كما أوضحت في مقالات سابقة في «القدس العربي» زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأولى للشرق الأوسط بعد 5 زيارات خارجية، دل على تخفيض وتراجع مكانة ومركزية المنطقة في الاستراتيجية الأمريكية- مقارنة مع الرئيس دونالد ترامب الذي كانت زيارته الخارجية الأولى كرئيس إلى السعودية في مايو 2017، مخالفاً جميع الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه.
أكد البيت الأبيض والديوان الملكي السعودي الثلاثاء 15-16 يونيو 2022 أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيقوم بزيارة رسمية للسعودية بدعوة من الملك سلمان وسيجتمع مع الملك سلمان وولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان في اليوم الأول ويشارك الرئيس بايدن في اليوم التالي في قمة مشتركة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي الستة والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي. في أكبر تجمع وقمة عربية-أمريكية تضم 9 دول عربية مع الرئيس بايدن للمرة الأولى منذ بدء رئاسته في يناير 2021.
ستتمحور القضايا التي ستبحث في القمة الثنائية مع الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان على قضايا الأمن والتعاون الأمني والعسكري والتجاري والاستثمارات وحرب اليمن وأمن الطاقة وإنتاج النفط وتحديات البيئة. لكن تعلم السعودية وإدارة بايدن والجميع أن الهدف الرئيسي للزيارة هو لإقناع التزام السعودية بزيادة انتاج النفط- واستمالتها والدول الخليجية عن التقارب مع روسيا-وطمأنة الرئيس بايدن الحلفاء الذي سيجتمع معهم في قمة GCC+3))-بالتزام الولايات المتحدة بأمن الحلفاء وربما تقديم مبادرات حول الاستثمارات والتعاون ونووي إيران والحوثيين وحلفاء وأذرع إيران في المنطقة.
واقعياً تعد الزيارة انتصاراً لنهج السعودية مدعوماً بتحديات وضغوط الداخل الأمريكي الذي يعبر عنه غضب شعبي بسبب ارتفاع مستوى التضخم وأسعار السلع وخاصة الوقود الذي يتسبب باستنزاف ميزانية العائلة الأمريكية- ما تسبب بانخفاض وتراجع شعبية الرئيس الأمريكي لأدنى مستوى له منذ بدء رئاسته لمستوى الثلاثينات. وساهمت حرب روسيا على أوكرانيا والعقوبات الأمريكية والغربية ومقاطعة النفط والغاز الروسي كجزء رئيسي من العقوبات بارتفاع أسعار الوقود لمستويات قياسية حيث لأول مرة في التاريخ يتجاوز سعر غالون البنزين في محطات الوقود في الولايات المتحدة 5 دولارات للبرميل في ولايات أخرى بلغ 6 -ما يعد تجاوزا للخط الأحمر. أجبر هذا الواقع الصعب بايدن على تغيير موقفه من السعودية من مقاطعتها وعدم التعامل والتواصل سوى مع الملك سلمان-إلى زيارتها والاجتماع مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي قاطعه منذ اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. حتمت الواقعة السياسية على بايدن أن يتراجع عن مواقفه وينهي مناكفته. خاصة أن السعودية أرسلت رسائل طمأنة لإدارة بايدن حول الاستعداد للتعاون.
هل سينجح الرئيس بايدن في زيارته للمنطقة بطمأنة الحلفاء المشككين، وفي نزع فتيل التصعيد ووقف ليس قرع طبول الحرب في المنطقة بل في احتوائها
أكد نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان شقيق الأمير محمد بن سلمان لموقع بولتيكو الإخباري الأمريكي-تدرك إدارة بايدن الأهمية الاستراتيجية للسعودية كحليف مهم وأنه من الصعوبة تحقيق إنجازات أمنية واقتصادية في المنطقة والاقتصاد العالمي بدون دور ومشاركة السعودية. وأن العلاقات السعودية-الأمريكية هي حجر الزاوية في استقرار المنطقة والاقتصاد العالمي- وأن السعودية مهتمة بتحديد العلاقة مع الولايات المتحدة في هذا القرن.
