هدّد زعيم حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني”، بافل طالباني، نظيره “الحزب الديمقراطي”، بـ”تعطيل” مشروع تصدير الغاز الكردي إلى تركيا في حال انتهاج الصيغة الحالية المتبعة في إدارة ملف النفط، فيما حذرت دراسة من أن مكتسبات إقليم كردستان العراقتواجه “مخاطر غير مسبوقة” جراء الانقسام الحاد والمتفاقم بين الحزبين الكرديين الكبيرين. يأتي ذلك تزامناً مع تقارير تحدثت عن انسحاب شركة “إكسون موبيل” الأميركية العملاقة من استثمارات نفطية في الإقليم، ما يشكل ضربة موجعة لقطاع النفط والغاز هناك.
ويطمح أكراد العراق الذين يتمتعون بشبه حكم ذاتي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، إلى تعزيز استقلالهم الاقتصادي عبر مشروع جديد لتصدير الغاز الطبيعي إلى تركيا، ومن ثم إلى أوروبا، بعد نجاحهم في تحقيق مكاسب على صعيد الصادرات النفطية، لكن الخلافات المتفاقمة بين الحزبين التقليديين، “الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني و”الاتحاد الوطني” بزعامة بافل طالباني، وخلافهما المزمن مع حكومة بغداد، تُعد من أبرز العقبات الرئيسة التي تعترض طريقهم للدخول كلاعب مؤثر في أسواق النفط العالمية.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن في 4 فبراير (شباط) الماضي، إنه “ناقش مع رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني مشروع استيراد الغاز الكردي”. وأوضح أن بارزاني أكد بأنه “سيناقش المشروع مع حكومة بغداد”، لكن المسعى واجه أولى العقبات عندما سارعت المحكمة الاتحادية العراقية في منتصف الشهر نفسه إلى إصدار حكم يقضي “بعدم دستورية قانون النفط والغاز المعمول به في الإقليم”.
غياب الشفافية
ومنذ أسبوعين، يطلق مسؤولون في “الاتحاد الوطني” تصريحات رافضة “لإبرام عقد طويل المدى لتصدير الغاز إلى تركيا”، ويؤكدون “عدم تسليم ملف الغاز إلى الحزب الديمقراطي كما حصل مع ملف النفط”. ونقل بيان للحزب عن زعيمه بافل طالباني قوله خلال اجتماعه مع عدد من الدول والمنظمات الدولية في الإقليم، بحضور قياديين في الحزب، إن “اعتماد مبدأ الشفافية في ملف تصدير الغاز وإعلان التفاصيل للمواطنين سيكون ضمن الأولويات. لن يُمد أنبوب الغاز إلى الخارج إلا على جثتي إذا لم يصب في خدمة شعب كردستان، فهو مطلب جماهيري وسأنفذه، ولن أصمت أو أتخاذل من أجل مصلحة وحياة شعبنا”، معرباً عن رفضه الاستمرار بالصيغة الحالية في إدارة ملف النفط. وقال، “للأسف بعض شركات النفط تديرها الأحزاب وتُستغَل من أجل مصالح شخصية، ونحن لن نسمح لأي قوة أو طرف أن تحقق الثراء على حساب معيشة المواطن”.
ويرجح مراقبون أن يكون موقف حزب طالباني المتحفظ على المشروع واقعاً تحت ضغوطات مارستها إيران “حمايةً لمصالحها الاستراتيجية”، بكونها أحد أهم مصدري الغاز إلى تركيا، في وقت تبذل فيه الولايات المتحدة جهوداً حثيثة مع حلفائها الأوروبيين للبحث عن بدائل للغاز الروسي، الذي تستخدمه موسكو “كورقة ضغط” ضد دول الاتحاد الأوروبي في حربها القائمة مع أوكرانيا.
وأوضح البيان أن طالباني وجّه “رسالة شديدة اللهجة عبر ممثلي الدول الأجنبية إلى الطرف الذي يسعى إلى زعزعة الأوضاع في الإقليم، خصوصاً مناطق السليمانية وكرميان وحلبجة ورابرين (مناطق نفوذ الاتحاد الوطني)، ومحاصرتها اقتصادياً، مفادها أن الاتحاد ليس تلك القوة التي تقبل التبعية والاستفزاز من أي طرف كان. وسياسة التفرد وفرض الإرادة مرفوضة. ومن أجل تصحيح الأخطاء سنتخذ الخطوات الكفيلة من أجل حياة مواطنينا ومعيشتهم”، مشدداً على أن حزبه “له ثقله السياسي محلياً وإقليمياً ودولياً، وهو ثمرة جهود فقيد الأمة مام جلال (مؤسس الحزب، الرئيس العراقي السابق، جلال طالباني)، وسنعمل على تطويرها حمايةً للمصالح العليا المشتركة”.
