تشي الأنباء بشأن انسحاب الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري بشار الأسد، من محافظة درعا، جنوبي البلاد، بمعطيات عن دور روسي لتطبيق تفاهمات دولية جرى الحديث عنها، تتعلق بمزيد من الضغوط لإبعاد المليشيات الإيرانية عن الجنوب السوري، أو القوات المحسوبة على طهران في جيش النظام. فمنذ التدخّل الروسي في البلاد، هيمنت إيران على قرار الفرقة الرابعة بحكم تقرب ماهر الأسد منها، وذلك في محاولة لخلق توازن مع الهيمنة الروسية على قطعات من الجيش، وإنشاء مليشيات أكثر تنظيماً من تلك التي تدعمها طهران أو زجتها إلى جانب النظام في الحرب. وتعد هذه الفرقة من أكبر الكيانات العسكرية في جيش النظام التي تدعمها إيران وتهيمن بالمطلق على قراراتها. وكانت الأيادي الدولية واضحة الحضور في اتفاق التسوية حيال درعا، والذي أنهى التوتر بين النظام والمعارضة قبل أشهر، وذلك بعد ضمانات روسية بتطبيق الاتفاق، والذي يشار إليه على أنه حظي بمباركة غربية وإسرائيلية لتعهد روسيا بالضغط على النظام والإيرانيين لإبعاد المليشيات المرتبطة بطهران عن الجنوب السوري، ولا سيما عند الحدود مع الأراضي المحتلة في الجولان والقنيطرة.
يوسف المصلح: روسيا معنية بتطبيق تفاهمات التسوية حول درعا ومحيطها
وأشارت مصادر، لـ”العربي الجديد”، إلى أن الفرقة الرابعة استكملت انسحابها من محافظة درعا، في ما يُعتقد أنه نتيجة لتفاهمات إقليمية مع روسيا لتقليص نفوذ إيران في الجنوب السوري، مؤكدة أن الفرقة بدأت الانسحاب منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
مصادر محلية أخرى في درعا أوضحت أن الفرقة الرابعة انسحبت، أمس الأول الخميس، من مواقعها في معمل الكونسروة وأبنية الري والمعهد الزراعي والجامعات، التي تمركزت فيها منذ فبراير/ شباط الماضي، ما يعني أن الفرقة استكملت تقريباً انسحابها من المحافظة، باستثناء عناصر الفوج 666 التابع للفرقة، الذي يغطي المنطقة الغربية من المحافظة، ويتخذ من منطقة الضاحية، التي تبعد خمسة كيلومترات عن مركز محافظة درعا، مقراً له، حيث معظم عناصر الفوج هم من أفراد التسويات الذين عملوا مع فصائل المعارضة، والذين يرفض معظمهم مغادرة المحافظة.
ورأى ناشطون أن انسحاب الفرقة الرابعة من درعا هو على الأرجح نتيجة تفاهمات خارجية، لكونها محسوبة على إيران، لذلك كان القرار بإبعادها عن الحدود المشتركة بين سورية والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة.
تقارير عربية
النظام السوري يسلم درعا للأفرع الأمنية… وعينه على السويداء
وشهدت محافظة درعا أخيراً تحركات وإعادة انتشار لقوات النظام وأجهزته الأمنية، حيث تقاسمت فروع الأمن المسؤولية في المحافظة. وكان الريف الغربي من نصيب فرع الأمن العسكري، والريف الشرقي للمخابرات الجوية، والريف الشمالي لأمن الدولة، بينما سيطر الأمن السياسي على معبر نصيب الحدودي مع الأردن. وإضافة إلى الأجهزة الأمنية، يستعين النظام في المحافظة بعدد من الفرق العسكرية التابعة لجيشه، مثل الفرقة الخامسة والفرقة التاسعة والفرقة 15 لفرض نفوذه في المحافظة.
