تصاعد نزاع طويل الأمد بين شركة “هواوي” الصينية العملاقة للاتصالات ومقاول صغير في الولايات المتحدة، ووصل إلى المحكمة الفيدرالية الأميركية، إذ زعم المقاول أن الشركة الصينية طلبت منه إنشاء نظام يتيح بناء “باب خلفي” في مشروع حساس حول المواطنين والمسؤولين الحكوميين في باكستان، بحسب ما أوردته “وول ستريت جورنال”.
ويقول المقاول بيونا بارك، من شركة الحلول التكنولوجية “بيزنس إفيشنسي سليوشين أو بي أي سي”، ومقرها كاليفورنيا، في دعوى قضائية رفعها، الأربعاء 11 أغسطس (آب)، في محكمة مقاطعة كاليفورنيا، إن “هواوي” طلبت من الشركة إعداد نظام يمنح الشركة الصينية إمكانية الوصول إلى معلومات حساسة حول المواطنين والمسؤولين الحكوميين في مشروع مراقبة المدن الآمنة في لاهور، ثاني أكبر مدن باكستان.
وقال محمد كامران خان، كبير مسؤولي العمليات في هيئة المدن الآمنة في البنجاب التي تشرف على مشروع لاهور، إن السلطة بدأت النظر في مزاعم شركة “بيزنس إفيشنسي سليوشين”.
وقال خان في مقابلة مع الصحيفة، “يفحص فريقنا الاتهامات وطلب تفسيراً من شركة هواوي”. وأضاف “لقد فحصنا أيضاً أمان البيانات على شبكة هواوي بعد هذه الاتهامات”.
إعداد نسخة منفصلة
وفي تعليق للصحيفة نشر في سبتمبر (أيلول) الماضي، أقرت “هواوي” بإعداد نسخة منفصلة من نظام لاهور في الصين، لكنها قالت إنها كانت مجرد نسخة تجريبية “معزولة فعلياً عن الشبكة الحية للعميل”، مما جعل من المستحيل على “هواوي” استخراج البيانات من الشبكة الحية للعميل.
ولم ترد وزارة الخارجية الباكستانية على طلبات التعليق من الصحيفة.
وكان المسؤولون الأميركيون قد زعموا منذ فترة طويلة أن معدات “هواوي” يمكنها إتاحة التجسس الصيني في الدول التي تقوم بتثبيتها فيها.
وكان تشارلز يانغ، رئيس “هواوي” في منطقة الشرق الأوسط، قد نفى في حوار حصري لـ”اندبندنت عربية”، في يناير (كانون الثاني)، التهم الأميركية والأوروبية الموجهة إلى الصين بالتجسس على الأفراد والشركات من بوابة الجيل الخامس التي تطورها “هواوي”.
وحذر يانغ في حينه من مغبة خلط القضايا التجارية بالسياسية، واصفاً إياه بالأمر الخطأ تماماً. وحذر من أن إقحام السياسة في مجال الأعمال والتكنولوجيا سيكون له آثار سلبية على الأعمال والمجتمعات، قائلاً إن تعزيز قيمة الجيل الخامس لم يعد مجرد قضية تقنية أو تجارية، وإنما أخذ أبعاداً جيوسياسية.
ونفى يانغ، في الحوار، أن يكون هناك أي دليل يثبت الادعاءات القائلة بأن “هواوي” تستخدم أياً من معداتها للتجسس على أي جهة. وقال إن “هواوي” قطعت وعداً لجميع الدول بأنها مستعدة لأن توقع على اتفاقية منع التجسس ووجود الثغرات الأمنية أو ما يسمى “الأبواب الخلفية” مع كل بلد تدير أعمالها فيه ويرغب القيام بذلك.
وبحسب “وول ستريت جورنال”، تنبع الادعاءات في الدعوى من نزاع قانوني طويل الأمد بين الشركتين، استأجرت فيه “بيزنس إفيشنسي سليوشين” شركة “هواوي” الصينية لتوفير البرامج والخدمات الأخرى لمساعدتها على الفوز بحقوق بناء مشروع مدينة آمنة في لاهور عام 2016. وفي النهاية، تغلبت الشركة على المنافسين الغربيين بما في ذلك “موتورولا سليوشينز” و”نوكيا كورب”، بعرضها البالغ 150 مليون دولار. ووفقاً للدعوى، يمثل محامو شركة “أكين غامب هايوور أند فيلد” للاستشارات القانونية “بيزنس إفيشنسي سليوشين” في مواجهة عملاق التكنولوجيا “هواوي”.
