هل أخطأ بايدن في قرار الانسحاب السريع من أفغانستان؟

هل أخطأ بايدن في قرار الانسحاب السريع من أفغانستان؟

على الرغم من دعم نحو 77 في المئة من الأميركيين قرار الرئيس جو بايدن الانسحاب من أفغانستان، فإن مشهد انهيار القوات الحكومية أمام التقدم السريع لحركة “طالبان”، كان كفيلاً لتفجير خلافات قوية بين السياسيين والمحللين في واشنطن. ويتجاوز السجال إذا ما كانت إدارة بايدن قد أخطأت في تحديد كيفية الانسحاب وتوقيته، وإذا ما كانت هناك خطط أفضل لمغادرة أفغانستان بطريقة أكفأ تسمح للحكومة الأفغانية تنظيم صفوفها، إلى كيفية إنقاذ صورة الولايات المتحدة الأميركية كزعيمة للعالم، بينما تنسحب بشكل مُهين حسبما يرى مراقبون بعد 20 عاماً من غزو البلاد.

فهل أخطأ بايدن بتكرار انسحاب متعجل، مثلما فعل الأميركيون في فيتنام، أم لم تكن لديه بدائل؟

سايغون وكابول

في الثامن من يوليو (تموز) الماضي، رفض الرئيس بايدن مقارنة حركة “طالبان” مع جيش فيتنام الشمالي من حيث القدرة العسكرية أو تشابه الظروف، مستبعداً تكرار صورة الفيتناميين الجنوبيين يتسابقون فوق سطح مبنى مجاور للسفارة الأميركية في سايغون للقفز داخل طائرة هيلوكوبتر أميركية هرباً من أعدائهم الشماليين بعد انسحاب القوات الأميركية في منتصف السبعينيات. لكن، يبدو للبعض في واشنطن أن ما يجري في كابول من فزع وتسابق للهرب من البلاد، يتشابه بشكل أو بآخر مع صورة ما حدث في سايغون.

وكانت تقديرات بايدن مختلفة قبل أسابيع عدة، فعندما سأله أحد المراسلين عما إذا كان استيلاء “طالبان” على أفغانستان لا مفر منه، نفى ذلك بقوة استناداً إلى وجود 300 ألف جندي في القوات الحكومية الأفغانية مجهزون جيداً مثل أي جيش في العالم، ويمتلكون سلاحاً جوياً ضد قرابة 75 ألفاً من عناصر “طالبان”. لكن الأمر لم يستغرق سوى أربعة أسابيع ليتضح خطأ تقديرات الرئيس الأميركي وفريق مساعديه بشكل مذهل ومثير للقلق.

جدل وتساؤلات

وبينما يبرر الرئيس بايدن قرار الانسحاب بأن يديه مقيدتان بالانسحاب، بالنظر إلى اتفاق السلام بين إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب و”طالبان”، فإن غالبية الجدل تتعلق بطريقة سحب القوات الأميركية من دون منح شركائها في الحكومة الأفغانية فرصة أفضل للحفاظ على المكاسب التي حققها الطرفان خلال العقدين الماضيين. وهناك تساؤلات عما إذا كان الرئيس حصل على معلومات استخباراتية خاطئة في شأن قدرات القوات الحكومية، أو أنه فشل في استيعاب المعلومات الاستخباراتية الدقيقة والواقعية بعقل متفتح. ما أدى إلى هذا الخطأ، وما يمكن أن يفرزه من عواقب تشكل نكسة كبيرة في نظر العالم.

طريقة الانسحاب وتوقيته

من وجهة نظر معظم الجمهوريين وعدد من المحللين السياسيين، فإن الطريقة التي أعلن بها بايدن انسحاب القوات الأميركية ورحيلها النهائي مع بداية موسم القتال السنوي، وفي إطار زمني سريع من دون تنسيق كاف مع الحكومة الأفغانية، هو ما أدى إلى الوضع الحالي، خصوصاً أن المخططين العسكريين الأميركيين يعلمون جيداً أن للحرب في أفغانستان نمطاً موسمياً، إذ تتراجع قيادة “طالبان” كل شتاء إلى قواعدها في باكستان أو بالقرب منها، ثم تبدأ حملة القتال في الربيع وتصل إلى ذروتها في الصيف بعد حصاد الخشخاش.

