تصريحات منسوبة إلى ماكرون عن تبون وتاريخ الجزائر تقود إلى أزمة

تصريحات منسوبة إلى ماكرون عن تبون وتاريخ الجزائر تقود إلى أزمة

الجزائر – قررت الجزائر غلق مجالها الجوي في وجه الطيران العسكري الفرنسي العامل في منطقة الساحل ومالي تحديدا، وذلك في أعقاب استدعاء سفيرها في باريس للتشاور، غداة التصريحات المثيرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول وضع السلطة في الجزائر وظروف عمل الرئيس عبدالمجيد تبون والتشكيك في ماضي الجزائر.

دخلت العلاقات الجزائرية الفرنسية في أتون أزمة غير مسبوقة في تاريخ البلدين، خاصة في ظل تصاعد الغضب الجزائري من تصريحات ماكرون المشككة في التاريخ الجزائري، قبل دخول جيوش بلاده إليها في 1830، وذلك من خلال الدعوة إلى طرد السفير الفرنسي وقطع العلاقات الدبلوماسية، أو تفعيل القانون المجمد في البرلمان حول تجريم الاستعمار.

وكان قرار غلق المجال الجوي أمام الطيران العسكري الفرنسي العامل في مالي ومنطقة الساحل أول رد فعل جزائري رسمي على تصريحات ماكرون المفاجئة حول مسائل داخلية للشأن الجزائري، تتعلق بدور العسكر في السلطة، ومحدودية دور الرئيس تبون في القرار السيادي، والتشكيك في التاريخ الجزائري.

عبدالعزيز رحابي: من المؤسف أن تكون التصريحات الفرنسية بهذا المستوى

ولئن تم استدعاء السفير الجزائري لدى باريس محمد عنتر داود للتشاور فإنه ليس من المستبعد اتخاذ قرارات أخرى تتعلق بفسخ عقود شركات فرنسية عاملة في الجزائر، لتنضم بذلك إلى فسخ سابق تم خلال الأشهر الأخيرة، ومس شركة تسيير المياه وميترو الأنفاق ومطار الجزائر الدولي، في خطوة لتكثيف الضغط على الفرنسيين المستائين من انفتاح شريكتهم التاريخية على قوى أخرى كالصين وتركيا وروسيا خاصة في مجال التسليح والمشاريع الكبرى.

وكان الرئيس الفرنسي قد ألقى كلمة أمام عدد من الشبان الذين تم استدعاؤهم إلى قصر الإليزيه لـ”التشاور” حول ما يسمى بوثيقة المؤرخ والمستشار بنجامين ستورا المتعلقة بمعالجة “جرح الذاكرة”، وكان من بين هؤلاء أحفاد حركى (الحركى هم معاونو الجيش الفرنسي من الجزائريين خلال حرب التحرير)، وضباط فرنسيون عملوا خلال تلك الفترة، ويهود، وحتى محسوبون على جبهة التحرير الجزائرية.

وأطلق الرئيس ماكرون تصريحات وصفت بـ”القوية” و”الصادمة ” حول علاقات بلاده بالجزائر خلال الفترة الأخيرة، خاصة في ما يتعلق بدور ونفوذ العسكر في المشهد السياسي للبلاد، ومحدودية صلاحية تبون في إدارة شؤون البلاد، والتشكيك في تاريخ الجزائر.

وأعرب الرئيس الفرنسي في تصريحاته عن “إعجابه بالرئيس تبون خلال المشاورات والاتصالات التي جرت بينهما، لكنه واقع في صلب دائرة صلبة”، في إشارة إلى الحلقة الأولى لضباط المؤسسة العسكرية الذين اتهمهم بـ”الاستحواذ على القرار السياسي في البلاد”.

وأضاف “الحراك الشعبي أتعب السلطة في الجزائر، والعسكر مازالوا هم الحاكم الفعلي للبلاد خلف واجهة مدنية، والجزائريون ليست لهم مشكلة مع فرنسا، وإنما النظام الحاكم هو الذي يحضّ على معاداة فرنسا”، في إشارة إلى الخطاب المتصاعد خلال السنوات الماضية ضد النفوذ الفرنسي في البلاد.

