خيارات النظام الإيراني تتأرجح بين الملف النووي وتصاعد الأزمة الاقتصادية

خيارات النظام الإيراني تتأرجح بين الملف النووي وتصاعد الأزمة الاقتصادية

يثير التلكؤ الإيراني في العودة إلى مباحثات فيينا النووية تساؤلات بشأن خيارات طهران في مواجهة الضغوط الدولية التي أفرزت أزمة اقتصادية خانقة يرزح تحت وطأتها الإيرانيون.

ويقول المسؤولون الإيرانيون إن طهران سوف تعود إلى مباحثات فيينا مطلع الشهر المقبل إلا أنهم وضعوا شرطا يطلب من الولايات المتحدة أن تتقدم بمبادرة للتعبير عن حسن النية.

ولئن رفضت الولايات المتحدة أن تقدم أي تعهدات لإيران وطالبتها بالعودة إلى التزاماتها في الاتفاق النووي، فإن أجواء التلكؤ عادت لتسيطر على المشهد، مما أثار تساؤلات المراقبين حول ما إذا كانت إيران تريد العودة بالفعل إلى مباحثات فيينا. وإذا كانت تحاول كسب الوقت، فمن أجل ماذا؟ وهل تراهن إيران على تحمل استمرار العقوبات من أجل تطوير قدرات نووية عسكرية؟ وما الذي يقف وراء المماطلة والتردد؟

وقال مسؤولون في المعارضة الإيرانية في تصريحات لـ”العرب” إن حالة الجمود التي اعترف بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان تعود إلى أن “النظام غير قادر على الذهاب إلى طاولة المفاوضات وقبول شروط الجانب الآخر، كما أنه غير قادر على الوقوف في وجه المجتمع الدولي وتحمل عواقب عقوبات إضافية مدمرة”. ولذلك يحاول عن طريق تبني سياسة “ضربة على الحافر وضربة على المسمار كسب تنازلات عبر التسويف وإضاعة الوقت وإرهاق الجانب الآخر على أمل الحفاظ على ما لديه من المرافق النووية، بينما يحاول في نفس الوقت رفع العقوبات أو إرخاء حبلها على الأقل قدر الإمكان”.

وأصبح من غير المقبول بالنسبة إلى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أن تستمر المماطلة الإيرانية بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على تولي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لمنصبه مطلع أغسطس الماضي. وعاد الحديث حول إمكانية اللجوء إلى “خيارات أخرى”.

إبراهيم رئيسي: حكومتي لن تربط موائد الناس والسوق بمفاوضات النووي

وقال جوزيب بوريل مسؤول الخارجية الأوروبية خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن إن “الحكومة الإيرانية الجديدة كان لديها الوقت الكافي لدراسة القضية وتدريب فريقها المفاوض”.

وطالب عبداللهيان بدفع 10 مليارات دولار خلال رحلته إلى نيويورك، إلا أن رفض الولايات المتحدة دفعه إلى القول إن بلاده مستعدة للتفاوض لكن يجب على الولايات المتحدة أولاً رفع جميع العقوبات.

ويقول خبراء ومحللو النظام الإيراني أنفسهم إن هذا الطلب غير معقول وغير عملي لأن رفع جميع العقوبات لا يقع ضمن سلطة الرئيس الأميركي.

وجعلت التعديلات التي أدخلت على مشروع قانون ميزانية الدفاع الأميركية الجديد تقديم أي تنازلات مالية للنظام الإيراني أمرا مشروطا بموافقة الكونغرس، وهي إشارة تحدُّ من قدرة الإدارة الأميركية على تقديم تسهيلات مجانية لإيران.

ويقول بعض المراقبين إن النظام قلل من وراء الكواليس من مطالبه بشأن إخراج “الحرس الثوري الإيراني” من قائمة المنظمات الإرهابية، إلا أن الرد الأميركي تمسك بأن ترفع واشنطن العقوبات المتعلقة بالاتفاق النووي مقابل عودة طهران إلى الاتفاق.

ويعني ذلك أن تتخلى إيران عن كل ما قامت به من خروقات، وأن تقوم بتسليم كل ما لديها من يورانيوم مخصب تزيد نسبة تخصيبه عن 3.6 في المئة التي أقرها الاتفاق النووي، وتدمير أو تسليم أجهزة الطرد المركزي غير المسموح باستخدامها، فضلا عن الموافقة على إجراءات رقابة أشد على منشآتها النووية، وذلك في مقابل رفع تدريجي للعقوبات.

ويقول مسؤولو المعارضة الإيرانية إن السلطات الإيرانية تواجه مأزقا من جهتين، الأول هو أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد بلغت مستوى كارثيا من التدهور، وليس بوسعها أن تتحمل المزيد من الضغوط والعقوبات. والثاني أن سلطة رئيسي التي سبق وأن اعتبرت نتائج الجولة السادسة من مفاوضات فيينا “خيانة” تستوجب المحاكمات للفريق التفاوضي الذي قاده الرئيس السابق حسن روحاني، تبحث عن سبيل للحصول على مكسب ولو طفيف من أجل القول إنها حققت إنجازا أفضل.

ومع بلوغ الأوضاع الاقتصادية حدا يمكن أن يدفع إلى انفجار تظاهرات احتجاجية جديدة، فقد وجد رئيسي نفسه مضطرا إلى القول في مقابلة تلفزيونية إن حكومته “ستواصل عمل اقتصاد المقاومة ولن تربط موائد الناس والسوق وخبز الشعب بالمفاوضات حول الاتفاق النووي”.

أما “اقتصاد المقاومة” فقد بدأ بإلغاء الإعانة النقدية الصغيرة للعائلات الفقيرة، وبتحصيل ضرائب جديدة على الرواتب تحت عنوان “ضريبة التضخم” وإلغاء العملة المفضلة البالغة 4200 تومان والتي من المتوقع أن ترفع سعر السلع الأساسية بنسبة 100 في المئة.

ويضيف مسؤولو المعارضة “إن النظام في طهران يواجه نوعين من السيناريوهات. الأول هو قلب طاولة المفاوضات لكي يحتفظ بقدرته على التهديد. ويتعين عليه في هذه الحال أن يقبل النتائج، وهي استمرار الضغط وزيادة العقوبات وإحالة القضية إلى مجلس الأمن”.

والسيناريو الثاني هو الامتثال لمطالب الطرف الآخر لمعالجة الاختناق الاقتصادي، إلا أن النظام في إيران يريد في الوقت نفسه أن يظهر بمظهر من استطاع أن يحصل على تنازلات.

والترجيحات تذهب إلى أن إيران سوف تعود إلى مفاوضات فيينا وتحاول إجراء تعديلات ولو طفيفة على جدول العودة المتزامنة. إلا أن ذلك سيكون بمثابة قبول جديد من المرشد الأعلى علي خامنئي بشرب “كأس السم” الذي تجرعه المرشد السابق الخميني للقبول بوقف الحرب مع العراق في العام 1988.

صحيفة العرب