وكان ينبغي على الولايات المتحدة أن تستمر في دعم الحكومة الأفغانية خلال هذه الفترة لمساعدتها في تخفيف حدة هجوم “طالبان” الأخير، وكسب الوقت للتخطيط لمستقبل خال من المساعدة العسكرية الأميركية. لكن “طالبان” شنت الهجوم الكبير الأول لها بمجرد أن بدأت القوات الأميركية وقوات “الناتو” الانسحاب رسمياً في مايو (أيار) الماضي.

رسائل انهزامية

ويعتقد فريدريك كاغان، المتخصص في معهد “أميركان إنتربرايز”، في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، أنه كان بوسع الرئيس بايدن أن يعتمد نهجاً أكثر حكمة يسمح بجدول زمني أطول لانسحاب القوات الأميركية بدرجة عالية من الأمان، بالتوازي مع نشر مؤقت لقوات أميركية إضافية لضمان عدم تعطيل الدعم العسكري للقوات الحكومية. ما كان سيحقق فرقاً كبيراً على الأرض، على الرغم من مخاطر زيادة الخسائر الأميركية بشكل طفيف. ولهذا سيسجل التاريخ أن بايدن، صاحب الخبرة الطويلة في السياسة الخارجية، فشل في المهمة الأكثر أهمية في رئاسته، بعدما قدم كزعيم للعالم رسائل مخيفة وانهزامية إلى الحلفاء والأعداء في الوقت نفسه.

ويخشى كاغان أن الأميركيين والأفغان على حد سواء، يدفعون ثمن قرار بايدن، إذ تستولي “طالبان” على المدن وتغتال المسؤولين وتبدأ إعادة فرض أيديولوجيتها القمعية على شعب طالما كافح من أجل التحرر منها. وستدفع الولايات المتحدة على الأرجح ثمن أفعالها في أفغانستان، الذي يتمثل في خطر عودة الجماعات المسلحة وجمع شتاتها، بما يشكل تهديداً كبيراً للولايات المتحدة مع بقاء حلفائها في مأزق، لأنهم سيفكرون مرتين قبل تقديم دعمهم إلى واشنطن في أي نزاعات مستقبلية.

مكانة أميركا

في حين كانت السياسة الخارجية هي شغف بايدن خلال حياته المهنية الطويلة في مجلس الشيوخ، إلا أنه كان يعلم أن التحديات الداخلية هي التي يجب أن تأتي أولاً، وهي التي انتُخب من أجلها كي يعيد بناء البلاد بشكل أفضل. مع ذلك، فإن تعهده بعودة أميركا إلى المسرح العالمي بعد أربع سنوات من شعار ترمب “أميركا أولاً”، ظل يطارده، إذ يعتقد تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط في واشنطن أن تطور الوضع سلبياً في أفغانستان يقلل من مكانة الولايات المتحدة على المسرح العالمي. فالصور المنتشرة يومياً على شاشة التلفزيون عن مغادرة القوات الأميركية والقوات المكلفة إجلاء الدبلوماسيين من السفارة، لا تجعل الولايات المتحدة تبدو كقوة عظمى تستحق التنافس مع الصين، التي تراقب كل هذه الأحداث وتشعر بالسعادة مع رؤية الولايات المتحدة في وضع مهين بعد 20 عاماً من الحرب هناك.

ومن المفارقات، أن بايدن اختار الذكرى العشرين للهجمات على نيويورك وواشنطن في سبتمبر(أيلول) المقبل، كموعد نهائي لإعادة جميع القوات الأميركية إلى الوطن، وهو توقيت أراد به ربما إيصال رسالة إلى الشعب الأميركي أن مهمة أفغانستان قد اكتملت وأنجزت، غير أن الصور والقصص التي من المحتمل أن تظهر من أفغانستان خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة ستكون محرجة على أقل تقدير.

