في العراق الذي تحتلّ فيه العشيرة موقعاً بارزاً في الحياة اليومية بجوانبها كافة، لا شكّ في أنّ العصبية العشائرية تؤدّي دوراً لا يُستهان به في خلال الانتخابات البرلمانية المتوقّعة بعد أسبوع، تماماً كما العصبيات الأخرى.
يواجه مئات المرشّحين للانتخابات التشريعية في العراق، المقرّرة في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تهم إثارة نعرات قبلية في المدن والدوائر الانتخابية التي ترشّحوا فيها والتي تسيطر فيها العشائر، وهو نهج يبدو مشابهاً لما يلجأ إليه منافسون لهم يعتمدون على الخطاب الديني والطائفي والقومي في مدن أخرى من البلاد.
ويحذّر متخصصون في شؤون المجتمع من أنّ هذا الخطاب، فضلاً عن كونه يُدرَج من ضمن المخالفات الانتخابية، فإنّه يسهم سلباً في زيادة المشكلات الاجتماعية ذات البعد العائلي والقبلي في العراق، خصوصاً في مدن الشمال والغرب. وممّا يساعد على ذلك طبيعة قانون الانتخابات الذي قسّم المحافظات إلى دوائر انتخابية متعدّدة يجرى التنافس فيها على أساس تأثير المرشّحين في دوائرهم الانتخابية. ومنذ انطلاق الحملات الانتخابية في يوليو/ تموز الماضي، تشهد دوائر انتخابية عدّة تنافساً محموماً بين المرشّحين يصل أحياناً إلى حدّ الصدام بين أكثر من عشيرة أو بين أبناء العشيرة الواحدة، فيما تغيب عنه البرامج الانتخابية الواضحة.
يقول الناشط المدني العراقي أحمد الوندي لـ”العربي الجديد” إنّ “غياب البرامج العملية وقصور الرؤية لدى عدد كبير من المرشّحين جعلاهم يتّجهون إلى الاستعانة بالقبيلة والعائلة لجمع الأصوات، وهو ما خلق مشكلات في داخل العشيرة نفسها التي يترشّح منها أشخاص عدّة، وكذلك بين عشيرة وأخرى”. يضيف أنّ “المجتمع العراقي لا يعاني فقط من الخطاب الديني، بل صارت القبلية واضحة بسبب الانتخابات، بالتالي يتوجّب على السلطات المعنية معالجة ذلك”، واصفاً “المخالفات بالخطاب بأنّها تأتي دوماً من الرجال المرشّحين وليس من النساء اللواتي يخرجنَ بخطاب أفضل ويبدونَ أكثر التزاماً بالقانون من الرجال”. ويحذّر الوندي من “أضرار على المجتمع في المدن والقرى، في حال لم تُوضَع ضوابط للخطب والمحاضرات والتحركات الانتخابية للمرشّحين”.
الصورة
عراقيون ولافتات انتخابية في بغداد (مرتضى السوداني/ الأناضول)
(مرتضى السوداني/ الأناضول)
وهذا ما يؤكده عضو البرلمان منصور البعيجي قائلاً لـ”العربي الجديد” إنّ “قانون الانتخابات جعل عملية الانتخاب مناطقية من خلال وجود دوائر متعددة في المحافظة”، متوقعاً أن “تكون المشاركة أكبر في أطراف المدن التي تضمّ ثقلاً عشائرياً”. ويوضح البعيجي أنّ “مراكز المدن قد تشهد عزوفاً عن الانتخابات، بخلاف المناطق الواقعة في أطراف المدن حيث العشائر”، مشيراً إلى أنّ “المرشّحين لا يهتمون ببرامجهم الانتخابية بقدر اهتمامهم بوسائل كسب الأصوات والانتماءات العشائرية”. ويتابع البعيجي أنّ “الأحزاب لم تعتد على إطلاق برامج انتخابية واضحة، بل تعمل في كلّ انتخابات على تغيير أسمائها فقط وإطلاق وعود لا تطبّق”، لافتاً إلى أنّ “الشعارات التي تطلقها هذه الاحزاب قد لا تنطلي على جميع الناخبين الذين لن يصدقوا كلّ الوعود”. ويؤكد البعيجي أنّ “طبيعة قانون الانتخابات دفعت الأحزاب إلى تقسيم مرشّحيها على الدوائر الانتخابية، ما تسبّب في حدوث صراعات بين المرشّحين على المقاعد”، متوقعاً أن “تكون نسبة مرشّحي العشائر الذين سوف يصلون إلى مجلس النواب المقبل نحو 10 في المائة من المقاعد”.
