واشنطن – تواصل كوريا الشمالية ممارسة أنشطتها وتجاربها النووية دون مبالاة بالعقوبات الدولية المفروضة عليها، وفي أحدث اختبار لبرامج أسلحتها وصواريخها النووية أطلقت بيونغ يانغ بنجاح الخميس تجربة قالت إنها لصاروخ أسرع من الصوت، مما أثار قلق الولايات المتحدة.
وقالت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية الجمعة إنّ التجربة “أتاحت التحقّق من الأداء القتالي اللافت للصاروخ… مع إدخال تقنيات مهمة جديدة” عليه.
وهذه التجربة الصاروخية الجديدة هي الأخيرة في إطار سلسلة عمليات إطلاق صواريخ نفّذتها كوريا الشمالية مؤخّرا، بما في ذلك تجربة أجرتها هذا الأسبوع وأكّدت في أعقابها أنّها اختبرت خلالها بنجاح إطلاق صاروخ انزلاقي فرط صوتي، في تطوّر من شأنه إذا ما تأكّدت صحّته أن يغيّر المعادلة، إذ إنّ سرعة الصواريخ الفرط صوتية تزيد عن خمسة أضعاف سرعة الصوت.
وفي العام 2017 أصدر مجلس الأمن الدولي، بمبادرة من إدارة الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب، ثلاثة قرارات فرض بموجبها عقوبات اقتصادية مشدّدة على بيونغ يانغ، عقب إجرائها تجربة نووية وتجارب صاروخية.
كينغ مالوري: الأنشطة الكورية الشمالية أطلقت سباق تسلح نووي
ولم تظهر كوريا الشمالية حتى الآن أيّ استعداد للتخلّي عن ترسانتها التي تقول إنّها بحاجة إليها للدفاع عن نفسها ضدّ أيّ هجوم قد تشنّه عليها واشنطن، حليفة سيول والتي تنشر في كوريا الجنوبية حوالي 28 ألفا وخمسمئة عسكري لحمايتها من جارتها الشمالية.
وتمثل التجربة الصاروخية الجديدة التي أجرتها كوريا الشمالية الخميس تحديا قبل ساعات على اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بطلب من واشنطن وباريس ولندن، بشأن تجربة سابقة أعلنت عنها كوريا الشمالية وأكّدت أنّها اختبرت خلالها بنجاح إطلاق صاروخ انزلاقي تفوق سرعته سرعة الصوت.
وتقول مراكز دراسات إن كوريا الشمالية تمضي قدما في تجاربها الصاروخية النووية التي يصفها محللون بأنها تمثل تقدما تكنولوجيا للبلاد، دون خوف من العقوبات الدولية نظرا لأنها أصبحت بارعة في المراوغة لتجنب تلك العقوبات.
ونشرت مؤسسة البحث والتطوير الأميركية مؤخرا دراسة بعنوان “أساليب كوريا الشمالية في تجنب العقوبات”، أعدها كينغ مالوري كبير الباحثين في مؤسسة راند، ومدير مركز الخطر والأمن العالمي بالمؤسسة.
وسبق أن فرضت الأمم المتحدة حزما من عقوبات تقييدية بصورة متزايدة على كوريا الشمالية منذ قيامها بأول تجربة نووية في العام 2006، ومع ذلك فإن تنفيذ تلك العقوبات كان متباينا.
وفي هذه الدراسة، يوضح كينغ مالوري أن كوريا الشمالية منخرطة في أربعة أنواع من أنشطة تجنب العقوبات: أنشطة تساعدها في توفير دخل بالعملة الصعبة، وأنشطة تستخدم العملة الصعبة التي حصلت عليها في شراء المواد الخام الأساسية والتكنولوجيات المحظورة ذات الاستخدام المزدوج، والنقل السري للمواد التي تحصل عليها للتعتيم على انخراط كوريا الشمالية في النشاط النووي، ونقل العملة الصعبة والمعادن الثمينة والمجوهرات دوليا دون أن تظهر ملكية كوريا الشمالية لتلك الأصول.
وأوضحت الدراسة أن هناك أربعة أنواع من الكيانات تشارك في تجنب كوريا الشمالية للعقوبات، وتتمثل في مسؤولي حكومتها المعتمدين لدى سفاراتها، والعاملين الكوريين الشماليين في الخارج، والشركات الوهمية والصورية، والوسطاء الذين يحظون بالثقة كأطراف ثالثة.
ويتيح تجنب العقوبات لكوريا الشمالية تلبية حاجتها الماسة للعملة الصعبة للحفاظ على النظام السياسي القائم، وتمويل برامج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وتلك البرامج تهدد الأمن الدولي، وتسببت في زعزعة الاستقرار ودعم حركات التمرد في معظم دول منطقة الساحل الأفريقي.
كما إن تلك الأنشطة الكورية الشمالية تتسبب أو تسببت بالفعل في إطلاق سباق تسلح بالنسبة للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية في دول الشرق الأوسط المجاورة، مما يعرض الدول الأفريقية لخطر مواجهة هجوم صاروخي في المستقبل. كما أدت إلى قتل مدنيين بالأسلحة الكيمياوية.
وأكدت الدراسة أنه على الرغم من العدد الكبير للدول التي لها علاقة بنشاط كوريا الشمالية النووي، فإنه ليس من المستحيل التغلب على التحدي الذي يمثله تجنب كوريا الشمالية للعقوبات. فكوريا الشمالية نشطة في 38 دولة أفريقية، ومع ذلك فإن الكيانات ذات العلاقة بتجنب كوريا الشمالية للعقوبات تتركز في أربع دول أفريقية فقط.
ولطالما استخدمت كوريا الشمالية تجارب الأسلحة، وآخرها تجارب الخميس، لإثارة التوتر، في إطار عملية مدروسة بعناية تقول سو كيم من مؤسسة راند للأبحاث إن بيونغ يانغ تسعى من خلالها إلى “جس نبض واشنطن” و”قدرتها على تحمل” الاستفزازات.
وسبتمبر الماضي، أكد سفيرها لدى الأمم المتحدة كيم سونغ أمام الجمعية العامة السنوية أن بلاده لديها “حق مشروع” لاختبار الأسلحة و”تعزيز قدراتها الدفاعية”.
لكن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن حذر من أنّ التجارب الصاروخية التي تقوم بها كوريا الشمالية تسهم في زعزعة الاستقرار والأمن.
وتتركز أنشطة كوريا الشمالية المتعلقة بتجنب العقوبات والتي قد تتسبب في أكبر ضرر محتمل، في أربع دول أفريقية هي تحديدا جمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيا ومالي وموزمبيق.
وأكدت الدراسة الأميركية أنه إذا أدركت حكومات تلك الدول والدول المجاورة والمجتمع الدولي، الأخطار التي يسببها تعاونها مع كوريا الشمالية لأمنها والأمن الأفريقي والدولي وقررت وقف هذا التعاون وفرضت العقوبات، فإنها سوف تسهم إسهاما كبيرا في الحد من المخاطر الأمنية التي تسببها كوريا الشمالية.
العرب