أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا عن اتفاقية «أوكوس» AUKUS (التي تمثّل أحرفها اختصارا للبلدان المشاركة فيها) وهي شراكة دفاعية وأمنية جديدة، قال قادة البلدان الثلاثة إن هدفها «حماية مصالحهم» في المحيطين الهندي والهادي. وبموجب الاتفاق، ستقوم الولايات المتحدة وبريطانيا بتزويد أستراليا بتكنولوجيا وقدرات تمكنها من نشر غواصات تعمل بالطاقة النووية.
واجه الإعلان، بمجرّد صدوره، يوم الأربعاء الماضي، ردود فعل عنيفة، ليس من الدولة المقصود استهدافها بهذه الشراكة، وهي الصين، التي اكتفت بالتحذير من «عقلية الحرب الباردة» بل من فرنسا، التي هي جزء أساسيّ من «الحضارة الغربية» ومكوّناتها السياسية والعسكرية (كحلف الأطلسي) والاقتصادية، حيث وصف وزير خارجيتها، جان إيف لودريان، ما حدث بأنه «طعنة في الظهر» و«قرار جائر» معتبرا ما فعله الرئيس الأمريكي جو بايدن، شبيها بتصرفات سلفه في «البيت الأبيض» دونالد ترامب.
مبعث غضب باريس هو تراجع أستراليا عن صفقة كبرى مع مجموعة «نافال غروب» الفرنسية لصناعة السفن، لصنع أسطول غواصات جديد بقيمة 40 مليار دولار، وهي صفقة تم توقيعها الصيف الماضي، وكان وزيرا الدفاع والخارجية الأستراليان قد أكّدا على هذا الاتفاق قبل أسبوعين وحسب من إعلان مبادرة «أوكوس» وهذا، على حسب ما قال لودريان، «أمر لا يحدث بين الحلفاء»!
مجيء مبادرة «أوكوس» في الوقت الذي لم تتوقّف تداعيات انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، يشير إلى الحاجة الكبرى التي تستشعرها واشنطن لإعادة تموضع استراتيجي في مواجهة الصين، وواضح أن هذه السرعة في اتخاذ قرارات استراتيجية تفوق قدرة بعض الحلفاء الغربيين على الاستيعاب والتصرّف بالسرعة نفسها، أو تقبل تلك القرارات.
واضح أيضا أن التذمّر الأوروبي من خروج أمريكا من أفغانستان، والحديث الذي أعقبه، وخصوصا في فرنسا، عن ضرورة بناء جيش يلتزم بمصالح وسياسات «الاتحاد الأوروبي» تحوّل، مع اتفاقية «أوكوس» إلى شرخ يتوسّع بين الحلفاء القدماء، وهو ما دفع الخارجية الفرنسية لمعاودة التأكيد، على أن ما حدث مؤخرا، «يؤكد ضرورة إثارة مسألة الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي» وأن «ما من طريقة أخرى جديرة بالثقة للدفاع عن مصالحنا وقيمنا في العالم».
لا تبدو أمريكا مهتمّة كثيرا بالمونولوج الفرنسي، فبعد إعلان المبادرة الأخيرة يتجه بايدن لاستضافة قادة أستراليا واليابان والهند في «البيت الأبيض» في قمة رباعية، تسعى لتأسيس تجمع آخر لا تدخل أوروبا في حساباته المباشرة، كما أن نائبة بايدن، كامالا هاريس، ستسافر أيضا إلى سنغافورة وفيتنام، ضمن الإطار نفسه، وهو ما يعني أن ثقل الآلة الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية انتقل عمليا إلى آسيا، وهو ما يفسّر أيضا بدء الاستعدادات الأمريكية لتقليص الاهتمام بشؤون الشرق الأوسط، وملفاته المزمنة، التي ورثتها الإدارة الأمريكية من حقبة جورج بوش الابن، وتركت آثارا كارثية على مجمل المنطقة العربية.
القدس العربي