الاتفاق النووي الإيراني: الكرة حائرة خارج الملعب بين واشنطن وطهران!

الاتفاق النووي الإيراني: الكرة حائرة خارج الملعب بين واشنطن وطهران!

عدم التطابق بين المصالح الإسرائيلية والأمريكية بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني، والتصعيد الإسرائيلي للضغط على واشنطن لإفساد المفاوضات، ونجاح إسرائيل في محاولة بناء تحالف إقليمي مضاد لإيران تحت قيادتها، يقود تدريجيا إلى تغليب مصلحة إسرائيل على الولايات المتحدة. وتدير إسرائيل حربها ضد العودة للاتفاق النووي في الولايات المتحدة، من خلال استراتيجية تعيد صياغة مفهوم مصالح الأمن القومي الأمريكي في الشرق الأوسط، بحيث يتطابق مع مصالحها هي، وتستخدم كل الأدوات المتاحة للضغط من أجل قطع الطريق على الاتفاق، وإسقاطه في حال التوصل إليه.
هذه الحرب ضد محاولة إحياء الاتفاق النووي لا تتوقف يوما واحدا، وتعتبرها حكومة بينيت مسألة حياة أو موت، وقد تركت تأثيرا سلبيا في سير المفاوضات في فيينا، حتى تم تعليقها منذ منتصف الشهر الماضي. طهران قالت إنها لن تعود إلا لتوقيع اتفاق، بعد أن تعلن الولايات المتحدة موقفا سياسيا واضحا ونهائيا بخصوص رفع العقوبات، وأن الكرة هي الآن في ملعب أمريكا. وقالت واشنطن إن العودة للعمل بشروط اتفاق 2015 تتطلب قرارات جريئة من إيران للقبول بالتنازلات المعروضة على مائدة المفاوضات كحوافز قدمتها الولايات المتحدة، وإن الكرة هي الآن في ملعب طهران. وبين ملعب طهران وملعب واشنطن لا يبدو أن العودة للاتفاق سهلة أو قريبة، لأنها أصبحت مرهونة بقرار سياسي يصطدم في طهران بشرعية الحكومة القائمة، ويصطدم في واشنطن بخوف إدارة بايدن من خسارة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر المقبل. المحادثة الهاتفية بين بايدن وبينيت يوم الأحد الماضي، والزيارة المرتقبة لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي إلى واشنطن، واتجاه وزارة الخارجية الأمريكية لإعادة تقييم الموقف، تأتي جميعها في سياق واحد، يشير إلى أن محاولة إحياء الاتفاق النووي متعثرة وقد تنتهي بالفشل. وفي سياق هذا الوضع الملتبس تواصل إيران برنامجها النووي في هدوء، بينما تتعرض الإدارة الأمريكية للمزيد من الضغوط الصاخبة للخروج من المفاوضات في فيينا، وهو احتمال وضعت إيران كل الاستعدادات لمواجهته.

حملة الجنرالات على الاتفاق

انضم إلى حرب إسرائيل على محاولة إحياء الاتفاق النووي الإيراني 46 شخصية بارزة من جنرالات الحرب والبحرية الأمريكية المتقاعدين، في إطار مجهود منظم يقوده «المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي» وهو واحد من أهم أذرع المؤتمر اليهودي العالمي. ولبيان مضمون الموقف الذي يعبر عنه المعهد في ذلك الخصوص نعتمد على مقال مهم نشره الجنرال (متقاعد) تشاك والد نائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا سابقا، والأدميرال جون بيرد قائد الأسطول السابع الأمريكي سابقا. المقال نشره موقع نشرة «ذا هيل» الأمريكية في 19 إبريل الحالي، وتضمن وجهة نظر الجنرالات المعارضين لإحياء الاتفاق، المطالبين بضرورة الانسحاب من مفاوضات فيينا فورا ومن دون تأخير، وهي وجهة النظر التي تروج لها قيادات «المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي» و»المؤتمر اليهودي العالمي». الاستنتاج الكبير الذي توصل إليه الجنرالات هو أن إدارة بايدن كان يتعين عليها أن تنسحب من المفاوضات منذ وقت طويل، وأن هذا ما يزال طلبا ملحا حتى الآن. ووجه الجنرالات نداء الى الكونغرس برفض أي اتفاق يتم التوصل إليه. وبنى الجنرالات وجهة نظرهم على المعطيات التالية:
أولا: إن الغزو الروسي لأوكرانيا قد كشف بما لا يدع مجالا للشك صعوبة الخيارات في مواجهة أي هجوم تشنه دولة نووية على غيرها.

تتعرض الإدارة الأمريكية للمزيد من الضغوط للخروج من المفاوضات في فيينا، وهو احتمال وضعت إيران كل الاستعدادات لمواجهته