في الأثناء كشف تقرير لإذاعة “صوت أميركا” الناطقة بالكردية عن أن حزب بارزاني “رفض مقترحات مقدَمة من حزب الاتحاد للاتفاق على آلية لتصدير الغاز”. وأضاف أن “أحد مقترحات الاتحاد ينص على أن تتم عملية التصدير بمشاركة الديمقراطي، عبر العراق وليس تركيا”. وأردف أن “الاتحاد يزعم بأن نحو 200 مليون دولار شهرياً من إيرادات النفط تذهب لصالح شركات الديمقراطي”.
إدارتان منفصلتان
وسبق أن أعلن رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني نهاية مارس (آذار) الماضي، خلال حضوره القمة العالمية للحكومات التي عُقدت في الإمارات، قدرة الإقليم “على رفد العالم بالطاقة، وليس أوروبا فقط”، لكن نائبه، قباد طالباني، شقيق بافل طالباني، شدد على أن “إنجاح الفرصة التاريخية المتاحة أمام كردستان لتصدير الغاز يتطلب أولاً وقبل كل شيء حل الخلافات مع بغداد”، وهو ما أكده النائب عن “الاتحاد” عباس فتاح قائلاً، إن “عملية تصدير الغاز لن تكون سهلة، نحتاج إلى تفاهم مسبق مع بغداد وكذلك تفاهم داخل الإقليم، والأخطاء التي ارتُكبت في عقود النفط لا يجوز تكرارها في ملف الغاز، فالإقليم يعاني أساساً من تداعيات تلك الأخطاء، كما لا يجوز أن يخضع لقرار طرف بمفرده”، في إشارة إلى حزب بارزاني.
يأتي ذلك في خضم حرب اتهامات يخوضها الحزبان حول آلية تقاسم الإيرادات على وقع أزمة مالية خانقة يواجهانها منذ عام 2014. ويقر نواب ومسؤولون من الطرفين بأن إدارة الحكم في الإقليم أصبحت منقسمة فعلياً على إدارتين منفصلتين من دون الإعلان عنهما رسمياً.
وأفاد بحث أعده “مركز الدراسات المستقبلية” المجاز من قبل حكومة الإقليم ومقره السليمانية، بأن “مكتسبات الإقليم تتعرض إلى خطر لم تواجهه منذ انطلاق العملية السياسية بالعراق في عام 2005، نتيجةً للانقسام غير المسبوق بين الحزبين الرئيسَين”، مشيراً إلى أن “هذا الإنقسام أدى إلى ضياع فرصة للكرد من أجل لعب دور في الانقسام بين الشيعة والسنة بسبب الصراع على منصب رئاسة الجمهورية، كما تتضح تداعياته على الساحة الكردستانية خصوصاً في ملفَي الطاقة والانتخابات النيابية الكردية المقبلة”. وأشار البحث إلى أن “الرؤية المشتركة بين الحزبين على الصعيد الاتحادي في التعامل مع ملف الطاقة وقرار المحكمة الاتحادية تلاشت في ضوء خلافاهما على إدارة ملف الطاقة في الإقليم، والذي يتصدر أساساً الخلافات مع بغداد”.
حرب إعلامية
وتشن وسائل إعلام “الحزب الديمقراطي” منذ أسابيع، حملة انتقادات ضد “الاتحاد الوطني” حول أسلوب إدارته لمناطق نفوذه، واتهمته بـ”الازدواجية” عبر إطلاق مزيادات في الترويج لخيار “أقلمَة” منطقته وتطبيق نظام اللامركزية، أو اللجوء إلى خيار الاتفاق مع بغداد “من طرف واحد” لحل أزمة المرتبات، “في حين يستولي على الإيرادات والمنافذ وأرصدة المصارف في منطقة السليمانية”، التي لها النصيب الأكبر من التظاهرات والاضرابات اليومية احتجاجاً على التأخير في دفع المرتبات.
وقال النائب عن “الديمقراطي” شوان كريم، إن “واجب زعيم الاتحاد يكمن في السيطرة على السرقات الجارية في السليمانية، من تفريغ لأرصدة البنوك وسرقة الإيرادات ومرتبات المتقاعدين، وليس إطلاق خطب التهديد والوعيد ضد الحكومة من أجل إشغال الرأي العام عن السرقات التي تحدث في منطقته”. وأضاف أن “قادة الاتحاد فوق نهبهم لأموال الفقراء يتهمون الحكومة بمعاقبة السليمانية، لكن شعبها يدرك جيداً أن هذا الحزب يعاقب شعبها من أجل إثراء شركاته”.
أما قناة “كردستان 24” المقربة من رئيس الحكومة فاتهمت من جانبها حزب الاتحاد “بممارسة دور المعارضة مع أنه عضو رئيس في الائتلاف الحكومي”، وتساءلت: “إذا كان معارضاً ويعرقل عمل المؤسسات الحكومية لماذا لا يتخلى عن مناصبه في الرئاسات الثلاث؟ وإذا كان في السلطة لماذا يتنصل من مسؤولياته ويضع العراقيل أمام عمل المؤسسات، خصوصاً في ملف الإيرادات؟”.
