تتباين آراء الخبراء والمراقبين، حيال جدية تل أبيب في تنفيذ تهديداتها المتكررة بشن هجوم على المنشآت النووية في إيران.
ففي حين يرى البعض أن إسرائيل جادة، وتستعد بالفعل لشن هجوم على طهران، ولكن كخيار أخير، يستبعد آخرون ذلك ويربطونه بالموافقة الأمريكية وبنتائج مباحثات فيينا الجارية، ويعتبرون أن إسرائيل تطلق هذه التهديدات كأسلوب ضغط لإجبار إيران على التخلي عن طموحاتها النووية.
والإثنين الماضي، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، أن تل أبيب “مستعدة لمواجهة طهران بمفردها في حال تطلب الأمر للقضاء على طموحاتها النووية”.
وقال لابيد، بحسب صحيفة “يديعوت أحرنوت”: “نفضل العمل في إطار تعاون دولي، ولكن إذا لزم الأمر فسنتصرف بمفردنا”.
وصدقت اللجنة المالية في “الكنيست” (البرلمان) الإسرائيلي، الجمعة الماضي، على ميزانية دفاع إضافية ذات بنود “سرية” بقيمة حوالي 9 مليارات شيكل (نحو 2.9 مليار دولار).
وقالت صحيفة “إسرائيل اليوم”، إن الخطوة تأتي وسط تقارير تفيد بأن إسرائيل “تعد خطط طوارئ للعمل عسكريا ضد إيران كملاذ أخير إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في تقليص برنامجها النووي”.
استعداد حقيقي
ويعتقد الكاتب المتخصص بالشأن الإسرائيلي سعيد زيداني، أن تل أبيب تستعد فعلا لشنّ حرب محتملة ضد إيران، “رغم أنها ترغب في أن تقوم الولايات المتحدة بذلك نيابة عنها”.
وقال زيداني: “رغم أن إسرائيل تقول وتصرح دائما أنها مستعدة للحرب ضد إيران، إلّا أنها تضع ذلك آخر خياراتها، فهي تفضل أن تقوم الولايات المتحدة بذلك نيابة عنها”.
واستبعد أن تنشب الحرب خلال العام المقبل، مضيفا: “هذا مرتبط بشكل مباشر بتطور القدرات النووية الإيرانية، وبمدى اقتراب طهران من صنع قنابل نووية، وهذا قد لا يحصل العام المقبل”.
وبحسب زيداني؛ فإن تقارير إعلامية تشير إلى أن طهران لم تتخذ بعد قرار إنجاز قنبلة ذرية، وهذا هو الخط الفاصل بين نشوب الحرب، وعدم اندلاعها.
وأعرب عن اعتقاده أن أي مواجهة محتملة بين تل أبيب وطهران “ستكون مكلفة للطرفين، فإسرائيل دولة نووية بالفعل، وإيران على وشك أن تصبح كذلك”.
وتابع: “علينا ألا ننسى أيضا أن إيران ليست وحدها في هذه المواجهة، هناك حزب الله (اللبناني) المتأهب لها، إسرائيل عليها أن تواجه عدة جبهات”.
واختتم زيداني بالقول: “حرب وخيمة العواقب ومكلفة جدا، ستكون هناك خسائر مادية وبشرية كبيرة، في حال حدوثها، لكن كما قلت سابقا، هذه الحرب محتملة الحدوث خلال السنوات القريبة المقبلة، لكن ليس العام المقبل”.
موافقة أمريكية
بدوره، رأى المحلل المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد، أن تل أبيب ترى الخيار العسكري “احتمالا واردا، لكن شريطة الموافقة الأمريكية”.
وقال شديد: “شن حرب على إيران، ليس قرارا إسرائيليا منفردا، بل مرتبط بالموافقة الأمريكية”.
واعتبر أنه من المستبعد جدا أن تقدم إسرائيل على خطوة فردية عسكرية ضد إيران.
وأضاف: “هناك 3 اعتبارات تحول دون ذهاب إسرائيل وحدها بالحرب، أولها صعوبة الحصول على الشرعية الدولية، وثانيا الجانب اللوجستي والتنفيذي، حيث إن المشروع النووي الإيراني يقوم على 4 آلاف موقع”.
والاعتبار الثالث والأخير، بحسب شديد؛ هو أن شن حملة عسكرية ضد إيران، سيعطيها الشرعية الدولية للدفاع عن نفسها، وتطوير السلاح النووي الخاص بها.
وفيما يتعلق بتصريحات مسؤولين إسرائيليين حول قدرة تل أبيب على مواجهة إيران بمفردها، يقول شديد: “إنهم يحاولون الإبقاء على معادلة الردع لصالح القوة الغربية بالمنطقة ليس أكثر، لكن على أرض الواقع، لا يمكن لإسرائيل مواجهة إيران وحلفائها بمفردها”.
