تنتظم الانتخابات النيابية العراقية (المبكّرة) بعد غد الأحد، 10 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وباتت ما كان الرهان على إجرائها من عدمه ضرب خيال ليس إلا، على الرغم مما يبدو لبعض القوى، ذات التوجه المشكك بنيات رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي، ودوافعه، من إصراره على إجرائها في وقتها المحدد، بأنه يأتي من رغبة أميركية تملي عليه تحديد القوى المؤيدة للنفوذ الإيراني في العراق وتحجيمها، عبر إجراء الانتخابات في أجواء الانحسار الكبير لشعبية هذه القوى، خصوصا لدى الشباب العراقي بشكل عام، ولدى محافظات الجنوب العراقي خصوصا.
وقد أبدى رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، في مقابلةٍ تلفزيونية معه أخيرا، تخوفه من التلاعب بنتائج الانتخابات والضغط على إرادة الناخبين، وطالب العراقيين باختيار الأصلح. وحذر زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الدول الخارجية، وبخاصة دول الجوار، من التدخل في الانتخابات. ووصف رئيس تحالف الفتح، هادي العامري، الانتخابات المقبلة بأنها الأخطر من بين الانتخابات التي مرت على العملية السياسية منذ عام 2003. ويرى الأكراد أن هذه الانتخابات ستشكل تحوّلاً جديداً في مسار العراق وإقليم كردستان. ويرى تيار الحكمة، برئاسة عمار الحكيم الذي يعتبر نفسه أكبر القوى السياسية المتحالفة، أن تحالفات القوى التي ستفوز في الانتخابات ستفرز مصطفى الكاظمي أو حيدر العبادي رئيس الوزراء المقبل. كما تتحرّك التحالفات السياسية السنيّة بشكل مختلف بعض الشيء هذه المرّة، من حيث استعداداتها وإمكاناتها المالية وعلاقاتها الداخلية والخارجية، عن أية مشاركات سابقة. ولعل تحالف العزم، برئاسة خميس الخنجر، وتحالف تقدّم، برئاسة رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، إضافة إلى تحالف المشروع الوطني للإنقاذ، برئاسة أسامة النجيفي، تمثل دليلاً واضحاً على حجم مشاركة المكون السنّي في العراق وإمكاناته، من حيث القدرة المالية وطبيعة علاقاته الدولية.
جمهور الكتل الكبيرة ومليشياتهم سيمثلون رهاناً صعباً وحساساً إلى درجة الخطورة من حصول مواجهات مسلحة في ما بينهم
تلك ربما فرشة عامة للقوى التقليدية التي تخوض وخاضت عملية الانتخابات البرلمانية في العراق منذ العام 2005 حتى 2018. الفرق الوحيد الذي أرادوا أن يكون فارقاً، وهو كما يبدو لمحللين عراقيين كثيرين، شكليا، ولا يمثل إلا بضعة أصوات، سرعان ما ستسحقها ماكنة الفساد المالي والإداري لنواب العراق وحكوماته. هذا الفرق هو ترشيح بعض ممن شاركوا في انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وأغلبهم تبرّأت منهم القوى المشاركة في هذه الانتفاضة، وقدّمت فيهم التضحيات، كما أن القدرات المالية لهؤلاء المرشّحين لتغطية نفقات الحملات الدعائية والتحرّك الجماهيري تكاد تكون معدومة. ومن هنا، كان من اللازم بمكان أن تتحرّك، بشكل مسبق، الكتل المشاركة في هذه الانتخابات، سواء كانت الكتل (أو القوى) شيعيةً أو سنيّةً أو كردية، لضمّهم إليها، وتقديم أفضل سبل الدعاية لهم واجهات تشكل إضافات تسويقية لهذه الكتل.
نعود إلى عنوان المقالة، وهو، بحسب المهتمين بدراسات المستقبلات، يعني رؤية الاحتمالات المتوقعة لهذا الأمر، بحسب معطيات كل احتمال ودعاماته، فالمشهد الأول الذي يراه بعضهم أن هذه الانتخابات ربما لن تحصل، وحججهم في هذا أن عراقيين كثيرين أعلنوا صراحةً عدم رغبتهم بالمشاركة فيها، كما دعت الحكومة العراقية من خلال المفوضية العليا للانتخابات ملايين العراقيين إلى مراجعة مراكز استلام البطاقات الانتخابية الإلكترونية، ثم عزّزوا هذه الدعوة بصرف عشرة الآف دينار لصاحب كل بطاقةٍ يتم استلامها.
المشهد الثاني أن تجري هذه الانتخابات، ولكن بنسب قليلة جداً، وربما أقل من سابقتها في 2018. وهذا يعني أن جمهور الكتل الكبيرة ومليشياتهم سيمثلون رهاناً صعباً وحساساً إلى درجة الخطورة من حصول مواجهات مسلحة في ما بينهم، خصوصا مع وجود السلاح المنفلت وضعف قدرة (وليس قوة) القوات الحكومية على التدخل لفضّ هذه الصدامات. ومن هنا ستولد حكومة من رحِم مجلسٍ للنواب، تكون قراراته بقوة سلاح الكتلة الكبرى، وبعيدة تماماً عن نبض الشارع العراقي وتطلعاته، ما يعني استمرار حالة الهيجان الشعبي، وما قد يفضي إلى مواجهاتٍ أشد وأقسى من التي حصلت عام 2019. ويقع ضمن هذا المشهد أيضاً تلاعب هذه الكتل بنتائج الانتخابات على هزالة نسبة المشاركين فيها، وهو ما سيفضي، بحسب من يعتقد، بهذا المشهد إلى حربٍ أهلية حتمية في العراق، إضافة إلى إعلان تشكيل أكثر من إقليم منها في الأنبار ونينوى وصلاح الدين والبصرة.
غياب شبه كامل لسلطة القانون عمن يمتلكون مقدّرات العراق ضمن العملية السياسية والنظام القائم بموجبها
المشهد الثالث، وهو ما تراهن عليه الكتل ذات التوجه غير المرتبط بأجندة خارجية، إيرانية حصوصا، يرى أن نسبة كبيرة من أبناء الشعب العراقي ستشارك في الانتخابات، وأن الغالبية الساحقة ستصوّت ضد الكتل التي تكرّر تسيدها المشهد السياسي والأمني، وأذاقت الشعب العراقي كل أنواع الإذلال والتجويع والقتل والتغييب القسري، ومارست كل أنواع الفساد وسرقة المال العام، من دون أن تقدّم أية خدمات أو بنى تحتية في التعليم والصحة والكهرباء والأمن والطرق وجميع مناحي الحياة الأخرى. كما أفسدوا شغف العراقيين بممارسة الديمقراطية (بحسب مفهوم الديمقراطية الذي روّجته قوات الاحتلال الأميركي البريطاني عام 2003)، من خلال تزييف نتائج الانتخابات وتزويرها علناً وليس ضمناً.
المشهد الأخير يرى أن حلاوة كرسي الحكم، وفي غياب شبه كامل لسلطة القانون عمن يمتلكون مقدّرات العراق ضمن العملية السياسية والنظام القائم بموجبها، ستشيع روحاً عدائية بين مكونات كل فريق على حدة، فمكوّنات سنّة العراق قد تنقلب على الناس الذين سينتخبونهم، والتحالف مع مكوّن وأكثر من مكونات البيت الشيعي الذي سيشهد تشرذماً أكبر، بسبب المشكلات والعقد الشخصية في ما بين قادة كتل، كالعلاقة العدائية بين المالكي ومقتدى الصدر، وحالة التهديد المعلن والمبطّن التي يعلنها هادي العامري باستمرار، ليس للطرف الآخر طائفياً، بل إلى الطرف عمّار الحكيم ومقتدى الصدر وسواهما، وهو ما سيُنتج حالة جديدة وغريبة بين مكونات هذه الكتل المستفيدة من الواقع السياسي الفاسد في العراق منذ عام 2003، لضمان استمرارها في المشهد السياسي في هذا البلد، بما يعنيه من تمتع بامتيازات وحصانات، وتأثير على حاضر العراق ومستقبله.
فارس خطاب
العربي الجديد