المعضلة في العلاقة الخليجية مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال ثمانين عاماً أنها ليست علاقة متوازية بين ندين، بل بين أقوى قوة عسكرية واقتصادية في النظام العالمي، تقود محورا ليبراليا ديمقراطيا يؤمن بالسوق الحرة والحريات والديمقراطية والمشاركة السياسية والهيمنة على النظام العالمي-ولا يهرول عبثاً ويولي تأثير قضايا وصراع الخارج على الداخل الأمريكي وتذبذب الموقف الشعبي من الرئاسة وقيادات الحزب في البيت الأبيض سواء كان ديمقراطياً كحال بايدن وأوباما أو جمهورياً كحال بوش وترامب-ولفهم السياسة والمواقف الأمريكية وتحولاتها علينا أن نقرأ ونستوعب المصطلح الأمريكي الشهير-All Politics Is Local-لفهم كلي لتحولات ومواقف السياسة الخارجية الأمريكية علينا قراءة انعكاسها وتأثيرها على الداخل والمواطنين الأمريكيين-كحال ارتفاع التضخم وزيادة أسعار السلع وخاصة الوقود. والطرف الآخر في معادلة العلاقات الأمريكية-الخليجية-هو الطرف الخليجي-لأنظمة وراثية، محدود القدرات العسكرية والاقتصادية بالمقارنة مع الولايات المتحدة والقوى المؤثرة في النظام العالمي. وتحتاج للحماية والتعاون والوجود العسكري الأمريكي-وطمأنة الحلفاء أن الانكفاء الأمريكي السياسي والعسكري والتحول لاحتواء تمدد الصين وتدخلات وحروب روسيا لن يكون على حساب الوجود والالتزامات الأمريكية. هذه الحقيقة هي حجر الزاوية وأهم ما يحتاج القادة الخليجيون والعرب لسماعه كالتزام وليس شعاراً من الرئيس جو بايدن. وبذلك تكون القمة وزيارة الرئيس بايدن حققت هدفها الواقعي والحقيقي.
تأتي زيارة الرئيس بايدن الأولى للشرق الأوسط من 13-16 لإسرائيل والضفة الغربية والسعودية في قمة ثنائية وقمة جماعية تضم 9 دول خليجية وعربية، لتحقيق أهداف تخدم مصالح الطرفين.
تأتي الزيارة على خلفية تصعيد غير مسبوق يعيد ويستحضر أجواء حرب تموز صيف 2006 بين إسرائيل ولبنان وفي خضم حرب ظل واغتيالات داخل طهران وحرب سيبرانية ضارية بين إسرائيل وإيران تمتد من المتوسط وسوريا ولبنان إلى قلب طهران تستهدف برنامج ومفاعلات إيران النووية وعلماء الذرة وقيادات في الحرس الثوري وتهديد بتسوية تل أبيب وحيفا بالأرض، وخشية خطف واغتيال إسرائيليين في تركيا..
وتهديد أمين عام حزب الله بمنع إسرائيل من التنقيب عن النفط والغاز في منطقة لبنانية تجارية بحرية خالصة للبنان…والرد بتهديد رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي افيف كوخافي: نتعامل مع 6 جبهات قتال ونواجه تهديدات أبرزها النووي الإيراني-وسنستهدف أهدافا عسكرية ومدنية تدعم الإرهاب، وتتضمن خططنا تدمير آلاف الأهداف في ويبقى التحدي الحقيقي، هل سينجح الرئيس بايدن في زيارته للمنطقة بطمأنة الحلفاء المشككين، وفي نزع فتيل التصعيد ووقف ليس قرع طبول الحرب في المنطقة بل في احتوائها ومنعها؟
العربي الجديد