“لم يكن الاتفاق هو الحل، ولهذا فإن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق ليس المشكلة”، قال سفير الولايات المتحدة السابق في إسرائيل ديفيد فريدمان، حين سئل عن الاتفاق النووي مع إيران. وبالفعل، هذا اتفاق مثقوب وعديم وسائل الرقابة الحقيقية. إن الاتفاق أعطى شرعية لعودة إيران إلى حضن دول العالم مع مليارات الدولارات لمواصلة تمويل عدوانها. وفوق كل شيء، أتى بإذن مجلس الأمن في الأمم المتحدة لمواصلة تخصيب اليورانيوم وتطوير برنامج نووي “لأغراض سلمية”.
ولكن في السنوات الأخيرة، في إطار الصراع السياسي الإسرائيلي الداخلي، هناك من يطورون رواية كاذبة، وكأن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018 بضغط إسرائيلي هو ما خلق المشكلة وأدى إلى خروقات الاتفاق من جانب إيران.
منذ تشرين الأول 2015، بعد نحو ثلاثة أشهر من التوقيع على الاتفاق، نشر زعيم إيران الأعلى، خامينئي، رسالة إلى الرئيس روحاني مع تسعة شروط لتطبيق الاتفاق، تلغي ما جاء فيه: تأجيل إخراج اليورانيوم المخصب من إيران إلى موعد غير معروف، وتأجيل الالتزام بتغيير هدف المفاعل في أراك وغيرها. في ضوء إعلان إيران عام 2019 أن استئنافها للنشاط في غضون أسبوعين، يوضح أن خروج الولايات المتحدة منه لم يكن خرقاً. فلو كانت إيران هدمت المفاعل كما تعهدت، لما كانت هناك إمكانية لاستئناف أعماله في زمن قصير كهذا.
ثمة دلائل أخرى كثيرة على خرق الاتفاق من جانب إيران. فالأرشيف الذي وضعت اليد عليه كشف النوايا العسكرية للبرنامج النووي – وفوق كل شيء أن خامينئي لم يقر الاتفاق. و”الفتوى” التي وعد بها لم تنشر في أي قناة رسمية. ومثلما لم تبدأ إيران في خرق الاتفاق عام 2018 فقط، فإن تشكله لم يبدأ بعد انتخاب روحاني في 2013 فقط وفي ضوء “الخط المعتدل” الذي عرضه. فمنذ 2012 وافقت، أو لعلها استسلمت، إدارة أوباما واعترفت بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، وهو الشرط الذي رفضته الأسرة الدولية على مدى السنين. وفي أعقاب رسالة سرية نقلت إلى إيران، صدر ضوء أخضر لبدء المفاوضات.
وبالتالي، فإن الاتفاق النووي لم يكن حلاً لمنع المشكلة الإيرانية. فقد ألغي مطلب “منع” إيران نووية، وأدى إلى خطاب بديل يتمثل بـ “تأخير” الموعد الذي يحصل فيه هذا. فضلاً عن ذلك، من الصواب رؤية فيه كنتيجة لتخطيط مسبق ومتفق عليه من عموم قيادة النظام الإيراني بين المعتدلين والمحافظين، أدى إلى الهدف الحقيقي – رفع كل العقوبات التي فرضت على إيران والاعتراف بالبرنامج النووي “المدني” لديها مقابل وثيقة لم يكن في نيتها احترامها منذ يومها الأول.
لا غرو إذن في أن إيران لم تعلن قط عن إلغاء الاتفاق من جانبها: لا بعد خروج الولايات المتحدة منه ولا بعد فرضها العقوبات عليها. العكس هو الصحيح، واصلت إيران إفراغه من محتواه مع علمها أنه سيكون من الصعب حتى المتعذر إلغاء ما نص عليه في قرار لمجلس الأمن في الأمم المتحدة.
في ضوء كل هذا، يجدر بنا النظر جيداً إلى المباحثات حول الاتفاق اليوم. فحسب تقرير معهد “ممري”، لا تطلب إيران فقط إبقاء اتفاق 2015 على حاله، فمنذ كانون الثاني من هذا العام، أعلن خامينئي بأن الهدف الرئيس هو الإلغاء الفوري لكل العقوبات (تلك المتعلقة بالموضوع النووي وتلك التي فرضت بسبب الإرهاب وخرق حقوق الإنسان). بعد إلغائها وطلب التعويض عليها، ستتفضل إيران بالموافقة على اتفاق جديد ينص على حقها في أن تكون دولة حافة نووية (مثل ألمانيا واليابان).
بكلمات أخرى، تتطلع إيران بالعودة إلى الاتفاق القديم، لنيل اعتراف إضافي، هذه المرة كـ “دولة حافة نووية”. فلئن كان البرنامج النووي الإيراني قد استُهدف “منعه” بالمساومة على “التأخير”، في عهد أوباما، فإننا في عهد إدارة بايدن نجد أنفسنا على عتبة عهد جديد: عهد “الاحتواء”. والاتفاق النووي القديم أو الجديد بهذه الروح، لا يشكل فقط حلاً للخطر الإيراني، بل يبدأ في أن يكون جزءاً من المشكلة.
بقلم: ليمور سميان درش
القدس العربي