ينتمي الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله (مواليد 1960) ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع (مواليد 1952) إلى بيئتين متشابهتين. عاشا في أحزمة البؤس حول العاصمة اللبنانية بيروت في خمسينيات القرن الماضي وستينياته: نصرالله في حيّ برج حمود وجعجع في عين الرمانة. الرجلان متحدران من الأرياف: جعجع من مدينة بشرّي في القضاء الذي يحمل اسمها، شمالي لبنان، ونصرالله من بلدة البازورية، في قضاء صور، جنوبي لبنان. الرجلان شاركا في الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990). كان جعجع عنصراً في حزب الكتائب بالأساس، قبل اتّحاد الأجنحة العسكرية للمليشيات المسيحية تحت راية القوات اللبنانية في الحرب. أما نصرالله فقد كان عنصراً في حركة أمل، قبل الانقلاب الداخلي الذي أدّى إلى تأسيس حزب الله في 1982.
كان نجم جعجع أكثر ضوضاء بكثير في الحرب، بعد حسم القتال الداخلي في القوات لمصلحته في عام 1986. في المقابل، خلف نصرالله عباس الموسوي بعد اغتياله على يد الإسرائيليين، في عام 1992. يبدأ التشابه في مسألة قيادة الحزبين. لم يكن الرجلان يتوقعان أنهما سيصلان إلى ما وصلا إليه. ينتمي جعجع إلى إحدى العائلات المصنّفة من “المزارعين” في بشرّي، في مجتمعٍ مبنيٍ على إقطاعية: الكنيسة ـ المقدّمين (أصحاب الأملاك) ـ المزارعين. وسبقه في قيادة القوات أفرادٌ ينتمون إلى عائلات سياسية أو ثرية، بدءاً من المؤسّس بشير الجميل، ثم فادي إفرام، ففؤاد أبو ناضر. ولا يختلف نصرالله عن جعجع هنا، فعائلته أيضاً ليست من الأكبر في بلدته، كما أن قيادته حزب الله، بعد صبحي الطفيلي وعباس الموسوي، المتحدّران من عائلتين مشهورتين في لبنان، كسرت مسار العائلات الكبرى أو ذات النفوذ في قيادة الحزب.
يفترض هنا، وفقاً لهذه الخلفية المشتركة، أن يكون نصرالله وجعجع أكثر قرباً من الطبقة الفقيرة في البلد، أو بشكلٍ أوضح من الشوارع. معاناتهما مع الفقر في طفولتهما، ثم صراعهما الداخلي الدفين، أمام العائلة والبلدة والمجتمع الأكبر، كرّس نمطيةً تقليديةً حول مشهد شخصٍ يسعى إلى كسر سلسلة من التقاليد البالية التي تمنعه من التقدّم والتطوّر وفقاً لكفاءة ما، في ظلّ اقتصار النجاح على نفوذ عائلاتٍ محدّدة أو الأثرياء. جعجع ونصرالله حطّما أصنامهما. لم تعد بشرّي تذكر عائلاتها التاريخية من دون تمرير عبارة “شو بدّو الحكيم (لقب جعجع) بيصير”. ولم تعد البازورية ملاذ عائلات محدّدة، بل أصبحت “بلدة السيد حسن”.
لم يقتصر نفوذ الرجلين عند هذا الحدّ، بل اتّسع ليطاول المسيحيين والشيعة، وليُصبح تأثيرهما هائلا في السياسة اللبنانية. وتحوّلت الطائفتان، في لحظةٍ ما، من الخضوع لإقطاعيات سياسية وعائلية ومالية، إلى رفع فلاح على رأسها، واعتباره “منقذا” لها. لم يأتِ انقلاب معايير الزعامة الطائفية عن عبث أو عبر صناديق الاقتراع. الحرب والسلاح هما من صنعا زعامة نصرالله وجعجع، وهي الزعامة التي تعتبر من تُصنّف نفسها بالأقليات الطائفية في الشرق الأوسط، أنها الأكثر أماناً لها في منطقة لا تهدأ.
لا يظنن أحدٌ أن ما حصل في لبنان في الأيام العشرة الماضية سيُنقص من نفوذ نصرالله وجعجع، بل على العكس، بات الوضع الاجتماعي الحالي في لبنان دافعاً لتعزيز زعامتيهما. ومع استمرار التدهور الاقتصادي، لن يشعر أي إنسان بالأمان سوى في ظلال طائفته. وفي لبنان، حين يُرفع العلم الطائفي بموازاة الفقر والجوع وانعدام الأمان، فإن أي كلمةٍ من نوع “دولة مدنية” ستُصبح غريبة عن المألوف.
جعجع ونصرالله يشبهان بعضهما كثيراً. يستعينان بالأقوال الدينية في الإنجيل والقرآن. وحين يخاطبان بعضهما، بصورةٍ غير مباشرة، يظهران وكأنهما يتوجّهان بالكلام إلى ذواتهما في المرآة. ضعوا جانباً كل الأحكام المسبقة من الطرفين، وانصتوا إليهما بتمعّن، ستجدون أن ابن بشرّي لا يختلف عن ابن البازورية، سوى في الانتماء الديني فقط.
العربي الجديد