قال معارضون سوريون في دمشق، إن «مجزرة حي التضامن» جنوب العاصمة السورية، «لم تكن الوحيدة التي ارتُكبت خلال سنوات المستمرة منذ أكثر من 11 عاماً، ولكن قُدّر لها أن تتسرب في فيديو يُظهر عملية إعدام جماعية بحق عشرات المدنيين، ومن ثم حرقهم، لتصبح المجزرة والحي الحديث الأبرز في وسائل الإعلام».
ومع اندلاع الحراك السلمي في عدد من المدن والبلدات السورية، منتصف مارس (آذار) عام 2011، انحاز له كثير من أهالي حي التضامن، خصوصاً سكان المنطقة الجنوبية الشرقية، الذين يتحدر معظمهم من محافظات إدلب ودير الزور ودرعا والجولان.
وفي أواخر عام 2012، اجتاحت فصائل المعارضة المسلحة حي التضامن من الجهة الجنوبية، وسيطرت على نحو نصف مساحته، بينما بقي قسمه الشمالي تحت سيطرة قوات النظام، وتقطنه أغلبية سكانية تتحدر من محافظات اللاذقية وطرطوس وريفي حماة وحمص والسويداء والبعض من نازحي الجولان، خصوصاً أهالي قرى عين فيت وزعورا وجباثا الزيت.
ونشرت جريدة «الغارديان» البريطانيّة، في السابع والعشرين من أبريل (نيسان) الماضي، تحقيقاً مطوّلاً، أرفقته بمقاطع فيديو تُظهر قيام عناصر من مرتبات الفرع 227، أو ما يُعرَف بـفرع المنطقة من جهاز المخابرات العسكرية، بعمليات إعدام جماعية لمدنيين في حي التضامن.
وتحدثت الصحيفة عن تفاصيل المجزرة التي ارتُكبت في أبريل (نيسان) 2013، حيث تم إلقاء القبض على مجموعات من المدنيين، بينما تظهر لقطات مقطع الفيديو أن الضحايا كانوا معصوبي الأعين، إمّا بشريط لاصق أو بغلاف بلاستيكي، ومقيدي الأيدي برباطٍ بلاستيكي يُستخدم عادة من أجل جمع وتثبيت الكابلات الكهربائيّة، ويُقتادون من قبل عنصر مخابرات نحو حفرة الإعدام، ومن ثم يتم إلقاؤهم بها وإطلاق النار عليهم.
كما أظهرت اللقطات قيام مرتكبي المجزرة بتكويم الجثث فوق بعضها وحرقها، فيما تحدثت تقارير عن أن المجزرة ارتُكبت في مربع سكني قيد الإنشاء، يقع في شارع دعبول خلف «صالة الحسناء» المقابلة لمسجد عثمان بن عفان الواقع في المنطقة الشرقية من الحي.
ويقع حي التضامن، التابع إدارياً لمحافظة دمشق، في أقصى جنوب شرقي العاصمة السورية، وكان يقطنه قبل الحرب قرابة 250 ألف نسمة، ويحده من الغرب مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، التابع إدارياً أيضاً لمدينة دمشق، ومن الشرق بلدتا ببيلا ويلدا وحي سيدي مقداد التابعة لمحافظة ريف دمشق، ومن الجنوب مدينة الحجر الأسود وبلدة يلدا التابعتان أيضاً إلى محافظة ريف دمشق، ومن الشمال حيا دف الشوك والزهور الدمشقيان ومنطقة الزاهرة.
ويفصل بين حي التضامن ومخيم اليرموك من الجهة الغربية شارع فلسطين الرئيسي، ومن الجهة الشمالية يفصل بينه وبين حيي دف الشوك والزهور شارع ابن بطوطة، في حين يفصل بينه وبين منطقة ببيلا وبلدة يلدا وحي سيدي مقداد من الشرق شارع دعبول.
وتمتد على معظم الطرف الشرقي من شارع دعبول منطقة تسمى «سليخة»، وهي تتبع إدارياً لبلدة يلدا التابعة لريف دمشق، ولكن في أحاديث الأوساط الشعبية يجري الحديث بأن منطقة «سليخة» تتبع لحي التضامن.
والمربع السكني قيد الإنشاء الكائن خلف «صالة الحسناء»، الذي ارتكبت فيه المجزرة، والواقع في الجهة الشرقية من شارع دعبول مقابل مسجد عثمان بن عفان، يتبع إدارياً لمنطقة «سليخة». وكانت هذه المنطقة تحت سيطرة الجيش النظامي، وتُعتبر خط جبهة مع منطقة سيطرة فصائل المعارضة المسلحة آنذاك.
وبعد سيطرة الجيش النظامي على المنطقة الجنوبية من حي التضامن، في صيف عام 2018، لوحظ أن الأبنية السكنية والمحال التجارية والبنى التحتية طالها دمار كبير جراء المعارك التي حصلت فيها، في حين كانت تُسمع وبشكل شبه يومي أصوات انفجارات قوية في المنطقة، ناجمة عن تفجير أبنية قائمة بـ«الديناميت» وتسويتها بالأرض.
وتؤكد مصادر أهلية لـ«الشرق الأوسط» أنه، وخلال عمليات التوغل التي كان الجيش النظامي والموالون له يقومون بها في منطقة سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، كانت دائماً تجري عمليات تصفية لأشخاص آثروا البقاء في منازلهم، وفي بعض المنازل تمت تصفية أشخاص عدة من عائلة واحدة، كما كانت تُشاهد في القسم الشمالي، خصوصاً في ساعات الصباح الباكر، جثث مرمية في الطرقات لأشخاص جرت تصفيتهم بعيارات نارية، وعليها آثار تعذيب.
وتتحدث المصادر عن أن هؤلاء الأشخاص هم ممن تم اعتقالهم من منازلهم أو على حواجز.
إلى ذلك، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً يقضي بمنح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين قبل 30 أبريل (نيسان)، عدا التي أفضت إلى موت إنسان. ونص المرسوم، وفق ما أوردته «الوكالة العربية السورية للأنباء» (سانا)، أمس (السبت)، على «منح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين قبل تاريخ 2022 عدا التي أفضت إلى موت إنسان والمنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب لعام 2012 وقانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي لعام 1949 وتعديلاته».
وأشار المرسوم إلى أن هذا العفو لا يؤثر على دعوى الحق الشخصي، وللمضرور في جميع الأحوال أن يقيم دعواه أمام المحكمة المدنية المختصة. ولفت إلى أن هذا المرسوم التشريعي يُنشر في الجريدة الرسمية ويُعد نافذاً من تاريخ صدوره.
الشرق الأوسط