تحت عنوان “حان الوقت للبدء والتفكير في نهاية اللعبة بأوكرانيا؟”، أشار فريد زكريا بصحيفة “واشنطن بوست” لما قاله الزعيم البريطاني وينستون تشرتل بعد انتصار الحلفاء في مصر عام 1942 وفهم منه أنه تحضير الشعب البريطاني لنزاع طويل”هذه ليست النهاية” بل”وحتى ليست بداية النهاية وربما كانت نهاية البداية”.
ويعلق زكريا:”عندما نفكر بناء على هذه الشروط فما هي المرحلة التي وصلناها الآن في أوكرانيا؟”، ويجيب غيدون روز، من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ومؤلف كتاب “كيف تنتهي الحروب” أننا في المرحلة الوسط. وأشار إلى أن كل حرب تبدأ مثل لعبة شطرنج بهجوم درامي ودفاع. ففي حالة لم تؤد هذه الهجمات الأولى لانتصار حاسم، فعندها تدخل الحرب المرحلة الوسط حيث يحاول كل طرف الدفع باتجاه تحقيق مكاسب في ساحة المعركة.
ونقل زكريا عن روز قوله “في المرحلة الوسط” “لا يعبر أي طرف عن اهتمام بالمفاوضات لأن كل واحد منهما يحاول الإنتصار الحاسم وتعزيز موقعه في ساحة المعركة وتحسين موقعه التفاوضي”، وفي هذه المرحلة تكون المشاعر حادة بدون أي ميل للتنازل. وفي النهاية، يدخل المتحاربون المرحلة الأخيرة عبر طريق أو طريقين، إما أن ينحرف مسار الحرب بطريقة لا رجعة فيها لطرف (كما في 1918 و 1944) أو دخول الحرب مرحلة من الركود وانسداد الأفق (كما في الحرب الكورية منتصف القرن الماضي) و “عند تلك النقطة تدخل الأطراف مرحلة نهاية اللعبة، ويبدأون بالتنافس حول التسوية النهائية”، كما يقول روز.
لا يعبر أي طرف عن اهتمام بالمفاوضات لأن كل واحد منهما يحاول الإنتصار الحاسم وتعزيز موقعه في ساحة المعركة وتحسين موقعه التفاوضي
ويرى زكريا أن على الغرب مساعدة أوكرانيا تقوية موقعها في المرحلة الوسط هذه. وتحتاج كييف إلى مزيد من الأسلحة والتدريب، فرغم وجود محدودية لما يمكن أن تستوعبه أوكرانيا إلا أن هناك حاجة من واشنطن وحلفاءها في أوروبا والأماكن الأخرى لمضاعفة جهودهم. وهم بحاجة لمساعدة أوكرانيا على فك الحصار الروسي حول ميناء أوديسا.
وركز الناس في حديثهم على انهيار الإقتصاد الروسي الذي سينكمش هذا العام بنسبة 11%، لكن اقتصاد أوكرانيا سينكمش بنسبة مذهلة 45% في 2022. وحتى يكون البلد قادرا على تصدير الحبوب عبر موانيء البحر الأسود، فإنه سيواجه مصيبة اقتصادية لسنوات قادمة.
ومن المحتمل أن تستمر المرحلة الوسط لوقت، ذلك أن روسيا واوكرانيا لن تحسما الحرب لصالحهما.
وفي المدى القصير، تعلب الظروف مع جانب روسيا، فقد سيطرت على معظم منطقة دونباس ولأن الغرب لم يمنع استيراد الطاقة الروسية، فقد استفادت الحكومة الروسية وتربحت أثناء الحرب. ويتوقع موقع “بلومبيرغ” أن تصل موارد الغاز والنفط الروسية هذا العام إلى 285 مليار دولار، مقارنة مع 236 مليار دولار العام الماضي.
أما على المدى البعيد، فيقول الكاتب إن الواحد يأمل أن تواجه روسيا صعوبات بسبب العقوبات ومع طول أمد الحرب. وفي نفس الوقت تحظى أوكرانيا بدعم غربي قوي ومعنويات عالية وإرادة للقتال حتى النهاية.
ومع أننا لم نصل بعد إلى المرحلة النهائية للعبة، فربما بدأت أوكرانيا التفكير وبذكاء في نهاية اللعبة. وبهذه الطريقة، تستطيع بناء موقف متماسك ومواءمة استراتيجيتها معه والحصول على دعم دولي.
لو دخل النزاع في حالة انسداد فالكفاح سيتحول إلى معركة بين روسيا والغرب. ماذا ستقدمه روسيا مقابل تخفيف العقوبات وماذا سيطالب به الغرب مقابل إنهاء عزلتها؟
وتعرض وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجرعندما اقترح أن على كييف عدم المضي أبعد من خطوط المعركة ما قبل 24 شباط/فبراير. وفي الحقيقة ليس من الواضح إن كانت أوكرانيا قادرة على استعادة كل الاراضي تلك بالقوة، وهذا لا يعني التوقف عن المحاولة. ومن الحكمة أن تعلن عن هدفها ذلك، أي عكس المكاسب المناطقية للروس هذا العام. وعندها ستحاول كييف استعادة الأراضي التي خسرتها قبل ذلك في عام 2014 عبر المفاوضات. وأشار الرئيس الأوكراني فولدومير زيليسكي إلى هذا أكثر من مرة، العودة إلى خطوط ما قبل 24 شياط/فبراير، وسيجد هذا الموقف دعما من المجتمع الدولي.
وستصبح الولايات المتحدة والغرب في المرحلة الأخيرة من الحرب لاعبين مهمين. وفي الوقت الحالي تحارب روسيا أوكرانيا مباشرة. ولكن لو دخل النزاع في حالة انسداد فالكفاح سيتحول إلى معركة بين روسيا والغرب. ماذا ستقدمه روسيا مقابل تخفيف العقوبات وماذا سيطالب به الغرب مقابل إنهاء عزلتها؟ وحتى هذا الوقت لم تظهر الولايات المتحدة موقفا واضحا وأكدت على أن القرار بيد الأوكرانيين لكي يقرروا وأن واشنطن لن تتفاوض من وراء ظهورهم. وهذه رسالة جيدة تعبر عن الدعم العام، ولكن أوكرانيا والغرب بحاجة للتوافق على سلسلة من الأهداف المشتركة وتنسيق الإستراتيجية حولها وتعبئة المجتمع الدولي بشأنها واستخدام أوراق النفوذ للنجاح. ويجب أن يكون الهدف هو أوكرانيا مستقلة تتمتع بالسيادة على معظم أراضيها، كما كانت قبل 24 شباط/فبراير مع التزامات أمنية من الغرب. والبديل عن نوع من التسوية التفاوضية سيكون حربا بدون نهاية، ستدمر البلد وأهله. وفر أكثر من 5 ملايين شخص من بلادهم وستتعطل إمدادات الطاقة والطعام وستزيد أزمة الإقتصاد والطعام في كل مكان ويتكاثف الإضطراب السياسي حول العالم، وبالتأكيد فمن الواجب البحث عن نهاية للعبة وتجنب هذا المستقبل القاتم.
القدس العربي