رفع ملصقات خاصة بانتخابات العراق (مرتضى السوداني/ الأناضول)
قضايا وناس
الانتخابات فرصة عمل للعراقيين
ووفقاً لقانون الانتخابات، قُسّمت كلّ محافظة إلى أكثر من دائرة انتخابية ومُنحت كلّ دائرة ما بين ثلاثة مقاعد وخمسة، ليكون عدد الدوائر في العراق 83، بعدد حصّة النساء في البرلمان. فقد اشترط القانون مقعداً واحداً على أقلّ تقدير للنساء في كلّ دائرة انتخابية. في هذا الإطار، يقول أحد المرشّحين للانتخابات المقبلة عن “التحالف المدني الديمقراطي” فضّل عدم الكشف عن هويته لـ”العربي الجديد” إنّ “صعوبات كبيرة تقف بوجه المرشّحين ذوي الميول المدنية بسبب تعدّد الدوائر الانتخابية الذي منح العشائر سطوة كبيرة قد تمكّنها من دعم بعض المرشّحين”. يضيف المرشّح نفسه أنّ “التجمّعات العشائرية بدأت قبل أسابيع دعم بعض المرشّحين القبليّين الذين لم يطرح بعضهم برامج واضحة”، موضحاً أنّ “ذلك قد ينعكس على المجتمع الذي بدأ يشهد صراعات قبلية ذات طابع سياسي في بعض المناطق. كذلك فإنّ له انعكاساً سلبياً على البرلمان المقبل الذي سوف يشهد وصول عدد أكبر من النواب الذين يدينون بالولاء لعشائرهم أكثر من قدرتهم على الإنجاز”.
الصورة
بائع متجول ولافتات انتخابية في بغداد (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
(أحمد الربيعي/ فرانس برس)
في سياق متصل، يقول عضو البرلمان السابق عدنان الدنبوس لـ”العربي الجديد” إنّ “الفترة الحالية تشهد تصاعداً في الانتماءات العشائرية التي بدأت تتوسّع أكثر ممّا كانت عليه قبل سنوات. فثمّة عراقيون يتّجهون صوب قوة الجماعة التي تحميهم وتقدّم لهم الدعم”. ويشير إلى أنّ “ثمّة عراقيين يحتاجون إلى وقت طويل من أجل التخلي عن انتماءاتهم في مقابل سيادة القانون”، مبيّناً أنّ “الجهل وقلة الوعي أمور تدفع البعض إلى الاندفاع نحو عشائرهم”. ويوضح الدنبوس أنّ “الانتماءات الضيقة تُسجَّل في العراق منذ الانتخابات الأولى التي أُجريت بالبلاد في عام 2005″، مؤكداً أنّ “تلك الانتخابات شهدت قيام ناخبين بمنح أصواتهم إلى مرشّحين من طائفتهم على الرغم من عدم تقديم هؤلاء برامج انتخابية”.
تجدر الإشارة إلى أنّ انتخابات أجريت في العراق في يناير/ كانون الثاني من عام 2005، وذلك بعد عامَين من الغزو الأميركي للبلاد، وقد نظمت لاختيار جمعية وطنية وحكومة انتقاليتَين، لكنّ أحزاب المحافظات الشمالية والغربية قاطعتها. وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 2005، شهد العراق الانتخابات الأولى لاختيار برلمان لأربعة أعوام بمشاركة معظم مكوّنات الشعب العراقي. وفي كلتا العمليتَين الانتخابيتَين، جرت الانتخابات وسط أجواء طائفية مشحونة كانت تشهدها البلاد واستمرت حتى عام 2007، علماً أنّ عمليات قتل وخطف وتغييب وتهجير سُجّلت في تلك الفترة وطاولت آلاف العراقيين الذين استُهدفوا “على الهوية”.
حيدر الجبوري في حوار مع مواطنين (العربي الجديد)
قضايا وناس
حيدر الجبوري يمثل ذوي الإعاقة في انتخابات العراق
ويشدّد الدنبوس على “ضرورة العودة إلى الجامع الوطني عند الذهاب إلى الانتخابات”، مشدداً على أنّ “الدولة تتحمل جزءاً من مسؤولية قيام صراعات عشائرية على مقاعد البرلمان، لأنّه يستوجب على المؤسسات الحكومية إخضاع الجميع لسلطة القانون”. ويتابع أنّ “الانفلات الذي تشهده البلاد اليوم يعود إلى أنّ ثمّة أشخاصاً صاروا أقوى من الدولة، وهذا ما تسبّب في زيادة قوّة العشائر التي زجّت مرشحيها ضمن قوائم حزبية”.
العربي الجديد