كما صرح النائب عن كتلة “الديمقراطي” بهمن كاكه عبد الله أن “هناك مَن خلق الفوضى في السليمانية، وأي أزمة تحصل يتم إلقاؤها على الحزب الديمقراطي، بما فيها أزمة جمع النفايات”، مستشهداً بـ”الفارق الكبير في إنجاز المشاريع الخدمية في أربيل ودهوك مع السليمانية وتوابعها التي تعاني التلكؤ”. وأوضح أن “حزب الاتحاد يستولي على أموال المشاريع ومن ثم يلقي بتهمة تلكؤ تلك المشاريع على الحزب الديمقراطي، لكن حبل الكذب دائماً كان قصيراً”.
وأكد الناطق باسم الكتلة بيشوا هورامي مستنداً إلى بيانات وزارة التخطيط التي يتولاها حزب الاتحاد على أن “توزيع الإيرادات يتم وفق الكثافة السكانية لكل منطقة، ويفترض وفق ذلك أن تكون حصة المنطقة الصفراء (الديمقراطي) أكثر من 60 في المئة، مقابل 37 للمنطقة الخضراء (الاتحاد)”، واستدرك “لكن حكومة الإقليم في الواقع تساهلت لصالح المنطقة الخضراء بمنحها 43 في المئة، على الرغم من أن عدد المستوردين والمنافذ فيها يفوق بكثير عما يوجد في المنطقة الصفراء وفق بيانات السجل التجاري”.
“إجراء انتقامي”
في المقابل، اتهم القيادي في “الاتحاد” عزت صابر، حزب بارزاني بأنه “يعمل وفق برنامج منذ ستة أشهر لمعاقبة السليمانية”، عازياً الدوافع إلى الخلافات المزمنة بين الحزبين على “منصب رئاسة الجمهورية وانتخابات برلمان الإقليم ومسألة المطالب بتطبيق اللامركزية في الإقليم”.
وتحدث صابر في لقاء متلفز عن “تراجع حاد في إيرادات السليمانية بسبب الحصار الذي تفرضه الحكومة على المحافظة التي استدانت خلال الأشهر الثلاثة الماضية نحو 90 مليون دينار إما من خلال أرصدة أشخاص في المصارف، أو من خطابات ضمان شركات”. وقال إن “تماهي حزبنا مع هذا الوضع نابع من الحرص على عدم العودة إلى نظام حكم الإدارتين وبالتالي تفكك الإقليم، نعم إن الصبر جميل لكن له حدود”. وأردف أن قيادة حزبه “ستلجأ لخيارات وحلول بديلة في حال مضى الأصدقاء في الديمقراطي على نهجهم الحالي”.
من جانبها، حذرت النائبة عن كتلة “الاتحاد” شيرين يونس من “تكرار الأخطاء التي ارتُكبت في ملف النفط مع ملف الغاز، أي أن تقرر جهة لوحدها” في إشارة إلى الديمقراطي، مهددةً إياه بأنه “سيواجه التهميش بشدة في حال عدم إدراكه لدعوات بافل طالباني إلى التوقف، فالغاز ثروة وطنية وليس عدلاً أن تتحكم به جهة أو جهتين، ولنا تجربة مع النفط عندما سعينا لتحقيق استقلال اقتصادي، والنتيجة كانت ثراء بعض الأشخاص في حزب ما، بينما يرزح الشعب تحت ديون تُقدَّر بمليارات الدولارات”.
فقدان الثقة
لكن عضوي اللجنة المالية النيابية عن كتلة “الديمقراطي”، هيفيدار أحمد وليزا فلك الدين، أصدرا بياناً توضيحياً مشتركاً حول “الأسباب الحقيقية وراء أزمة الإقليم المالية”. وقالا إن “عدم إعداد موازنة سنوية في الإقليم (منذ تسع سنوات) سبب رئيس للأزمة التي بدأت عام 2014 بسبب قطع حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية (نتيجة الخلاف مع بغداد)، وكذلك اندلاع الحرب مع تنظيم “داعش”، لكن عدم إقرار موازنة لا يعني عدم معرفة حجم الإيرادات وإنفاقها على الخدمات”. ولفتا إلى أن “طرح بيانات وأرقام غير صحيحة وعدم الاعتماد على مصادر موثوقة في الملف المالي خلق أزمة إضافية، وحالة من فقدان الثقة بين المواطن والحكومة، وولد اضطرابات سياسية واجتماعية”. وأضاف النائبان أن “سبب العجز في دفع المرتبات على صعيد السليمانية، هو عدم تحويل نحو 55 مليار دينار من إيراداتها شهرياً إلى المصارف من مجموع إيراداتها المفترضة والباغلة 130 مليار، وهذا يعني أن المشكلة تكمن في تحصيل الإيرادات الداخلية، ما خلق لاحقاً مشكلة لمصارف السليمانية، وبطئاً في صرف المرتبات، ونقصاً في الأدوية، وتوقف عمل شركات جمع النفايات، ما عدا عمليات التهريب والمخالفات التي تحصل في المنافذ في وضح النهار”. ولفتا إلى أن “تحويل مجمل الإيرادات الحقيقية في السليمانية إلى خزينة الحكومة، كفيل بحل أزمتها المالية”.
اندبندت عربي