دولة المستوطنين وحرب الأعلام!

دولة المستوطنين وحرب الأعلام!

تعتبر استباحة آلاف المستوطنين للأقصى وأدائهم لصلوات «السجود الملحمي» والرقص والغناء داخل ساحاته برعاية من الشرطة والقوات الخاصة الإسرائيلية خطوة تصعيدية جديدة وتلبية لمطالب المستوطنين والمتطرفين اليمينيين في إسرائيل.
حدث «مسيرة الأعلام» (الذي رافقه اعتداء المستوطنين على فلسطينيين ومنازلهم، في «مخيم الصمود» بحيّ الشيخ جراح، وسط القدس المحتلة) والذي رعته سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمس الأحد، جاء من حكومة ائتلاف تزعم اختلافها سياسيا عن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرّفة، ويشترك فيها وزراء من أحزاب يسارية وعلمانية وعربية، لكن هذا الاختلاف، وحتى تصريحات وزرائها ضد النائب اليميني المتطرف بن غفير، أو ضد بؤر الاستيطان غير القانونية، لا يمكن أن تخفي حقيقة أن هذه الحكومة لا تقل إجراما وعنصرية عن سالفتها. وعلى العكس يبدو أن هذه الحكومة تعمل على إظهار كونها أكثر شراسة وهمجية بالاعتداءات والقتل والاعتقالات ومصادرة الأراضي.
حدث مسيرة الأعلام، بالنسبة للفلسطينيين، يدل على أنه لم تعد هناك خطوط حمراء لدى الاحتلال، وهو ما يستوجب توحّد الشعب الفلسطيني فمعركة السيادة على مدينة القدس، مستمرة وطويلة.
لا يمكن وصف المشهد الفلسطيني الرسمي بالمثاليّ، فهناك انتقادات موجهة للطرفين الرئيسيين، «فتح» و«حماس» على اختلافاتهما، وعلى طريقة التعامل مع الموقف المتفجر، لكنّ كل الاجتهادات، تبدو مطلوبة، في هذه اللحظة الفارقة.
وعلى الصعيد العربي لا يمكن وصف المشهد أيضا بصفات الاستحسان، فباستثناء أشكال من الدعم من بلدان مثل قطر والجزائر والكويت، أو بضعة مظاهرات في الأردن ومخيمات لبنان، فلا يمكن فصل ما يحصل من الوحشيّة الإسرائيلية عن شعور قادة الدولة العبرية بالتحرر من ضغوط عربية حقيقية نتيجة عمليات التطبيع العربية المتصاعدة مع إسرائيل.
أما المنظومة الدولية فمرهونة حاليا بالاستقطابات الحادة الناشئة عن غزو روسيا لأوكرانيا، والعمل على تطويق الصين، التي اعتبرها وزير الخارجية الأمريكي الدولة الوحيدة الراغبة والقادرة على تغيير النظام الدولي، وهناك، على ما يقول كورنيل ويست، الفيلسوف الأمريكي، تواطؤ لصالح إسرائيل، ليس من قبل المشرّعين الأمريكيين فحسب، بل كذلك من الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام.
على عكس ما يمكن أن يُستنتج من هذه الوقائع فدلائل عديدة تشير إلى أن المخاطر الوجودية تشحذ إرادة القتال والتحدّي والابتكار، وأن الشعب الفلسطيني، لا ينفك يُبدع في مقاومته، ويغيّر، من موقعه الصغير، معادلات العالم.
ردا على «مسيرة الأعلام» الاستيطانية اجترح الفلسطينيون «مسيرة أعلام» فلسطينية مضادة، وبتعرّض المئات من المشاركين فيها لاعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال، ساهموا في كشف الجانب البشع والعنصري لحكومة «الائتلاف» الإسرائيلية.
أطلق النشطاء الفلسطينيون أيضا طائرة مسيّرة تحمل العلم الفلسطيني في سماء مدينة القدس، ليرفرف فوق باب العامود والبلدة القديمة خلال مرور المستوطنين الذين أصيبوا بالذعر.
قام فلسطينيو مناطق النكبة (48) أيضا بابتكاراتهم عبر تسيير مسيرات في الجامعات رافعين أعلام فلسطين، وفيما يردد عنصريو المستوطنين «الموت للعرب» و«الموت لمحمد» و«سنحرق قراكم» رفع الفلسطينيون شعارات وحدتهم كشعب واحد.
وفيما يتوحّد الشعب الفلسطيني رافعا علمه فوق القدس، تعود إسرائيل مجددا لتظهر كدولة عصابات تحاول فرض شرعيتها، كل يوم، بآلاف الجنود والمستوطنين.

القدس العربي