لندن – المبادرة التي طرحها الرئيس الكوري الجنوبي يون سيوك يول والتي وصفت بـ”الجريئة“ تصب في سياق التعامل مع ملف السلاح النووي الكوري الشمالي، وكان من بين أهم أهدافها تحسين اقتصاد كوريا الشمالية إذا ما اتخذت خطوات جادة نحو نزع السلاح النووي. إلا أن الجارة الشمالية رفضت المبادرة بسرعة، متمسكة بخيارها النووي ضاربة بعرض الحائط مخرجات المفاوضات الثنائية والجماعية المتصلة بهذا الشأن.
تقوم هذه المبادرة على مبدأ يقول إن نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية مسألة جوهرية، ليس فقط بالنسبة إلى السلام الدائم في شبه الجزيرة الكورية، وإنما أيضاً في منطقة شمال شرق آسيا، والعالم كله.
وستكون مكافأة كوريا الشمالية في حال وافقت على المبادرة، وأوقفت برامجها النووية، وتخلصت من ترسانتها الحالية من السلاح النووي، الحصول على مساعدات اقتصادية من توأمها الجنوبي، تبدأ بالمساعدات الغذائية، وصولاً إلى رفع كفاءة قطاعات اقتصادية وخدمية كثيرة مثل الزراعة والصحة، وكذلك تطوير الموانئ والمطارات ومحطات الطاقة، والعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية.
الباحث في الشؤون الآسيوية السيد صدقي عابدين يشير، في دراسة أعدها لمركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، إلى أنه وبينما تضمنت مبادرة سيول بعض التفاصيل في ما يتعلق بالشق الاقتصادي، فإن الجانبين السياسي والعسكري ظلا دون تفصيل، وإن كانت هناك بعض الإشارات العابرة فيما يتعلق بتحسين العلاقات مع بيونغ يانغ، وعدم السعي لتغيير نظامها السياسي بالقوة.
أصوات الأوكرانيين ما زالت تعلو معربة عن الندم على التخلي عن رادع نووي كانوا يمتلكونه، وهو درس تعلمته كوريا الشمالية
التحكم بسلوك العدو
يفترض عابدين أن المبادرة الكورية الجنوبية وإن كانت قد وُصفت بالجريئة فعلاً، فإن الرد الكوري الشمالي كان حاداً بشكل كبير، حيث جاء رفض بيونغ يانغ للمبادرة قاطعاً ومن أعلى المستويات، واعتبرتها كيم يو جونج شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون والنائبة الأولى لرئيس اللجنة المركزية لحزب العمال “قمة في الحماقة”، مضيفين أنها لا تعدو كونها حزمة “أفكار صاخبة” يقدّمها الجنوب.
وكشفت كوريا الشمالية أن المبادرة الجديدة من جارتها الجنوبية ليست جديدة في الواقع، فقد سبق وأن طرحتها إدارة الرئيس الأسبق لي ميونج باك، وكان مصيرها الرفض أيضاً، حيث ترى بيونغ يانغ أنها تقوم على افتراض خاطئ أساسه أن كوريا الشمالية مُستعدة للتخلي عما لديها من سلاح نووي مقابل بعض المساعدات الاقتصادية.
وتتحكم في مسار هذه المبادرة ومستقبلها العديد من العوامل أبرزها التغيير السياسي في كوريا الجنوبية التي أفضت الانتخابات الرئاسية التي جرت فيها شهر مارس الماضي، عن فوز يون سيوك يول، وظهور توجه مختلف في جوانب كثيرة عما ساد خلال فترة حكم الرئيس السابق مون جاي إن، الذي رفع لواء الحوار، وعُقدت في عهده أكثر من قمة بين الكوريتين، وتم تخفيض مستوى المناورات العسكرية مع الولايات المتحدة، وكذلك تم إيقاف نشاط المجموعات التي كانت ترسل منشورات إلى كوريا الشمالية عبر الخط الفاصل.
الإدارة الجديدة في سيول أعلنت أنها لا ترفض الحوار السياسي مع جارتها في الشمال، على أن تكون لقاءات القمة ذات جدوى، كما أنها أعادت المناورات العسكرية إلى سابق عهدها، وسمحت بأمور من بينها إرسال المنشورات إلى الشمال، وكل ذلك يعني أن ملف الجارة الشمالية يمثل أولوية بالنسبة إلى إدارة الرئيس يون سيوك يول، كما أن لهجتها في تحدي ما تعتبره استفزازات كورية شمالية باتت أكثر حدة، ومن ثم فلا غرابة في أن تعيد توصيف بيونغ يانغ بأنها “العدو الرئيسي”.
لم تقف كوريا الشمالية صامتة حيال توجهات الإدارة الكورية الجنوبية الجديدة، وأعلن الرئيس كيم جونج أون بنفسه أن حكومة الجنوب وجيشها سوف يواجهان “الإبادة” في حال الإقدام على تنفيذ ما يُسمى بـ”الضربة الاستباقية” التي تحدث عنها الجنوب.
يضاف إلى ذلك انتشار وباء كوفيد في كوريا الشمالية، إذ لم تعلن بيونغ يانغ، حتى شهر مايو الماضي، عن أيّ إصابات بالفايروس، لكنها أعلنت بعد ذلك عن إصابات متزايدة وصلت إلى ما يقارب 4 ملايين حالة. وتم توجيه الاتهام الصريح لجارتها الجنوبية بالمسؤولية عن تفشي الوباء في الشمال، منذرة بإنزال العقاب بها رداً على هذا.
وتفعل الأزمات بين القوى الدولية فعلها في التأثير على العلاقات بين الكوريتين، بما يجري بين الولايات المتحدة والصين، والتطورات المتعلقة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا ومن ورائها واشنطن والكثير من الدول الغربية واليابان. وبينما تساند كوريا الجنوبية الموقف الغربي، تتفق جارتها الشمالية مع كل من الصين وروسيا بشأن رفض السعي الأميركي لاستمرار فرض الهيمنة على العالم. وتقف بيونغ يانغ موقف المؤيد لكلٍ من بكين وموسكو فيما يطرحانه من مواقف، سواء بخصوص قضية تايوان، أو بخصوص ما يجري في أوكرانيا. وكانت كوريا الشمالية ثالث دولة في العالم تعترف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.
الصين وروسيا تطالبان منذ فترة بضرورة تخفيف العقوبات الدولية على بيونغ يانغ، وترفضان العقوبات الأحادية التي تُفرض بعيداً عن مجلس الأمن الدولي. وفي شهر مايو الماضي أحبطت الدولتان مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن يتضمن إدانة كوريا الشمالية على خلفية تجاربها الصاروخية ويوقع عقوبات جديدة ضدها.
العرب