كما لم يفوت فرصة الخوض في الجانب التاريخي بالقول إنه “يشكك في تاريخ الجزائر كأمة قبل الاحتلال الفرنسي”، وعبر عن انزعاجه من عدم “إدانة الاستعمار التركي للجزائر بالشكل الذي تدان به فرنسا”، مضيفا أن “التاريخ لا بد أن تعاد كتابته باللغتين العربية والأمازيغية لإنصاف الحقيقة”.

وتساءل ماكرون عن سر “توفيق الأتراك في نيل ثقة الجزائريين وتحويل الحقبة الاستعمارية إلى تحالف بين البلدين”، وهو ما يعبر عن الصراع المحتدم بين فرنسا وتركيا وتصفية حساباتهما السياسية والتاريخية انطلاقا من الجزائر.

وفي خطوة تعكس تحرك الموالاة الإخوانية لنصرة الجانب التركي سارعت أكبر الأحزاب الإخوانية (حركة مجتمع السلم) إلى التنديد بـ”التصريح الذي أدلى به ماكرون”، واعتبرته “إعلان حرب”، بينما انتصرت في تدوينة رئيسها عبدالرزاق مقري لصالح العلاقات الجزائرية – التركية.

وكانت الرئاسة الجزائرية قد عبرت في بيان لها عن “رفضها القاطع للتدخل غير المقبول في شؤونها الداخلية، مثلما ورد في هذه التصريحات التي تحمل في طياتها اعتداء غير مقبول على ذاكرة 5.630.000 شهيد، الذين ضحوا بالنفس والنفيس في مقاومتهم البطولية ضد الغزو الاستعماري الفرنسي، وكذا في حرب التحرير الوطني المباركة”.

وقال البيان “عقب التصريحات غير المفندة التي نسبتها العديد من المصادر الفرنسية إلى رئيس الجمهورية الفرنسية، تعرب الجزائر عن أن جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر لا تعد ولا تحصى، وتستجيب لتعريفات الإبادة الجماعية ضد الإنسانية”.

وأضاف “التقديرات السطحية والتقريبية والمغرضة، المصرّح بها، بخصوص بناء الدولة الوطنية الجزائرية، وكذلك تأكيد الهوية الوطنية، تندرج في إطار مفهوم هيمنة مبتذل للعلاقات بين الدول، ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن تكون متوافقة مع تمسك الجزائر الراسخ بالمساواة السيادية للدول”.

ومن جهة أخرى أعرب الوزير والدبلوماسي السابق عبدالعزيز رحابي عن أسفه لأن “تكون التصريحات غير المكذبة من قبل سلطة فرنسية بهذا المستوى، حيث تتبنى خطابا عن الجزائر يتكيف مع كل موعد انتخابي مما يجعل بلدنا موضوع نقاش متكرر ليصبح مشكلة سياسية داخلية لفرنسا، مترجمة بذلك طابعها الانتهازي والانتخابي والمغالط للتاريخ”.

وأضاف “لا يزال يُنظر إلى الجزائر على أنها زبون وشريك أمني خلال السنوات الأربع الأولى من العهدات الرئاسية، في حين ينظر إليها كفزّاعة خلال السنة الأخيرة، بعدما تم هذه المرة استنفاد روافع أسلمة التطرف من قبل النخب السياسية والإعلامية”.

وتابع “بنفس التّوجه، يطرح السّؤال عن الحركى نفسه، إذ يعتبرهم الضمير الوطني الجماعي الجزائري خونة للوطن، كما هو حال الآراء العامة في فرنسا ودول أوروبية أخرى، أين يُعتبر المتعاونون مع المحتل النازي أُناسًا فقدوا الولاء لأوطانهم”.

ولفت المتحدث إلى أنه “من الواضح بمكان أننا ورثة ذاكرات متناقضة حول هذه المسألة، التي يجب على كل طرف أن يتحمل تاريخه الخاص ومسؤوليته في ما يتعلق بها. لأن المساواة في السيادة بين الدول تتأسس على هذا الشرط الواحد وتبقى أفضل ضمان للعلاقات السلمية التي بحث الرئيسان عبدالمجيد تبون وإيمانويل ماكرون عنها بشجاعة وتصميم”.

العرب