غزو الروس لأوكرانيا.. هل يشجع الصينيين على ضم تايوان؟

غزو الروس لأوكرانيا.. هل يشجع الصينيين على ضم تايوان؟

يراقب الصينيون بانتباه شديد ما يجري على الساحة بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، فيما تشعر تايوان بخطر من أن تقدم الصين على خطوة مماثلة لضم الجزيرة المستقلة.
وإذا كانت الأزمة الأوكرانية هي التهديد الأكبر على الأمن في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، فإن تأثير تلك الأزمة انعكس بشكل مباشر على أزمة تبدو متشابهة وهي أزمة تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، ولطالما قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن بكين ستعيد الجزيرة إلى السيادة الصينية بالقوة إن لزم الأمر.
وكانت الصين وتايوان انفصلتا خلال حرب أهلية في أربعينيات القرن الماضي، وتعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة وتحظى بدعم غربي أميركي، رغم أنه لا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول، إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك. ورغم أنه لا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
وخلال السنوات القليلة الماضية بدأت الصين تصعد لهجتها فيما يتعلق بتايوان وبدأت تجري تدريبات عسكرية وطلعات جوية مكثفة تخترق المجال الجوي للجزيرة واتخاذ خطوات عدوانية تجاه أي دولة تقيم علاقات من أي نوع مع تايوان.
وقبل أن تندلع الحرب في أوكرانيا بالفعل، أعلنت الحكومة التايوانية أنها تتابع عن كثب الموقف في المضيق الفاصل بينها وبين الصين، وتكثف استعدادها للرد على مجريات الأمور في أوكرانيا.
فقد أكد المكتب الرئاسي في تايوان، مع بداية الأزمة الأوكرانية، أن الجيش يواصل تعزيز عمليات الاستطلاع والمراقبة، مضيفاً “أن السلام والاستقرار الإقليمي مسؤولية مشتركة بين كل الأطراف”.
وذكر “أن كل الوحدات العسكرية مستمرة في متابعة الوضع في أوكرانيا والتحركات في مضيق تايوان عن كثب ومستمرة في تعزيز الاستطلاعات والمراقبة المشتركة وتزيد تدريجياً من مستوى الاستعداد القتالي رداً على العلامات والتهديدات المختلفة، وذلك للرد بفاعلية على المواقف المختلفة”.
وشكلت رئيسة تايوان تساي إنغ-وين مجموعة عمل ضمن مجلس الأمن القومي لتايوان لمتابعة الأزمة الأوكرانية، ورغم قول تساي إن هناك اختلافات جوهرية بين تايوان وأوكرانيا من حيث الجغرافيا السياسية والجغرافيا التقليدية، فإنها أضافت أنه “في مواجهة القوى الأجنبية التي تنوي استغلال الموقف في أوكرانيا والتأثير على معنويات المجتمع التايواني، لا بد أن تقوي جميع الوحدات الحكومية استعدادها لمنع حرب المفاهيم والمعلومات التي تنشرها القوى الأجنبية والمتواطئين معهم على الساحة المحلية”.
ومن جانبها، ردت الصين على تصريحات تساي عبر المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشون ينغ، التي قالت “إن المقارنات بين القضيتين الأوكرانية والتايوانية غير مناسبة”، وأشارت إلى أنه بعد ظهور الأزمة الأوكرانية، بدأ الكثيرون يذكرون تايوان باستمرار، مضيفة “لكن هؤلاء الناس يفتقرون حتى إلى الحد الأدنى من الفهم لقضية تايوان”.
وأكدت تشون أن قضية تايوان نشأت نتيجة للحرب الأهلية والمواجهة السياسية، لكن سيادة الدولة الصينية ووحدة أراضيها لم يتم تقسيمهما ولا يمكن تقسيمهما، وهذا هو الوضع الراهن لقضية تايوان.
“تايوان في الحقيقة ليست أوكرانيا، لقد كانت تايوان على الدوام جزءاً لا يتجزأ من أراضي الصين، وهذه حقيقة تاريخية وقانونية لا جدال فيها”. وأشارت هوا تشين ينغ إلى أن مبدأ “الصين الواحدة” هو معيار مقبول للعلاقات الدولية، وأن السلام في الجزيرة يعتمد على التطور السلمي للعلاقات بين بكين وتايبيه، وليس على استمالة تايوان لقوى خارجية على أمل بيع أسلحة أو تقديم الدعم العسكري. ولخصت بالقول “إن استقلال تايوان طريق لا يؤدي إلى أي مكان، ولا ينبغي أن يسيء أحد فهمه أو تقديره”.
ويبدو أن المقارنات بين أوكرانيا وتايوان لم تأتِ فقط على لسان المسؤولين في الجزيرة ذات الحكم الذاتي، إذ كان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون نفسه حذر الأسبوع الماضي، أثناء خطاب له أمام البرلمان، من أن فشل أوروبا في منع غزو روسيا لأوكرانيا سيشجع الصين على أن تفعل الأمر نفسه في تايوان.
