عندما خاض جو بايدن حملته الانتخابية الرئاسية عام 2020، كان يعلم أن الرئيس المقبل للولايات المتحدة سوف يحكم في ظل ظروف أشد صعوبة إلى حد كبير من تلك التي يواجهها أغلب الرؤساء.
وعندما أدى اليمين الدستورية في 2021، كان بوسعه أن يرى بوضوح شديد – من إحصاءالوفيات المرتبطة بفيروس كورونا، ومن الخراب الاقتصادي والاجتماعي للوباء، ومن الروح الحزبية الشرسة التي تتسم بها البلاد – الكمّ الهائل والصعوبة الكبيرة التي لا يمكن قياسها في العمل الذي ينتظره.
ولكنه بالتأكيد لم يتوقع ذلك قط.
لم يتوقع قط نشوب حرب في أوروبا. ولم يتوقع قط مواجهة مع فلاديمير بوتين بهذا القدر من الإلحاح وبأبعاد يتعذر التنبؤ بها. لم يكن يتوقع قط أن كم التحديات سوف يتراكم بهذا الحجم، وبهذه الطريقة المخيفة بصفة خاصة.
وقد ألقى خطاب حالة الاتحاد الأول، مساء الثلاثاء، كزعيم: قلة ممن شغلوا المقعد الحاسم في المكتب البيضاوي انتهى بهم الأمر إلى القراءة من أي شيء مثل السيناريو الذي تصوروه لأنفسهم أولاً، أو مما تصوره الآخرون لهم. يبدو وكأن التاريخ يسخر من خطط الحكام. أو البكاء أو العويل، مما يبدو أكثر ملاءمة الآن. وأياً كانت اللغة المستخدمة، فأنا لا أنظر إلى بايدن كي أتناول سمة شخصية واحدة مما سمّاه الصحافي جون ديكرسون «أصعب وظائف العالم»، عنوان كتابه الصادر في 2020، بل أنظر إلى شخص يتقلب في بوتقة التاريخ، يتعلم أو يعيد تعلم ما يجب أن يعرفه كل مرشح، وما يجب أن يأخذه كل ناخب في حساباته، وهو مدى سرعة الأحداث وكيفية إصدار الأحكام فجأة.
يصلح بايدن على أكثر من وجه لملاءمة الأحداث الجارية. من المفيد، في هذا المنعطف المخيف أن يكون الرئيس معتدل المزاج تماماً بمنظوره الواسع، الذي منع حتى الآن اتخاذ استجابة مبالغ فيها – وربما كارثية – رداً على خطط بوتين المثيرة.
من المفيد أن يكون هناك رئيس يحترم المؤسسات وحلف الناتو تحديداً. كان التحالف الغربي موحداً أكثر من بوتين أو أي شخص آخر راهن عليه، ويُنسب لبايدن بعض الفضل في ذلك. وكما أخبرني جون أفلون، مؤلف الكتاب الجديد «لينكولن والنضال من أجل السلام»: «يعكس هذا تجربته وبعض مواطن قوته المقصودة على الأقل».
لكن أفلون وافق على أن بايدن ينتمي إلى سلسلة طويلة من الرؤساء الذين ابتعدوا كثيراً عن النص. وقد ذكرني أفلون بأن الرئيس وودرو ويلسون قال ذات يوم: «من مفارقات القدر أن تضطر إدارتي للتعامل في المقام الأول مع الشؤون الخارجية». حسناً، لقد أصبح القدر ساخراً للغاية في صورة الحرب العالمية الأولى.
يقول أفلون، المحلل السياسي البارز والإعلامي لدى «سي إن إن»: «يتعلق الأمر على الدوام بالشؤون الخارجية، لأن الحملة الانتخابية تدور في الغالب حول الشؤون الداخلية». تساءل الرئيس جورج دبليو بوش، في أثناء سعيه إلى الفوز بالرئاسة عن «بناء الأمة» في البلدان الأجنبية، وبدا وكأنه انعزالي إلى حد ما في بعض الأحيان، كما أكد جوانب من سماته الشخصية التي تستكمل فصلاً مزدهراً ومسالماً نسبياً من الحياة الأميركية. ثم جاءت الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، واجتياح أفغانستان والعراق.
وجد الرئيس جيمي كارتر، الذي كانت جاذبيته بمثابة تصحيح أخلاقي إلى حد كبير في أعقاب فترة الرئيس ريتشارد نيكسون، نفسه أمام أزمة تضخم في الداخل وأزمة الرهائن الإيرانيين في الخارج.
نحن ننتخب الرؤساء، أو ينبغي أن ننتخبهم، ليس فقط للحظة الراهنة، بل لأي لحظة قادمة، لأن اللحظة تتغير في غمضة عين جراء الغرور المطلق.. وهذا ما حدث مع بايدن.
كتب بيتر بيكر في صحيفة «التايمز»: «لم يلقِ أي رئيس خطاب حالة الاتحاد في ظروف الحرب البرية العنيفة وواسعة النطاق التي اندلعت في أوروبا منذ عام 1945»، واصفاً لنا إلى أي مدى أصبح وضع بايدن غير عادي على نحو مفاجئ.
وفي «التايمز» أيضاً، كتب ديفيد سانغر يقول: «لم تكن أوروبا الشرقية ساحة المعركة التي كان بايدن يفكر فيها عندما أثار في العام الماضي فكرة مفادها أن معركة (الاستبداد في مواجهة الديمقراطية) سوف تكون المبدأ الذي يحدد السياسة الخارجية لإدارته». كلا، ما من شك أن مكائد دونالد ترمب، وليس بوتين، كانت في مقدمة الأذهان.
وقد أخبرني جون ديكرسون، مؤلف كتاب «أصعب الوظائف» وكبير المحللين السياسيين في شبكة «سي بي إس نيوز»، أنه عندما تولى بايدن منصبه، كانت أفغانستان و«محاولة توجيه تركيز الغرب – أي تركيزه – قبالة الصين» على رأس الأولويات. ولم تكن الحرب البرية في أوروبا ضمن هذه الأجندة.
ثم أضاف قائلاً: «بعد كل التخطيط الذي صاغه في حياته المهنية، وبناء التحالفات، والفريق الذي شكله، فإن ما يتضمنه نهجهم تجاه العالم أن الرئاسة تدهشكم بالأمور في كل الأوقات. إنها وظيفة المفاجآت».
– خدمة «نيويورك تايمز»