ورأى الناشط الإعلامي يوسف المصلح، في حديث مع “العربي الجديد”، أن روسيا معنية بتطبيق تفاهمات التسوية حول درعا ومحيطها، وفي مقدمتها إنهاء أو تقليص الوجود الإيراني في الجنوب وفي درعا بطبيعة الحال. وأضاف: “نجد أن الأمن العسكري حل مكان الفرقة الرابعة في الريف الغربي لدرعا. وأعتقد أن منطقة حوض اليرموك بكاملها ستفرغ من الوجود الإيراني، أولاً لتثبيت التفاهمات الدولية، ومن ثم لإيقاف نشاط تهريب المخدرات من هذه المناطق وعلى حدود الأردن، وهو نشاط تشرف عليه مليشيات إيران والقوات المقربة منها في قوات النظام”.
وأشار المصلح، الذي ينشط في تغطية أخبار محافظة درعا من خلال عمله في “تجمع أحرار حوران”، إلى أن الوجود الإيراني من خلال المليشيات لا يزال حاضراً في درعا، لكن المليشيات لا تظهر نفسها وتتخفى أحياناً بين قوات النظام، وأن وجودها على الأغلب يكون في الريف الشمالي، لا سيما في مناطق جباب والمحجة وعلى حواف الأوتوستراد الدولي درعا – دمشق، وبشكل كثيف عند ما يعرف بـ”مثلث الموت”، وهو منطقة تلاقي الحدود الإدارية لكل من دمشق ودرعا والقنيطرة، بالإضافة إلى عدة مناطق في القنيطرة ومناطق حدودية مع الجولان المحتل.
سليمان القرفان: انسحاب الفرقة الرابعة جاء بعد إفراغ المنطقة من الشباب
وقبل عشرة أيام أخلت قوات النظام بعض مواقعها في ريف درعا الشمالي استكمالاً لاتفاق التسوية، فيما يعتقد أن من بين القوات التي تم إخلاؤها مليشيات مرتبطة بإيران، تتخفى بين قوات النظام.
من جهته، أشار القاضي سليمان القرفان، عضو اللجنة الدستورية عن قائمة المجتمع المدني، وأحد وجوه المعارضة في محافظة درعا، إلى أن “هناك مؤشرات إلى انسحاب الفرقة الرابعة الموالية لإيران من مناطق درعا، وقد انسحبت بالفعل من أغلب مناطق وقرى ريف درعا، ولكن ذلك جاء بعد إفراغ المنطقة من الشباب، إذ قامت الأجهزة الحكومية بتسهيل مغادرة الشباب من محافظة درعا”. وأضاف القرفان، في حديث مع “العربي الجديد”: “شهدت المنطقة موجات هجرة كبيرة باتجاه ليبيا وبيلاروسيا والإمارات وأربيل ومناطق الشمال السوري”. ورأى القرفان أن “انسحاب المليشيات الموالية لإيران جاء بتنسيق روسي، لإيصال رسالة لدول الجوار بأن روسيا التزمت بتعهداتها السابقة بإبعاد إيران عن الجنوب. ولكن في الحقيقة فإن ذلك لم يتم إلا بعدما ضمنت الأجهزة الأمنية وقوات الجيش أن درعا لم تعد تشكّل خطراً عليها، ولن تكون هناك أصوات تطالب بالحرية والانتقال السياسي للسلطة من جديد، إذ إن من يحملون أفكاراً بالتغيير تم تهجيرهم خارج البلاد”. لكنه استبعد أن تمتثل إيران للضغوط الروسية والدولية بالابتعاد عن الجنوب، إذ تستخدم ورقة وجود مليشياتها هناك خصوصاً، وعلى كافة الجغرافيا السورية عموماً، لتحصيل مكاسب دولية في عدة ملفات، إقليمية ودولية، ومنها العودة إلى الاتفاق النووي، الذي فتحته الإدارة الأميركية الحالية برئاسة جو بايدن، بعد أن كانت أغلقته إدارة دونالد ترامب.
العربي الجديد