كما أن تلك المقارنات بين أزمتي أوكرانيا وتايوان حاضرة بشكل لافت في التحليلات السياسية في الغرب والشرق على السواء، وازدادت وتيرتها مع دخول الأزمة الأوكرانية مراحلها الساخنة ومن ثم اشتعال الحرب بالفعل ودخول القوات الروسية إلى الأراضي الأوكرانية، دون أن يكون للتهديدات الغربية بفرض عقوبات اقتصادية أي تأثير على قرار الرئيس الروسي.
ويؤكد محللون أن لب القضية الآن بالنسبة لمسألة تايوان ولتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا في أنه إذا ما دعمت الصين روسيا بشكل واضح ومباشر، سيكون ذلك مخالفا لشعارها الذي ترفعه على الدوام وهو عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
الرد الصيني على العقوبات الغربية ضد روسيا كان مباشراً، وهو أن الصين تعارض أي عقوبات أحادية الجانب، بحسب الناطقة باسم الحكومة الصينية.
وقبل الغزو الروسي أكد الصين أن موقفها ثابت بشأن القضية الأوكرانية ولا يتغير، وهو ضرورة تعزيز الحوار والتشاور لحل القضايا الإقليمية الساخنة، مضيفة على لسان المتحدثة باسم الحكومة تشون ينغ..”ما يزال هناك أمل في حل سلمي للأزمة الأوكرانية على الرغم من التصعيد المستمر للتوترات”.
ورغم أن روسيا هاجمت أوكرانيا بالفعل، فقد أحجمت بكين عن إدانة ذلك الهجوم، بينما قالت تايوان إنها ستنضم “للدول الديمقراطية في معاقبة روسيا لغزوها أوكرانيا”، وهذا يعني أن الصين وتايوان ليستا “دولة واحدة” كما تردد بكين، فماذا يعني ذلك للخطوات الصينية على المدى القصير؟
المتابع لتصريحات الرئيس الروسي الخاصة بالأزمة الأوكرانية طوال الأسابيع الماضية، يرى بوضوح أن التاريخ كان حاضراً بقوة في التمهيد للقرارات التي اتخذتها موسكو، وبالتالي فإن حديث الصين عن أن تايوان جزء لا يتجزأ منها وأن سبب الأزمة هو الحرب الأهلية يشبه إلى حد ما المنطق الروسي، بحسب محللين غربيين تحدثوا إلى مجلة “Newsweek” الأميركية.
وحتى إذا ما كانت اختلافات شكلية بين طبيعة العلاقة بين أوكرانيا وروسيا من جهة وبين الصين وتايوان من جهة أخرى، فإن طبيعة الأزمتين تحمل قدراً لا يستهان به من التشابه، وبالتالي فإن تأثير الغزو الروسي، إن تم وتحققت أهداف بوتين كاملة، سيكون ضخماً ومباشراً على قرار نظيره الصيني شي جين بينغ فيما يتعلق بتايوان.
والمقصود بالطبيعة المتشابهة لبعض جوانب الأزمتين هو أن روسيا تريد بالأساس منع حلف الناتو من ضم أوكرانيا، وبالتالي تهديد حدودها مباشرة، والصين تريد أيضاً أن تبعد قوات الناتو بزعامة أميركا عن محيطها الإقليمي، فالأزمتان تتعلقان بنظام عالمي تقوده وتهيمن عليه واشنطن وترفضه موسكو وبكين وتتحديانه وتريان الوقت مناسباً للتخلص منه.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن يسعى جاهداً إلى منع التحالف بين بوتين وشي، لكن الواضح من مسار الأزمة الأوكرانية هو أن العكس تماما هو ما حصل وباءت الجهود الأميركية بالفشل الذريع، وأصبحت المواجهة بين أميركا والصين وروسيا أمراً واقعاً، وهذا ما يجعل تايوان وأوكرانيا أزمتين متشابهتين في طبيعتهما.
التقارب الصيني الروسي وجد في أكثر من موضع، فقد أكدت روسيا دعمها لمطالبة الصين بتايوان، وذكرت صحيفة “التايمز”، أول من أمس، أنه لم يتضح ما إذا كان التنسيق بشأن الاجتياح حدث بين شي وبوتن، أو على مستوى أقل، إلا أن تقريرا للاستخبارات الأميركية أشار بحسب الصحيفة إلى أن “كبار المسؤولين الصينيين لديهم مستوى معين من المعرفة المباشرة بخطط أو نوايا روسيا بشأن بدء الاجتياح الأسبوع الماضي”.
من الجانب الصيني المعبر عن التقارب مع روسيا، ورد في رواية بكين أن أمن موسكو مهدد بسبب التوسع الشرقي لحلف الناتو.
وامتنعت الصين عن التصويت في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة الطارئة، الأربعاء الماضي، للمطالبة بوقف فوري لهجوم موسكو على أوكرانيا، وسحب جميع القوات الروسية.
ويرى خبراء أن الصين تقدمت خطوات عديدة من شأنها دعم روسيا دبلوماسياً، واقتصادياً، وهذا الأمر جلي في التصريحات المتوالية على لسان أكثر من مسؤول صيني، وهو ما زاد تدهور علاقات بكين المتصدعة بالفعل مع الغرب، حتى وإن لم تقدم الصين دعماً عسكرياً لروسيا، من بينها موقف الصين المتكرر باتهام الولايات المتحدة “بنشر معلومات كاذبة” وإثارة التوترات، وحث واشنطن على احترام المطالب الأمنية التي تقدمت بها روسيا والاستجابة لها.
ويرى خبراء أنه رغم الحذر الصيني، إلا أن الفرصة تعد بالنسبة لها مواتية للتقدم خطوة بشأن ضم تايوان، والظروف الراهنة بشأن الغزو الرسي لأوكرانيا مشجعة أكثر من أي وقت مضى، وهذا ما رفع منسوب الخوف التايواني الى أقصى الحدود.

الغد