افتراضات خاطئة

اقرأ المزيد

ما احتمالات بناء قاعدة أميركية في آسيا الوسطى بعد فوضى أفغانستان؟

الألم والامتنان يطبعان ذكريات جنود غربيين قاتلوا في أفغانستان

الأفغان يحتاجون مساعدتنا وخطر طالبان يتهدد كثيرين منهم
وبينما عبر الرئيس بايدن عن عدم شعوره بالندم بسبب قرار الانسحاب من أفغانستان، هناك شعور بالأسف الصامت داخل دهاليز البيت الأبيض. فقد راهن الرئيس ومستشاروه على أن سنوات التدريب التي قامت بها القوات الأميركية وقوات التحالف وتوفير معدات وأسلحة بمليارات الدولارات ستمكن القوات الحكومية الأفغانية من الوقوف في وجه أي تقدم لـ”طالبان”. وقد افترضوا أن الحركة كانت أقل تنسيقاً بكثير مما اتضح في ما بعد.

غير أن هذين الافتراضين كانا خاطئين، فضلاً عن افتراض آخر بأن قيادة “طالبان” ستلتزم إذا ما استعادت السلطة، عدم السماح لتنظيم “القاعدة” والجماعات الإرهابية الأخرى بالعودة إلى أفغانستان. وهو افتراض خاطئ، إذ يتوقع ضباط سابقون في الاستخبارات الأميركية عملوا في مكافحة الإرهاب في أفغانستان، عودة وشيكة لأعضاء “القاعدة” إلى أفغانستان من إيران، حيث لجأ كثيرون منهم إلى ملاذ آمن بعيداً عن ضغوط مكافحة الإرهاب التي قامت بها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما خلال السنوات الماضية إلا أن إيران ترفض وجود عناصر القاعدة على أراضيها.

ردود ديمقراطية

وفيما دعا منتقدو بايدن إلى عكس مسار الانسحاب فوراً، الذي من المقرر أن ينتهي في ختام أغسطس (آب) الجاري، دافع الديمقراطيون في الكونغرس عن قرار الرئيس، فقد اعتبروا أن الانهيار السريع للقوات الحكومية الأفغانية من دون دعم الولايات المتحدة، يظهر إلى أي مدى كانت السنوات العشرين الماضية عديمة الجدوى، إذ قتل 2300 جندي، وأنفقت واشنطن أكثر من تريليون دولار. ويقول السيناتور الديمقراطي كريس مورفي، إن البقاء عاماً إضافياً في أفغانستان يعني بقاء الأميركيين هناك إلى الأبد، لأنه إذا كانت السنوات العشرون من التدريب الشاق وتجهيز قوات الأمن الأفغانية لم تفرز سوى هذا التأثير الضئيل على قدراتهم القتالة، فلن تغير 50 ​​عاماً أخرى أي شيء.

وأشارت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب إلى أن المهمة كانت محكومة بالفشل منذ البداية، لأنها لم تكن عملاً جاداً، خصوصاً بعد تجاهل الولايات المتحدة لأفغانستان للتركيز على العراق. فيما اعتبر آخرون أن الانسحاب بعد 20 عاماً، بينما تسيطر “طالبان” بهذه السهولة على العواصم الإقليمية وكثير من البلاد، يعني أن كثيراً من الأخطاء ارتكبت على مر السنين، وليس في أيام بايدن فحسب؟

ولا يشكك كثيرون في الحكمة الجيوسياسية لمغادرة أفغانستان بعد 20 عاماً من الحرب، فبالنسبة إليهم كان بايدن محقاً في أن أميركا نجحت في مهمتها الأولية لاقتلاع “طالبان”، وقتل عناصر “القاعدة”، وجعل الدولة الخارجة عن القانون غير قادرة على إيواء الإرهابيين الذين كانوا يستهدفون مهاجمة الولايات المتحدة كما فعلوا في 11 سبتمبر 2001، وكان محقاً في أنه سيتعين على شعب أفغانستان تقرير مستقبله، وأن الدولة الأفغانية قد لا تكون في نهاية المطاف قادرة على التماسك في كيان سياسي موحد، إضافة إلى أن بايدن كان محقاً في أن عملية مغادرة أفغانستان بسرعة بدأها الرئيس ترمب الذي يصر الآن على أن أياً من هذا لم يكن ليحدث في عهده.

طارق الشامي

اندبندت عربي