وكانت العلاقات قد توترت بين الجانبين، مما دفع “هواوي” إلى رفع دعوى قضائية ضد “بيزنس إفيشنسي سليوشين” في باكستان. ورفعت الأخيرة دعوى قضائية ضد الشركة الصينية. واللافت أن إجراءات التقاضي لا تزال جارية على الرغم من توقف نشاط “بيزنس إفيشنسي سليوشين”، ولم يعد لديها إيرادات.
وتعتبر “هواوي” شركة رائدة في مشاريع المدن الآمنة، في حين تسوق أنظمة المراقبة على مستوى المدن للحكومات كأدوات لمكافحة الجريمة التي غالباً ما تستخدم كاميرات التعرف إلى الوجه وغيرها من القدرات عالية التقنية. وخضعت المشاريع للتدقيق من قبل بعض الحكومات والجماعات الحقوقية، التي تقول إنهم معتادون على رؤية تصدير ممارسات المراقبة الصينية. وتقول “هواوي” إن مشاريعها تعمل على تحسين السلامة العامة، وتقول إنها أنشأت أنظمة مدن آمنة في مئات المدن حول العالم.
وكانت باكستان قد وقعت اتفاقيات لمشاريع “هواوي” للمدن الآمنة أكثر من أي دولة أخرى، وفقاً لبحث أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
دعاوى قضائية متبادلة
وتقول الدعوى القضائية التي رفعتها شركة “بيزنس إفيشنسي سليوشين” إن الباب الخلفي المزعوم لشركة “هواوي” كان موجوداً في قاعدة بيانات قامت بدمج المعلومات الحساسة، بما في ذلك سجلات بطاقة الهوية الوطنية وتسجيلات الأجانب والسجلات الضريبية والسجلات الجنائية، لتطبيق القانون. ويسمى نظام تبادل البيانات، أو “دي أيه أس”، بحسب الدعوى.
وتؤكد دعوى “بيزنس إفيشنسي سليوشين” أنه بعد تثبيت نظام تبادل البيانات، أو “دي أيه أس” في لاهور، طالبت “هواوي” في عام 2017 بتثبيت نسخة طبق الأصل من نظام تبادل البيانات في مدينة سوتشو في شرق الصين التي من شأنها أن تمنح “هواوي” وصولاً مباشراً إلى البيانات التي يتم جمعها في باكستان.
وقبل بناء نظام “سوتشو”، تقول الشركة في الدعوى إنها طلبت من “هواوي” الحصول على موافقة من السلطات الباكستانية.
وكتبت الشركة في رسالة في البريد الإلكتروني إلى مسؤولي “هواوي”، وهي مرفقة في الدعوى، “نريد التأكد من عدم اعتراض مركز القيادة والسيطرة والاتصالات المتكاملة لشرطة البنجاب (بي بي أي سي 3) الذي يشرف على مشروع لاهور، على نقل هذه التكنولوجيا خارج المركز لأسباب أمنية”. وتابعت “يرجى الحصول على موافقة خطية من المركز قبل تنفيذ المهمة”.
ووفقاً للدعوى القضائية، قالت “هواوي” إنه ليس من الضروري الحصول على موافقة لما وصفته بالاختبار وهددت بوقف المدفوعات وإنهاء اتفاقياتها مع “بيزنس إفيشنسي سليوشين”، إذا لم يقم المقاول ببناء النظام.
موافقة باكستانية
وفي وقت لاحق، تفيد الدعوى القضائية بأن نظام تمكين الأعمال من “هواوي” قال إنه حصل بالفعل على موافقة باكستانية، وواصلت تثبيت نظام تبادل البيانات في سوتشو.
وقالت “بيزنس إفيشنسي سليوشين” إن “هواوي” رفضت تقديم دليل على الموافقة الباكستانية، وإن نظام تمكين الأعمال من “هواوي” قد قام بتركيب الباب الخلفي المزعوم تحت الإكراه. وتزعم الدعوى القضائية أن “هواوي” تستخدم نظام تبادل البيانات المملوك لها كباب خلفي من الصين إلى لاهور للوصول إلى البيانات الحساسة والتلاعب بها واستخراجها المهمة للأمن القومي الباكستاني”.
وذكر أدريان نيش، رئيس استخبارات التهديدات في “إنتلجنس”، وهي وحدة تابعة لشركة “بي إيي أيه سيستمز بي أل سي” ومقرها لندن، أنه ليس من غير المألوف أن يقوم البائع بإنشاء نسخة مكررة من نظام داخلي للاختبار أثناء وجوده تحت التطوير، ولكن ينبغي عدم ربط مثل هذه النسخ المكررة بالنظام الفعلي. وأضاف “يجب ألا يتحدث هذان النظامان مع بعضهما البعض”.
كفاية أولير
اندبندت عربي