عاد الهدوء الحذر إلى محافظة درعا، جنوبي سورية، أمس الأربعاء، تزامناً مع بدء تنفيذ بنود الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه بين النظام السوري واللجنة المركزية التي تمثل الأهالي، أول من أمس، بضغط واضح من روسيا. وعلى الرغم من عدم نشر نصّ الاتفاق، فإن التسريبات المتعددة المصادر بشأنه، سواء من قبل النظام أو الأهالي في درعا البلد، تشير إلى أنه يشتمل على تطبيق “خريطة حلّ” كان الروس قد قدّموها للطرفين، من دون أن يتضمن كلّ المطالب التي كان النظام قد وضعها من أجل فكّ الحصار عن آلاف المدنيين، والتراجع عن حسم عسكري كان قد بدأ به مساء الأحد الماضي. كما أن الاتفاق يتضمن، بحسب التسريبات، تهجير مجموعة من الأشخاص الرافضين لإجراء تسوية ومصالحة مع النظام، مقابل سحب النظام للمليشيات التابعة لـ”الفرقة الرابعة” من محيط درعا.
نجح الأهالي في إبعاد “الفرقة الرابعة” عن درعا البلد
وأوضح المتحدث باسم “تجمع أحرار حوران” أبو محمود الحوراني، لـ”العربي الجديد”، أن الاتفاق دخل حيّز التنفيذ على الفور، مشيراً إلى أن الشرطة الروسية دخلت، أمس الأربعاء، بمرافقة قياديين من “اللواء الثامن” وضباط من نظام الأسد، إلى درعا البلد، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار، لتنفيذ الاتفاق التي تم التوصّل إليه مساء الثلاثاء مع اللجنة المركزية. وأشار إلى أن الشرطة الروسية “شرعت في تنفيذ البند الثاني من بنود الاتفاق، الذي يقضي بتسوية وضع 34 شاباً من أبناء مدينة درعا، مع تسليم بعض السلاح الخفيف، بحضور ضباط من نظام الأسد في حيّ الأربعين بدرعا البلد”.
قضايا وناس
الشبكة السورية: 102 ألف سوري مختفون قسرياً غالبيتهم لدى النظام
وعلى الرغم من عدم الإعلان رسمياً، حتى عصر أمس الأربعاء، عن الاتفاق، إلا أن صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، أكدت أنه تضمن كل مطالب النظام، لجهة انتشار وحدات من قواته داخل أحياء درعا البلد، و”استلام السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل والتفتيش عنه، وكذلك إجراء تسويات للراغبين من المسلحين، إضافة إلى عودة مؤسسات الدولة للعمل في الحي ورفع علم الجمهورية العربية السورية فيه”، وفق الصحيفة. وأشارت “الوطن” إلى أن “الاتفاق جرى بعد دخول وجهاء من محافظة درعا على خطّ المفاوضات، وإلى أن المسلحين الرافضين لبنود التسوية سينتقلون من حيّ درعا البلد إلى حيّ المخيم المجاور”.
من جهتها، أوضحت مصادر مطلعة في محافظة درعا، لـ”العربي الجديد”، أنه “إلى الآن، لا يوجد شيء رسمي حول الاتفاق”، مضيفة أن “ما يتم تداوله في وسائل الإعلام هو تسريبات غير دقيقة”. وكانت مصادر مقربة من اللجنة المركزية قد أكدت أن الاتفاق “ينص على دخول قوات تابعة للشرطة العسكرية الروسية بمرافقة من اللواء الثامن (تابع للروس)، (أمس)، بهدف تثبيت وقف النار من خلال إنشاء نقطة عسكرية مؤقتة جنوبي درعا البلد”. ووفق المصادر، يتضمن الاتفاق أيضاً “إجراء تسويات جديدة لـ34 مطلوباً، وتسليم أسلحتهم الفردية في درعا البلد وطريق السد والمخيمات، وخروج من لا يرغب بإجراء التسوية”، على أن تقوم “الشرطة الروسية بمرافقة اللواء الثامن وأعضاء من لجنة درعا البلد بتدقيق هويات بعض الأشخاص في درعا البلد”. كما ينص الاتفاق “على نشر ثلاث نقاط عسكرية في محيط درعا البلد، تتسلّمها قوات مشتركة بين الأمن العسكري (جهاز أمني تابع للنظام) واللواء الثامن من أبناء محافظة درعا، على أن يجري بعد ذلك سحب مليشيات الفرقة الرابعة والمليشيات الأجنبية من محيط مدينة درعا، وفتح كافة الحواجز بين درعا البلد ومركز المدينة”.
