تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن إعطاء دفع كبير لتعزيز الديموقراطية في أنحاء العالم. لكن منذ توليه منصبه، واجهت الديموقراطية نكسات متكررة.
من بين ثلاث دول كانت تحولاتها الديموقراطية ملهمة، شهدت ميانمار والسودان عودة العسكريين إلى السلطة وإقالة القادة المدنيين وقمع الاحتجاجات في الشوارع، بينما في تونس، التي كانت مهد “الربيع العربي”، وسّع الرئيس سلطاته.
كذلك، استولت المجموعات العسكرية على السلطات في غينيا ومالي وتشاد، بينما في أفغانستان، سيطرت حركة طالبان على البلاد بعد انسحاب القوات الأمريكية الذي أدى إلى انهيار سريع للحكومة المدعومة من الغرب.
وفي حين أن عوامل محلية تؤدي دورا في كل بلد، يرى خبراء توجهات مشتركة بما فيها انعدام الأمن الاقتصادي الذي تفاقم بسبب كوفيد-19 وتغير المناخ، ونخب حاكمة فشلت في تلبية التطلعات والدور المتنامي للصين التي يمكن أن تدعم الدول المنبوذة من الغرب.
وقال ديريك ميتشل، أول سفير للولايات المتحدة لدى ميانمار بعد تحولها الديموقراطي قبل عقد “هناك زيادة في الهجمات على الديموقراطية في كل أنحاء العالم، وليس في المطالبة بالديموقراطية”.
وأوضح ميتشل، وهو رئيس المعهد الديموقراطي الوطني الذي يروج للديموقراطية في كل أنحاء العالم “إنها مسألة عقليات قديمة متعنتة خصوصا في السلك العسكري حيث لا يتخلى الناس عن السلطة والامتيازات بسهولة”.
– “حل سحري” –
وفاء بوعده الانتخابي، أعلن بايدن قمة للديموقراطيات تبدأ في كانون الأول/ديسمبر.
وتتناقض مواقف الرئيس الأمريكي بشكل كبير مع تلك التي تبنّاها سلفه دونالد ترامب الذي تودد علنا لقادة استبداديين.
وباستثناء حالة أفغانستان حيث كان قرار بايدن بإنهاء الحرب الأمريكية التي استمرت عقدين محل جدل حاد، فإن القليل من الناس يربطون النكسات التي تواجهها الديموقراطية بالرئيس الأمريكي الحالي.
وقالت فرانسيس ز. براون التي عملت على دعم الديموقراطيات في البيت الأبيض خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما “تستغرق الديموقراطية عقودا لتترسّخ وسنوات لتتآكل. لذلك أعتقد أنه لا يمكن لأي حكومة فعل الكثير في الأشهر التسعة الأولى”.
واتّخذ بايدن موقفا حاسما عبر مسارعته في الرد على الانقلابين في ميانمار والسودان بما في ذلك تعليق المساعدات، كما أضافت براون الباحثة لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
وتابعت “يظهر (بايدن) أن الولايات المتحدة تراقب وأنها مهتمة. لا يوجد حل سحري لكن أعتقد أن كل ذلك لديه أهمية”.
كذلك، ابتعد بايدن عن حلفاء ترامب بحيث علق بعض الدعم العسكري للسعودية وجعل جزءا من المساعدات الأمريكية لمصر منوطة بالتقدم في مجال حقوق الإنسان، رغم أن الناشطين يقولون إنه يجب أن يذهب أبعد من ذلك.
وقال سكوت وارن من معهد أغورا في جامعة جونز هوبكنز، إن دعوة بايدن إلى القادة لحضور قمة، غير كافية، ويجب أن يعطي الأولوية للمجتمع المدني والشباب.
وأضاف “أحيانا، قد تكون استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الديموقراطيات قائمة على ردود الأفعال بدرجة كبيرة. أعتقد أن وجود استراتيجية أكثر استباقية (تحدد) الشروط التي ستكون مطلوبة على المدى الطويل، أمر مهم فعلا”.
وأقر الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس بوجود “نكسات في بعض البلدان” في ما يتعلق بالديموقراطية لكنه أضاف “سنواصل قيادة هذا الكفاح”.
– “صدمة للنظام” –
صنف مؤشر “ذي إيكونوميست للديموقراطية” وضع الديموقراطية العالمية في العام 2020 عند أدنى مستوياتها منذ بدء الاستطلاع في العام 2006، ليس بسبب الانقلابات فحسب بل أيضا بسبب صعود شعبويين يمينيين في بلدان ديموقراطية.
وقال جوناثان باول، الخبير في العلاقات المدنية العسكرية في جامعة “سنترال فلوريدا”، إن الضربة الاقتصادية التي تسبب بها كوفيد-19 عجلت في تدهور الديموقراطية.
وأوضح “عندما تكون هناك بلدان تحاول الحفاظ على توازن هش بين الاستبداد وشكل من أشكال الديموقراطية، أي صدمة للنظام قد يكون لها تأثير خطير”.
وهناك عامل آخر محتمل هو ظهور الصين كقوة قادرة على دعم الأنظمة التي يهملها الغرب.
واستدرك باول قائلا “ليس بالحجم الذي كنا سنشهده خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، لكنها ديناميكية مماثلة بحيث إذا قطع أحد الجانبين المساعدة العسكرية أو الاقتصادية، سيكون هناك إمكان للذهاب إلى الجانب الآخر”.
وأقر ميتشل بعامل بكين لكنه وصفه بأنه مبالغ فيه، قائلا إن القادة الصينيين تصرفوا بشكل انتهازي.
لكنه قال إن الولايات المتحدة، باستقطابها المكثف والعنف الذي حصل في 6 كانون الثاني/يناير عندما هاجم أنصار ترامب مقر الكابيتول، لم تعد تقدم النموذج القوي نفسه.
وأضاف ميتشل “من المؤكد أن أولئك الذين يناضلون من أجل حقوقهم الديموقراطية لن يستسلموا لمجرد أن الولايات المتحدة ليست على مستوى المهمة”.
وختم “لكن سيكون من الأفضل للولايات المتحدة أن تثبت كيف تعمل الديموقراطية”.
(أ ف ب)