أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل، أمس الجمعة، أنها شرعت في استصدار قانون من البرلمان يصنف «حماس» منظمة إرهابية ويحظرها في المملكة المتحدة، وبررت باتيل الأمر بكون حكومتها «ملتزمة بالتصدي للتطرف والإرهاب» ولأن «حماس» «لديها إمكانيات إرهابية كبيرة تشمل إمكانية الوصول إلى أسلحة واسعة النطاق ومتطورة». وكانت باتيل قد أعلنت، يوم الخميس، من واشنطن، إن الحركة الفلسطينية سيتم حظرها وتصنيفها إرهابية «في إطار المساعي لمواجهة معاداة السامية».
تنضم بريطانيا، بهذا القرار، إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والاتحاد الأوروبي، غير أن للقرار البريطاني، الذي لقي إشادة سريعة من رئيس الحكومة ووزير الخارجية الإسرائيليين، يمكن أن يساعد في فهم السياسة الخارجية للندن، ونظرائها الأمريكيين والكنديين والأوروبيين، والعناصر المؤثرة في تلك السياسة، والتناقضات التي تحيط بها.
مهم، بداية، أن نلاحظ السياق الذي صدر فيه قرار الوزيرة، بدءا من كونها تعد أحد أشد الداعمين لإسرائيل ضمن المسؤولين البريطانيين، وواضح أن لموقفها هذا من إسرائيل دورا في استلامها هذا المنصب، إذا لاحظنا أنها أجبرت عام 2017 على الاستقالة من حكومة تيريزا ماي، المحافظة أيضا، بعد أن تبين أنها أجرت اجتماعات سرية مع الحكومة الإسرائيلية وناقشت منح أموال مساعدات خارجية بريطانيا للجيش الإسرائيلي، وهي المساعدات التي عادة ما تذهب لدول فقيرة، وليس لجيش له تاريخ طويل من الاتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد المدنيين.
غير أن تطرّف باتيل ضد «حماس» وحماسها لدعم الجيش الإسرائيلي، ليس إلا طرف الخيط في التفاعل بين تيار «المحافظين» البريطانيين وإسرائيل، فالقرار هو تبيان لهذه العلاقة التي يكافأ فيها المتعصّبون لإسرائيل داخل «المحافظين» ويجد فيها اللوبي الصهيوني في بريطانيا صدى إيجابيا لنشاطاته.
تشير وقائع عديدة إلى وجود اختراق ملحوظ للمناصرين لإسرائيل لمجمل التيارات السياسية البريطانية، وقد تمكّن هؤلاء من إحداث انقلاب كبير ضمن حزب «العمال» أيضا، أدى إلى إزاحة جيرمي كوربين، زعيم الحزب، وتنصيب كير ستارمر، الذي عمل بقوة، حسب قول الصحافي البريطاني جوناثان كوك، على لجم تيار اليسار في الحزب وعزل المناصرين للقضية الفلسطينية فيه، باستخدام الدعوى نفسها التي تستخدمها باتيل، أي «مكافحة معاداة السامية» كما حصل بعد مقالة لوزيرة التعليم في حكومة الظل العمالية، ريبيكا لونغ بيلي، بسبب نشرها مقالة انتقدت فيها عولمة الصناعة القمعية وربطتها بالعنصرية الأمريكية، والتي اعتبرت فيها أن «الأساليب التي استخدمتها الشرطة الأمريكية بالجثو على رقبة جورج فلويد تعلمها أفرادها من دروس قدمتها لهم الشرطة السرية الإسرائيلية».
لا يمكن فهم التناقض الذي يحمله رد فعل ستارمر، وجناحه اليميني في «حزب العمال» من دون ذكر المواقف السابقة التي كانت للحزب، والتي تم فيها تقييم «حماس» والقضية الفلسطينية عموما، بطرق إيجابية، ويدخل في ذلك قيام جيرمي كوربين بزيارة الأراضي الفلسطينية قبل نحو 10 سنوات التقى خلالها نوابا من الحركة، وكان حزب «العمال» معروفا بمواقفه الداعمة لفلسطين والمناهضة للاحتلال الإسرائيلي.
ما حصل أمس، هو عمليا، محصلة لتضافر جهود اللوبي الإسرائيلي مع أنصار إسرائيل في المؤسسات السياسية البريطانية، وعواقب هذا الأمر لن تقتصر على «حماس» فحسب، ولا حتى على الفلسطينيين، بل كذلك على مجمل ما يتعلق بالفضاء السياسي الذي تدور حوله معارك تشتبك فيها قضايا التحرر الوطني من الاحتلال، مع قضايا العنصرية و«معاداة السامية» في كل مكان.
من المفيد جدا، في السياق العالمي لهذه القضايا، أن نلاحظ كيف حصلت فلسطين، أمس، على انتصار كاسح في الأمم المتحدة، حين حصلت على أصوات 157 دولة صوتت لصالح قرار «السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وللسكان العرب في الجولان السوري المحتل، على مواردهم الطبيعية» فيما عارضت ذلك القرار 7 دول فقط، هي إسرائيل نفسها، وأمريكا، وكندا، وأربع دول صغيرة لا وزن سياسيا لها: ناورو، ميكرونيزيا، جزر مارشال، وبالاو!
الشرق الأوسط