع مرة أخرى. في المقابل، يُشير مراقبون إلى أن التظاهرات لا تزال من دون قيادة، والفترة الدموية التي عاشها المحتجون أدت إلى تقسيمهم. لكن ظروف عودة الاحتجاج لا تزال متوفرة، وقد تعود الاحتجاجات في حال فوز ذات الأحزاب التي تحكم منذ عام 2005 بالانتخابات المبكرة المقررة في 10 أكتوبر المقبل.
في السياق، قال رئيس “البيت الوطني” وهو كيان سياسي جديد، حسين الغرابي، إن “الاحتجاجات في العراق، لم تعد عبارة عن تجمعات بشرية تحمل مجموعة مطالب وتختفي مع تحققها أو تنفيذها، بل باتت نهجاً جديداً لشباب العراق المدني. بالتالي فإن هذا النهج لن ينتهي، ولذلك لا يمكن القول إن الاحتجاجات انتهت في العراق، بل إنها مستمرة، وتتخذ أشكالا متعددة، منها الوقفات والمسيرات ضد الحكومات المحلية أو المركزية”.
ورجح الغرابي في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “يشهد العراق أكثر من تظاهرة قبل موعد إجراء الانتخابات المبكرة، بسبب مؤشرات ودلائل على عدم نزاهة الانتخابات واستمرار سيطرة الأحزاب على القرار الحكومي، والاستيلاء على المناصب المهمة، ومنها مناصب داخل مفوضية الانتخابات التي من المفترض أن تكون نزيهة وغير خاضعة للمحاصصة الحزبية والطائفية”.
وأضاف أن “معظم الأحزاب والكيانات السياسية التي تأسست عقب انتفاضة تشرين، اتخذت خيار المقاطعة للانتخابات، لعدم تحقق أي من الوعود التي أطلقها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بشأن توفير البيئة الآمنة للناخبين والمرشحين. كما أن الحكومة فشلت في تخليص مفوضية الانتخابات من سيطرة الأحزاب، بالتالي فإن القبول بانتخابات تشرف عليها الأحزاب الفاسدة، تمثل خيانة للعراقيين”.
أما عضو حركة “نازل آخذ حقي” عمار النعيمي، وهو أحد المتظاهرين البارزين في بغداد، فأكد لـ”العربي الجديد”، أن “الذهاب إلى الانتخابات المبكرة أمر ضروري في ظل الأوضاع الحالية. ونجد أيضاً أن السياسيين الجدد من الشباب الذين ينحدرون من مناطق مختلفة من العراق أدرى من غيرهم بمعاناة الشعب العراقي، وقادرون على تحقيق أهداف وطموحات شرائح كبيرة من خلال المشاركة بصوتهم عبر البرلمان العراقي، ومزاحمة الأحزاب ومراقبتها من مراكز قوتها ومن أماكن وجودها داخل البرلمان والدوائر الحكومية. وهذا الأمر يعتمد على ما يتحصل عليه من أصوات في الانتخابات المقبلة”. وأشار إلى أن “فكرة التغيير من الداخل مهمة، وذات تأثير يختلف عن الضغط من الخارج على السلطات الحالية. ونحن نرى أن المشاركة السياسية مهمة للناشطين والمتظاهرين كي يزيحوا أحزاب السلطة، أما بالنسبة لعودة الاحتجاجات فهي متوقعة في أي لحظة”.
سوء الخدمات قد يدفع العراقيين إلى العودة إلى الشوارع مرة أخرى
من جانبه، وجد الناشط سهيل هاتف، أن “سوء الخدمات قد يدفع العراقيين إلى العودة إلى الشوارع مرة أخرى، فغالبية العراقيين لا يملكون الوعي الكافي للمطالبة بأمن انتخابي أو استبدال محافظين أو مسؤولين. بالتالي فإن الحاجات الأساسية للعراقيين هي الخدمات مثل الكهرباء والماء وبعض الأمور المرتبطة بالقطاع الصحي، وكالعادة في العراق، فإن غالبية الاحتجاجات كانت تطالب بداية بالخدمات، لكنها تتطور لتحمل بعدها مطالب مرتبطة بملفات سياسية وأمنية”. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد”، أن “حكومة الكاظمي لم توفر الشروط التي طالب بها المحتجون للمشاركة في الانتخابات، والخيار الأقرب حالياً للناشطين هو الشارع مرة أخرى”.
في المقابل قال سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، لـ”العربي الجديد”، إن “جميع الظروف لعودة الحراك الاحتجاجي متوفرة، بل زادت مع تحدي المليشيات للدولة والسيادة العراقية بطريقة سافرة من خلال الاستعراضات المسلحة وسط المدن، واستمرار تهديد وقتل الناشطين في الشوارع، وتردي الواقع الخدمي وعدم معالجة أزمة الكهرباء”. وتطرق في حديثٍ لـ”العربي الجديد” إلى “استمرار طغمة الفساد بالتحكم بمصير العراقيين، وتدمير البنى التحتية وسرقة الأموال الحكومية لدعم قوائم ومرشحين في الانتخابات المقبلة بمال سياسي فاسد، وغيرها من المظاهر الكثيرة التي زادت بطريقة استفزازية للعراقيين”. وأوضح أن “السلطات تتعامل مع العراقيين على أنهم محاصرون بالأجهزة الأمنية والأسلحة، لكن في حقيقة الأمر فإن الانتفاضات تنطلق عادة بعد اشتداد الحصار وليس قبله. وأعتقد أن الناشطين والمتظاهرين في الحراك الاحتجاجي العراقي سيعودون إلى الانتفاض مرة أخرى، وفق تكتيكات قد تكون صادمة لأحزاب السلطة والقَتَلَة”.
زيد سالم
العربي الجديد