وأردف أنه رغم اختلاف الحسابات الإسرائيلية عن حسابات واشنطن، فإن حكومة رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت، تراهن على إقناع الولايات المتحدة بالخيار العسكري.
وزاد: “واشنطن على يقين أنه في حال مشاركتها بضربة عسكرية ضد إيران، فإنّ قواعدها العسكرية في الخليج العربي، القريبة من إيران، ستكون أول أهداف طهران، وهذا ليس من مصلحتها”.
نقاش إسرائيلي داخلي
خلال الأيام الماضية، تطرقت وسائل إعلام إسرائيلية للقضية، على خلفية زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان لإسرائيل، مؤخرا، واستئناف مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي بين الدول العظمى وإيران.
والتقى سوليفان رئيس الحكومة الإسرائيلي الأربعاء الماضي (22 ديسمبر/ كانون الأول) وتركزت مباحثاتهما على الملف النووي الإيراني.
والإثنين الماضي، انطلقت الجولة الثامنة من مفاوضات فيينا بين الدول الكبرى وإيران، حول برنامجها النووي.
وقال الكاتب في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناداف أيال، إن “الأمريكيين مقتنعون بأنه إذا لم يتوصلوا إلى حل ما بشأن الاتفاق النووي الإيراني (خلال مفاوضات فيينا)، فإن الإسرائيليين سيشعرون أنهم أحرار بتشديد ردود فعلهم، لدرجة شن هجوم محتمل وجر المنطقة إلى حرب إقليمية”.
لكن أيال يرى أن “الإسرائيليين وجهوا رسالة بسيطة إلى سوليفان، مفادها: إذا لم يُجنّ الإيرانيون، فإن إسرائيل لن تسارع إلى عمليات حربية”.
وأضاف أيال، أنه عقب نشر “يديعوت أحرونوت” مقابلة مع قائد سلاح الجو المعين تومير بار، قال فيها إن إسرائيل جاهزة لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية فورا، طلب بينيت، ألا يكرر ضباط الجيش تصريحات ومقابلات كهذه خلال الفترة القريبة المقبلة.
وصرح بار، الأسبوع الماضي، أنه بإمكان سلاح الجو الإسرائيلي شن هجوم على إيران “صباح غد”، وتدمير المنشآت النووية.
وأكمل: “لا نبدأ الآن من الصفر، فقد تزودنا بطائرة إف-35، كما اشترينا آلاف الصواريخ الاعتراضية للقبة الحديدية من أجل حماية متعددة الطبقات”.
وعلى الجانب الآخر، أشارت تقارير إيرانية بداية الأسبوع الجاري، إلى أن طهران مستعدة هي الأخرى للرد على هجوم إسرائيلي محتمل ضدها.
والأحد، أفادت تقارير إخبارية إيرانية بأن القوة “الجو فضائية” التابعة للحرس الثوري نفذت محاكاة لهجوم على مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي.
ووفقا لتقرير نشرته وكالة “نور نيوز” الإيرانية، فقد جرت المحاكاة ضمن مناورات “الرسول الأعظم” التي انطلقت في إيران الأسبوع الماضي.
وتم في هذا التمرين استهداف النموذج المحاكي للمفاعل بـ16 صاروخا باليستيا وخمس طائرات مسيرة بنجاح ودقة عالية جدا، بحسب مقطع فيديو نشرته الوكالة.
من جانبه، يستبعد المحلل العسكري في القناة “13” العبرية ألون بن دافيد، في مقاله الأسبوعي في صحيفة “معاريف” شن حرب قريبة على إيران.
وقال إن “الجيش الإسرائيلي، وسلاح الجو و(المخابرات الخارجية) الموساد يبنون خيارا لشن هجوم ضد البرنامج النووي الإيراني، وهذه وظيفتهم”.
ولفت إلى أن “القيادة الإسرائيلية ستواصل تذكير العالم بأنه يوجد خيار كهذا، وهذه وظيفتها أيضا، لكن إخراج الأمور من سياقها وتصويرها كأننا سنحلق صباح غد إلى هجوم في إيران، هو صياغة محرري الأخبار، وهم يخطئون تجاه وظيفتهم”.
وتوقع أنه في حال التوصل إلى اتفاق في فيينا، فإن قيودا ستفرض على إسرائيل بمطلب أمريكي “بوقف العمليات ضد إيران والاستعدادات العلنية على الأقل”.
من جانبه، أشار المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل، إلى أن قادة إسرائيل “يُذهلون مجددا من نجاح إيران بالحفاظ على موقف متشدد في المفاوضات، ورغم الأزمة الإيرانية الداخلية غير المسبوقة، يبدو في إسرائيل أن إيران هي التي تحدد سير المفاوضات”.
القدس العربي