وتوضح نظرة على بنود الاتفاق المسربة، أن وفد اللجنة المركزية المفاوض عن الأهالي، استطاع فرض بعض شروطه على النظام، وخصوصاً لجهة إبعاد “الفرقة الرابعة” الموالية لإيران عن درعا البلد، وهو ما كان يصّر عليه النظام لفرض سيطرة مطلقة والقيام بعمليات انتقامية واسعة النطاق. وأجبر النظام أيضاً على التخلي عن مطلبه بتسليم المدافعين عن درعا البلد لسلاحهم الفردي والمتوسط، ما خلا 34 مقاتلاً، هم في قوائم المطلوبين للنظام، ومن المرجح مغادرتهم المنطقة إلى الشمال السوري. في المقابل، حقّق النظام ما يُنظر إليه على أنه “نصر إعلامي” لا أكثر، من خلال نشر حواجز مشتركة ورفع العلم على الدوائر الرسمية، وهو أقل مما كان يطلبه خلال جولات التفاوض على مدى أكثر من أسبوعين. ولكن النظام لم يسبق له الالتزام باتفاقات أبرمها مع فصائل المعارضة السورية في منتصف عام 2018 برعاية روسية، حيث تجاوزها لاحقاً، وهو ما يعزز المخاوف من انهيار اتفاق درعا البلد تحت ذرائع شتى من جانب النظام.
الشرطة الروسية شرعت في تنفيذ البند الثاني من الاتفاق، الذي يقضي بتسوية وضع 34 شاباً من أبناء درعا
وتدل الوقائع على أن أطرافا إقليمية ودولية تدخلت أخيراً من أجل إيقاف العملية العسكرية التي بدأتها قوات النظام والمليشيات الإيرانية مساء الأحد الماضي، كي لا تحدث مأساة إنسانية لا يستطيع الأردن، الذي لا تبعد حدوده عن درعا البلد إلا بضع كيلومترات، تحمّل تبعاتها. من جهتها، أعلنت واشنطن إدانتها للانتهاكات التي يقوم بها النظام في درعا، داعية عبر حساب السفارة الأميركية في دمشق على “فيسبوك”، إلى “وقف فوري لإطلاق النار وحرية الدخول دون عوائق للأمم المتحدة والجهات الفاعلة الإنسانية”.
ووصف اللواء محمد الحاج علي، وهو من أبناء مدينة درعا، الاتفاق بـ”المقبول”، مضيفاً في حديث لـ”العربي الجديد”، أن البديل عنه “كان تدمير أحياء درعا البلد وتهجير سكانها”. لكنه عبّر عن مخاوفه من عدم صمود الاتفاق، “لأن الوقائع أثبتت أن الروس ليسوا ضامنين حقيقيين للاتفاقات التي جرت تحت إشرافهم في درعا وفي عموم سورية”، مشيراً إلى أن “حواجز النظام التي ستنشر في أحياء درعا البلد، من المتوقع أن تعمل على إثارة المشاكل واعتقال مدنيين والتدخل في حياة الناس”. وأعرب الحاج علي عن اعتقاده بأن النظام “اضطر إلى إبرام الاتفاق، لأن قواته ومليشياته فشلت في اقتحام درعا البلد وتكبدت خسائر كبيرة”. وحول الموقف الإيراني مما جرى في درعا البلد، رأى أن الجانب الإيراني “لديه أكثر من 80 نقطة عسكرية في محافظتي درعا والقنيطرة، جنوب سورية، ولن يتأثر نفوذه باتفاق درعا البلد”، مضيفاً أن “المليشيات الإيرانية ساندت الفرقة الرابعة لتأديب أهالي درعا البلد ليس أكثر”.
في السياق، اعتبر نقيب المحامين الأحرار في درعا سليمان القرفان أن الاتفاق هو “أفضل الممكن”، لافتاً في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “كل طرف سيعتبره نصراً له”. وقال: “أهالي درعا البلد كانوا مصرّين على عدم دخول الفرقة الرابعة والمليشيات الإيرانية وتمركزها في أحياء درعا البلد، إضافة إلى رفض تسليم السلاح، وهذا ما تمّ فعلاً”. ورأى أن “النظام سيسعى لاستثمار الاتفاق إعلامياً، وسيعتبر أنه حقق نصراً”.
العربي الجديد