ثانيا: إن العودة للاتفاق النووي ستجعل إيران لعقود مقبلة، مصدر تهديد نووي رئيسي للشرق الأوسط، بمساندتها للإرهاب عن طريق وكلائها، وممارسته مباشرة ضد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ما يعني التضحية بأرواح المئات من العسكريين الأمريكيين في المنطقة.
ثالثا: اتهام إدارة بايدن بالتراجع عن التفاوض للتوصل إلى «اتفاق أقوى وأطول مدى، يقيد قدرات إيران النووية» حسبما كان يقول أنطوني بلينكن وزير الخارجية، لتتبنى نهجا جديدا للتوصل إلى «صفقة أضعف وأقصر مدى» مقارنة بالاتفاق الأصلي تكون نتيجتها حصول إيران على «شرعية» لبناء قاعدة لصناعة أسلحة نووية على نطاق واسع، ما يمنح إيران مزايا تفوق ما حصلت عليه في اتفاق 2015.
رابعا: هذا التراجع في استراتيجية المفاوضات يأتي في وقت يقترب فيه انتهاء الحظر المفروض من مجلس الأمن على البرنامج الإيراني لتطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية يمكنها الوصول إلى الأراضي الأمريكية. كما أن الصفقة التي يتم ترويجها، ستنهي بعد 3 سنوات، وجود مبررات لفرض عقوبات بواسطة الأمم المتحدة ضد إيران بسبب تطوير برامجها النووية.
خامسا: إن الصفقة المقترحة تتضمن إنهاء الحصار الاقتصادي وفك تجميد عشرات المليارات من الدولارات، ما يمنح طهران موارد وإمكانيات جديدة لممارسة المزيد من الأنشطة المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، التي تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة، بينما هي مشغولة في أولويات المواجهة ضد كل من الصين وروسيا.
سادسا: إن مطلب إيران بإسقاط اسم الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية، من شأنه أن يصيب سياسة مكافحة الإرهاب عالميا بالخلل، ويفقدها المصداقية الكافية لدى حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، حيث يقوم الحرس الثوري من خلال منظماته التابعة في العراق واليمن ولبنان وفلسطين وسوريا بممارسة أنشطة تدعم نفوذ إيران الإقليمي.
ودعا تشاك والد وجون بيرد في نهاية المقال الرئيس الأمريكي إلى استخدام سياسة ضد إيران تتكون من عنصرين هما، الدبلوماسية ذات القبضة الثقيلة، والاستعداد العسكري. وانتهى المقال بدعوة الكونغرس إلى رفض العودة لاتفاق 2015 في حال تم التوصل إليه بين الإدارة الأمريكية وإيران. هذه الدعوة التي تلقى تأييدا من الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس وعدد من الأعضاء الديمقراطيين من شأنها أن تضع الإدارة الأمريكية في موضع حرج أمام الكونغرس قبل أشهر قليلة من انتخابات التجديد النصفي، الذي يشمل كل أعضاء مجلس النواب ونحو ثلث أعضاء مجلس الشيوخ.

شروط ايران

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان انتهز فرصة محادثة هاتفية مع مسؤول الشؤون الخارجية للاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل يوم الجمعة الماضي لتوجيه نداء للإدارة الأمريكية بعدم المبالغة في طلباتها من طهران، قائلا إن إدارة بايدن «يجب أن تتحلى بالشجاعة الكافية لتصحيح الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة السابقة». وأكد رغبة إيران في التوصل إلى اتفاق «جيد وقوي ومستدام» حسبما وصف ما تريده بلاده من مفاوضات فيينا. وطبقا لما صدر عن أعضاء وفود المفاوضات، فإن القضايا الفنية كافة تم الانتهاء منها، ولم يتبق إلا اتخاذ قرارات سياسية في كل من طهران وواشنطن بتوقيع الاتفاق. وهذا يعني ضمنا أن إيران ترفض إعادة فتح ملف المسائل التقنية في الاتفاق، أو إضافة قضايا أخرى إليه.
كذلك ترفض إيران التخلي عن تصميمها على الانتقام من قتلة الجنرال قاسم سليماني، وتطالب برفع اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية، والحصول على ضمانات سياسية بعدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وعدم إعادة فرض العقوبات، وعدم تفعيل «آلية الزناد»، وضمان حصول إيران على المكاسب الاقتصادية كافة الناتجة عن رفع العقوبات من دون أي قيود. في مواجهة هذا الرفض فإن الولايات المتحدة تؤكد، حسبما قال المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية أكثر من مرة، إنها تحتفظ بحقها في استخدام كل أدوات السياسة الخارجية في الضغط بشراسة على أنشطة إيران «المزعزعة للاستقرار» في الشرق الأوسط، انطلاقا من أن تأييدها للإرهاب والجماعات الإرهابية المرتبطة بها يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
وعلى الصعيد العملي فإن توجيهات المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، وسياسة رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي تقضي بالمضي قدما ومن دون توقف في برامج البناء والمقاومة على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، وفي ميادين الدبلوماسية الدولية، وألا تكون هذه البرامج رهينة لنتائج مفاوضات فيينا. وفي إطار توجيهات المرشد الأعلى وسياسات الحكومة في طهران فإن المنشآت النووية الإيرانية بما فيها معمل «أراك» لإنتاج الماء الثقيل تعمل بالكمية والنوعية المتوافقة مع «استراتيجية البرلمان لرفع العقوبات والمحافظة على مصالح إيران الوطنية». ويقول المسؤولون في طهران إنه طالما أن القضايا الفنية كافة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني تم الانتهاء من صياغتها، فإن إعلان التوصل إلى اتفاق بين إيران والقوى العالمية الرئيسية يمكن أن يتم فورا وفي أقصر وقت ممكن، بشرط سلامة ووضوح الأسس السياسية التي يقوم عليها. وتقول طهران إن إدارة بايدن ما تزال مترددة في ذلك، وإن الكرة حاليا هي في الملعب الأمريكي، طالما أن إيران قد حددت شروطها وانتهت من صياغتها وأبلغتها للأطراف الأخرى.

القدس العربي