في وقت تواصل السلطات الأوكرانية الموالية للغرب العمل على قطع كل الصلات مع روسيا وتعزيز العلاقات مع أوروبا، يطالب مسؤولون باستبدال الأسماء الجغرافية الروسية الأصل بأخرى أوكرانية، تنفيذاً لقانون “التنديد بالنظامين الشيوعي والنازي” الذي يحظر استخدام الرموز السوفييتية والترويج لها، ويستهدف تغيير أسماء كل الشوارع والمدن والبلدات التي تحمل أسماء شخصيات في الدولة السوفييتية البائدة.
وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اقترح المفوض الأوكراني لحماية لغة الدولة تاراس كريمين إعادة تسمية نحو 20 بلدة أوكرانية تحمل أسماء روسية.
ويعلّق الصحافي المتخصص في الشؤون الأوكرانية غليب بروستاكوف على المستجدات الخاصة بتطبيق قانون “التنديد بالنظامين الشيوعي والنازي”، بالقول لـ”العربي الجديد”: “رسمياً، يتم تغيير أسماء البلدات وفقاً لهذا القانون، لكن ما يحصل يندرج فعلياً ضمن منطق الابتعاد الثقافي عن روسيا بسبب الصراع الدائر مع أوكرانيا، وينفذ من دون أخذ رأي السكان المحليين في الاعتبار”.
النزاع الأوكراني – الروسي دمرّ بلدة مارينكا (أندريه أدريانكو/ Getty)
قضايا وناس
قانون “الشعوب الأصلية الأوكرانية” يلغي الروس
ويرى بروستاكوف أن “هذه المبادرات غير مبررة”، مشيراً إلى أن “لا خلفية تاريخية لغالبية الأسماء الجديدة التي تتعارض أيضاً مع مصالح سكان المدن. ومثال على ذلك، تغيير اسم مدينة كيروفوغراد، رغم أن استطلاعاً لرأي السكان المحليين أجري عام 2015، أظهر معارضة غالبيتهم المطلقة للإجراء، ما حتم إصدار البرلمان قرار إعادة التسمية، وليس المجتمع المحلي الذي قبل الأمر الواقع، قبل أن يصوّت لاحقاً على استعادة اسم يليسافيتغراد التاريخي”.
ويوضح أن “اسم يليسافيتغراد يخلو من أي صلة بالماضي السوفييتي، لكنه يرتبط بالماضي المشترك مع الإمبراطورية الروسية، ما جعله غير مقبول لدى النخب الحاكمة الحالية في أوكرانيا. وفي نهاية المطاف، أطلق اسم كروبيفنيتسكي على المدينة تكريما للكاتب المسرحي الأوكراني مارك كروبيفنيتسكي، وذلك رغم معارضة نسبة 80 في المائة من السكان”.
من جهته، يبرر الصحافي فيتالي بورتنيكوف عزم السلطات الأوكرانية تغيير الأسماء الجغرافية الروسية الأصل بعدم تناسبها مع الأيديولوجيا الحالية للدولة، ويقول لـ”العربي الجديد”: “ببساطة، يجري تغيير الأسماء الجغرافية التي لا تتناسب مع أيديولوجيا الدولة. وهناك أمثلة على ذلك في موسكو أيضاً، حيث جرى تغيير اسم شارع رئيسي حمل اسم الكاتب الروائي والمسرحي مكسيم غوركي الذي اشتهر بتوجهاته الاشتراكية إلى تفيرسكايا. وفي الحالة الأوكرانية، يندرج هذا التوجه في إطار قانون نزع الشيوعية”.
وكانت السلطات الأوكرانية أقرّت بعد سقوط الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش عام 2014، قانون “نزع الشيوعية” الذي سمح بتفكيك التماثيل وتغيير الأسماء الجغرافية المتعلقة بالحقبة السوفييتية.
الصورة
حملة في كييف للتنديد باعتقال روسيا سياسيين أوكرانيين (فلاديمير شتانكو/ الأناضول)
حملة في كييف للتنديد باعتقال روسيا سياسيين أوكرانيين (فلاديمير شتانكو/ الأناضول)
ومنذ ذلك الحين، استبدلت السلطات الأوكرانية أسماء أكثر من 900 بلدة ونحو 50 ألف شارع وميدان في إطار مواجهة الماضي الشيوعي. وكان أبرزها تغيير اسم مدينة دنيبروبيتروفسك إلى دنيبر، وكيروفوغراد إلى كروبيفنيتسكي، علماً أن القانون هدف إلى حذف أسماء 520 شخصية تاريخية من المواقع الجغرافية في البلاد.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أسقط مجهولون آخر تمثال لزعيم ثورة البلاشفة عام 1917 مؤسس الدولة السوفييتية فلاديمير لينين، في بلدة بمقاطعة أوديسا المطلة على البحر الأسود.
وفي عام 2019، تبنت كييف قانون اللغة الأوكرانية الذي يلزم بإجراء كل النشاطات الثقافية بلغة الدولة، ويحدد حصة البرامج باللغة الأوكرانية بنسبة 90 في المائة في التلفزيون. واستكمل حالياً تحويل كل أعمال قطاعات الإعلانات والخدمات والصحة والعلوم إلى اللغة الأوكرانية.
وفي منتصف العام الجاري، وقّع الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، على قانون “الشعوب الأصلية الأوكرانية” مع استثناء روس أوكرانيا، ما زاد مخاوف أبناء الجالية الروسية في أوكرانيا من استمرار تهميشهم.
ومنح القانون الشعوب الأصلية حق تقرير المصير داخل أوكرانيا، وتحديد وضعها السياسي في إطار الدستور والقوانين الأوكرانية، وتعزيز مؤسساتها الاجتماعية والثقافية، ومشاركتها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإنشاء مؤسسات تعليمية ووسائل إعلام خاصة بها. ولحظ أيضاً توفير كل متطلبات حماية الشعوب الأصلية من الإبادة الجماعية، أو أي عنف وإكراه جماعي. وباعتبار أن القانون يحدد الشعوب الأصلية بـ “تلك التي لا دولة لها”، سقطت تلقائياً حقوق الناطقين بالروسية، علماً أنه اهتم خصوصاً بشعوب شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا أحادياً إلى أراضيها عام 2014، وبينهم أولئك من أبناء عرقية تتار القرم الموالين لسلطة كييف وليس موسكو.
حرفي يعمل في متحف للتتار في بخشي سراي (سيرغي مالغافكو/ Getty)
قضايا وناس
تهميش للغتين التتارية والأوكرانية في القرم
وتثير الحملة المناهضة للغة الروسية استياء موسكو، وسط دعوات لمعاقبة القائمين عليها. ودعا نائب رئيس مجلس الدوما (البرلمان) الروسي، بوريس تشيرنيشوف، في وقت سابق من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلى أدراج أسماء كارهي اللغة والثقافة الروسيتين على “القوائم السوداء” ومنعهم من السفر إلى روسيا، وتوفير حماية قانونية للغة الروسية في الخارج.
العربي الجديد