في 22 نيسان/ إبريل من هذا العام وفي العاصمة العراقية بغداد، وقع وزراء النقل في كل العراق وتركيا وقطر والإمارات بحضور ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. على “مذكرة اتفاقية طريق التنمية” التي تعتبر مرحلة أولى في هذا المشروع الطموح في بيئة الشرق الأوسط. والمشروع هو عبارة عن طريق “سكك حديد” تجاري يمر عبر العراق وتركيا، إذ من شأنه أن يربط الأسواق في القارة الأسيوية بالأوروبية عبر المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط.
ويتضمن هذا المشروع بناء عدد من المواني والطرق والسكك الحديدية التي ستساهم في اختصار مسافة النقل بين آسيا وأوروبا عن طريق الأراضي التركية، ومن المفترض أن تبدأ شبكة النقل هذه من ميناء الفاو الذي يقع في محافظة البصرة جنوبي العراق ويمر عبر محافظات العراق كمحافظة كربلاء وبغداد إلى وصولا إلى الموصل شمالي العراق، ثم إلى الأراضي التركية وصولاً إلى ميناء مرسين. وتقدّر تكلفة المشروع الأوليّة بــ17 مليار دولار، وبطول يصل إلى 1190 كم.
ومن المقرر أن ينفذ هذا المشروع على ثلاث مراحل، تنتهي المرحلة الأولى مع حلول عام 2028، الأمر الذي سيسمح لميناء الفاو استقبال السفن. أما المرحلة الثانية ستنتهي في عام 2033 باستكمال بناء السكك الحديدية والطرق البرية كافة. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فمن المقرر إنجازها مع حلول عام 2050 موعد الانتهاء من أعمال البناء كافة في ميناء الفاو.
تسعى الدولة التركية من وراء “طريق التنمية” إلى تحقيق عدة أهداف إستراتيجية أولا: تعزيز العلاقة الشراكة مع أكراد العراق وخاصة مع حزب الديمقراطي الكوردستاني، ثانيا: يمنح هذا الطريق بالإضافة إلى الاتفاقيات الثنائية التي وقعت بين الدولتين مؤخرًا الفرصة لتركيا في أن تستعيد بغداد محوريتها في السياسية الخارجية التركية، ثالثًا: يمكن اعتبار “مشروع طريق التنمية” بمثابة خطوة استراتيجية لتركيا لتنويع شراكاتها الاقتصادية وتعزيز العلاقات الإقليمية القوية. رابعًا: تعزيز النفوذ التركي في العراق كقوة لموازنة النفوذ الإيراني الذي استوطن العراق بعد عام 2003م.
أما عن أهمية مشروع ” طريق التنمية” عراقيًا، فإن العراق سيكون حلقة وصل بين دول الخليج العربي في آسيا وأوروبا. وإذا تحقق ذلك فإن ميناء الفاو سيصبح أكبر ميناء في نقل البضائع في الشرق الأوسط. كما يساعد هذا المشروع العراق في تطوير بنيته التحتية مهمة ممثلة بالسكك الحديدية والطرق البرية والمواني، أي أن هذا المشروع إذا كتب له النجاح- سيساهم بشكل كبير في تنمية وتقوية الإقتصاد العراقي وتعزيز مكانة العراق إقليميًا. لكن السؤال في هذا السياق: هل حظي أو سيحظى هذا المشروع بالرضا من قبل دول الإقليم واقصد هنا إيران والكويت؟
يمكن القول أن إيران والكويت ابدتيا انزعاجهما من هذا المشروع، فالأولى، هذا المشروع من شأنه أن يؤثر بشكل سلبي على النفوذ الإيراني في العراق، وسيقطع الطريق الذي عملت إيران منذ سنوات على تدشينه الطريق الذي يصل إيران بسوريا ولبنان عبر العراق وهو ” الطريق الامداد العسكري”، ولإفشال هذا المشروع سياسًا قدتستخدم إيران حلفائها من القوى السياسية والعسكرية في العراق، إما من خلال تسويف المشروع، أو تكليف الفصائل المسلحة الموالية لها بزيادة ضغوطها السياسية وعملياتها المسلحة على القوى السياسية التي تدعمها تركيا، أو تستخدم الأسلوبين معًا.
كما سيتخذ صانع القرار السياسي في طهران في حال توصل الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا إلى اتفاق بشأن مستقبل شمالي شرق سوريا، سيعجل من خطوات تهدف إلى إفشال السياسة التركية في الهلال الخصيب. كما سيمارس صانع القرار الإيراني نفوذه على بشار الأسد لرفض أي تطبيع سياسي مع تركيا، ويمكن له أيضًا الاستفادة من علاقاته الاستراتيجية مع حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” لإفشال أي تحرك تركي ضد “حزب العمال الكردستاني” في العراق.
أما الانزعاج الكويتي يأتي كونها كانت تطمح وتخطط في أن يصبح ميناء مبارك الذي يقع شمالي الكويت حلقة الوصل الإستراتييجة في أي مشروع تجاري بدلاً من ميناء الفاو الكبير. ولانجاح هذا المشروع لابد من دعم دولي كبير له والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هل ستدعم الولايات المتحدة الأمريكية هذا المشروع الواعد في بيئة الشرق الأوسط ؟
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية