موسكو ترفض مقترحات أنقرة بشأن إدلب

موسكو ترفض مقترحات أنقرة بشأن إدلب

يتجه ملف الشمال الغربي من سورية إلى مزيد من التعقيد عقب فشل الجانبين الروسي والتركي في ردم هوّة الخلاف بينهما بشأنه، في القمة التي جمعت الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين أخيراً. وباتت كل السيناريوهات مطروحة على طاولة الصراع إثر هذا الفشل، بما فيها قيام النظام السوري، بدعم روسي، بعملية عسكرية واسعة النطاق.

روسيا طلبت سحب النقاط التركية من ريف إدلب الشرقي

ولم يمر يوم، على مدى أكثر من شهر، من دون قصف روسي أو من قبل قوات النظام على بلدات محافظة إدلب. واستهدف الطيران الروسي، أمس الخميس، حرش بلدة بسنقول قرب مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، فيما قصفت قوات النظام بقذائف المدفعية الثقيلة محيط بلدات وقرى منطف، والرويحة، والبارة، وكنصفرة، وسفوهن، وفليفل، وبليون في منطقة جبل الزاوية في الريف نفسه.

رجب طيب أردوغان/سياسة/الأناضول
أخبار
أردوغان: ثمة ضرورة لإظهار إرادة أقوى لإيجاد حل سياسي في سورية
وتحدثت مصادر تركية مطلعة على اللقاءات التركية الروسية، عن التصعيد الروسي المتواصل في منطقة خفض التصعيد بإدلب. وقالت، لـ”العربي الجديد”: “تشكل إدلب في الوقت الحالي العقدة الأصعب بين تركيا وروسيا، في ظل رفض موسكو للمقترحات التركية المتعلقة بتطبيق الاتفاقات بين البلدين، والقاضية بتشكيل المنطقة العازلة على الطريق الدولية أم 4، وتأمين الطريق تمهيداً لفتحها”. ولفتت إلى أن تركيا “اتخذت بعد قمة أردوغان وبوتين عدة إجراءات عسكرية ميدانية عملية، لم تكن محل قبول من الجانب الروسي حتى الآن، وهو ما يدفعها (موسكو) لمواصلة التصعيد بطريق وأساليب وتكتيكات مختلفة، والدفع بحشود من قبل النظام، تهديداً بعمل عسكري في المنطقة”.

وأضافت المصادر أن “روسيا لا تقبل بأي حلول ربما تشمل دمج الفصائل بهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، أو حلول لتوحيد القوى العسكرية في المنطقة، حيث تطالب موسكو، وبسقف عالٍ، بإيجاد حل للهيئة لا يشمل لها مكاناً في المنطقة بأي شكل من الأشكال، وهو ما يعني قتالها وحصول أزمة إنسانية في المنطقة. ولهذا تشكل إدلب عقدة ما بين ضغوط روسية من سقف عالٍ، وبدائل تركية غير مقبولة حتى الآن، وخلال ذلك لا تزال تركيا متمسكة بموقفها الميداني بالمنطقة، المدافع عنها وعدم التراجع”. وأشارت إلى أن “الوفود العسكرية التركية الروسية التقت عدة مرات في المناطق الحدودية بعد قمة أردوغان وبوتين، لكن جميع اللقاءات التي جرت لم تؤد حتى الآن لحصول أي تقدم في العقدة المتشكلة بإدلب، وهو ما دعا الزعيمين مجدداً للتباحث هاتفياً أمس الخميس، من أجل تذليل العقبات. ومن الواضح أن هناك توافقاً تركياً روسياً كبيراً في سورية، ولكن إدلب تشكل عقدة كبيرة، وخاصة لتركيا التي تعتبر الاستقرار في المنطقة بعداً أمنياً هاماً لها”.

ووفق تسريبات صحافية، فإن الجانب الروسي طلب من أنقرة سحب النقاط التركية من ريف إدلب الشرقي، الواقعة بين مدينتي إدلب، مركز المحافظة، وسراقب التي كانت قوات النظام سيطرت عليها بداية العام الماضي. ما يعني أن هذه القوات ربما تضع في خططها استعادة السيطرة على إدلب، وهي المدينة الكبرى التي تقع حالياً تحت سيطرة فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام”.

وتدل المعطيات على أن القوات التركية في محافظة إدلب باتت أمام خيارين، إما صد أي هجوم بري من قوات النظام، ما يعني نشوب حرب بالوكالة مع الروس، أو الاكتفاء بالمراقبة في حال حدوث عمليات عسكرية ما يعرضها ربما إلى الحصار كما حدث أواخر 2019 وبداية 2020، حيث حُوصرت العديد من النقاط، ما دفع الجيش التركي إلى سحب وحداته منها لاحقاً. كما أن تقدم قوات النظام في محافظة إدلب من دون رد تركي رادع يفقد أنقرة أغلب أوراقها في الصراع الدائر في سورية، خصوصاً أن الأتراك يبحثون عن ترتيبات سياسية وأمنية على طول الشمال السوري تراعي متطلبات الأمن القومي لبلادهم. وكان الجيش التركي نشر آلاف الجنود خلال العام الماضي في عشرات النقاط في عموم محافظة إدلب، وتحديداً في ريف إدلب الجنوبي، حيث لديه نقاط قريبة من خطوط التماس مع قوات النظام. وكان أدخل هذا العدد الكبير من الجنود إلى شمال غربي سورية لردع قوات النظام عن القيام بأي عمل عسكري في محافظة إدلب، التي تضم أكثر من 4 ملايين مدني، جلهم من النازحين.

هشام جوناي: أنقرة تعتبر وجودها العسكري بإدلب ورقة تفاوض

ورأى الباحث السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الجيش التركي في شمال غرب سورية في “وضع صعب”، مشيراً إلى أنه في حال قيام قوات النظام السوري بعملية عسكرية، بدعم من الجانب الروسي، فإن من شأن ذلك أن يزيد من تفاقم الأزمة. لكنه أكد، في المقابل، أن تركيا “ليست بصدد الانسحاب من إدلب”. ولفت إلى أن تركيا تنتظر حواراً شاملاً بين اللاعبين الرئيسيين في سورية لإيجاد حلول للمشاكل العالقة. وبيّن أن أنقرة “تراهن على وجودها العسكري في محافظة إدلب، وتعتبره ورقة تفاوض حول الوضع في منطقة شرقي نهر الفرات”. وأشار إلى أن أنقرة تعتبر أن إنشاء منطقة حكم ذاتي في شمال شرق سورية من قبل الأكراد يمس بأمنها القومي. وأعرب جوناي عن اعتقاده أن الجانب الروسي لن يدعم عملية واسعة النطاق في محافظة إدلب يمكن أن تؤدي إلى قطع علاقته بالجانب التركي، مضيفاً: موسكو تريد جر أنقرة إلى جانبها، لا سيما بعد تأزم العلاقة بين الأخيرة وواشنطن في الفترة الأخيرة.

وتشير مجريات الأوضاع في الشمال الغربي من سورية إلى أن النظام، بدعم روسي، يريد ريف إدلب الجنوبي، في خطوة أولى تليها مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، وربما يذهب أبعد من ذلك بالتقدم باتجاه مدينة إدلب نفسها التي كان خسرها في 2015. ومن الواضح أن النظام السوري يريد تسويات في إدلب شبيهة بالتسويات التي يمضي بها في محافظة درعا جنوب البلاد. لكن الجانب التركي، حتى الآن، حريص على بقاء قوات النظام بعيدة عن حدوده الجنوبية، وهو ما يفسر نشره آلاف الجنود في مختلف مناطق المحافظة، لذا من المرجح ألا يبقى الجيش التركي على الحياد في حال تقدم قوات النظام في عمق محافظة إدلب. كما أن ريف إدلب الجنوبي، وهو المسرح المتوقع للصدام القادم يضم نحو نصف مليون مدني سينزحون بالتأكيد للاحتماء بالحدود السورية التركية، ما سيؤدي لخلق أزمات إنسانية تحاول أنقرة تفاديها، لأنها الوحيدة التي تتحمل تبعات هذه الأزمات. ويدعم الجيش التركي فصائل المعارضة في عموم الشمال السوري، التي تضم عشرات آلاف المقاتلين المدربين القادرين على خوض مواجهات مع قوات النظام والمليشيات الإيرانية دفاعاً عن المناطق التي يسيطرون عليها.

العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في فصائل المعارضة في شمال غرب سورية، لا يعتقد بأن الأتراك “يمكن أن يكونوا في ورطة” لأن القوات الروسية وقوات النظام لن تقترب منهم في حال حصول أي عمل عسكري، ولنا فيما حصل في ريف حماة الشمالي عبرة، حيث بقيت الطرقات مفتوحة أمام الأتراك حتى خروجهم بأمان بالتوافق مع الروس. وحول توقعه لموقف القوات التركية في حال تقدم قوات النظام برياً، قال البكور، لـ”العربي الجديد”، إن الأتراك صرحوا ويصرحون بين الوقت والآخر بأنهم سيدافعون عن إدلب، ولن يسمحوا للنظام بالتقدم عن الخطوط الحالية، لكن لا يمكن التأكد من مصداقية هذه التصريحات إلا بعد بدء العمليات العسكرية. وأعرب عن اعتقاده بأن النظام لن يجرؤ على بدء عملية عسكرية إذا كان متأكداً من أن الجيش التركي سيتصدى لقواته. أما إذا كانت لديه تطمينات روسية بأن الأتراك سيبقون على الحياد فيمكن أن يقوم بعملية عسكرية، بدعم روسي، مع تفادي الاصطدام بالأتراك.

العربي الجديد