على الرغم من مرور ستّ سنوات على المحاولة الانقلابية الفاشلة في ليلة الخامس عشر من يوليو/ تموز عام 2016، إلا أن هذا اليوم شكّل تاريخا فاصلا في حاضر الجمهورية التركية ومستقبلها، فلا شك أن تلك الملحمة التي رسمها الشعب التركي بدمائه وتضحياته، حين تصدّى، بكل بسالةٍ، لدبابات الخونة، كانت وستظل علامة فارقة وسياجا آمنا للحفاظ على الحرية والديمقراطية وسيادة الأمة.
في هذا اليوم العظيم، نبارك للشعب التركي والأحرار في العالم انتصار الإرادة القوية والمبادئ الصلبة، واستمرار مسيرة الشرعية التي اختارها الشعب، وإنقاذ الجمهورية وتاريخها من حفنة المنقلبين القتلة الذين خطّطوا لخطف السلطة عبر البنادق وإراقة الدماء.
في هذه الذكرى، ونحن نحتفل بالانتصارالعظيم، لا بد أن نستذكر دماء الشهداء التي سالت على جسر الخامس عشر من تموز، وفي شوارع إسطنبول وأنقرة وباقي المحافظات. نفخر بهؤلاء الأبطال الذين سطّروا أروع المعاني في الدفاع عن إرادتهم ووطنهم بكل إيمان وصمود، ونحيّي المصابين الذين وقفوا بلا خوف أو تردد في وجه الآلة العسكرية الغاشمة. وأيضا نشكر حلفاءنا الذين كانت لهم مواقف داعمة للشعب التركي وللشرعية والإرادة الوطنية، وفي مقدمتهم دولة قطر الشقيقة، بمواقفها المشرفة قيادة وشعبا، حيث بادر صاحب السموّ، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، منذ اللحظات الأولى إلى دعم القيادة التركية وإعلان موقف شجاع في دعم الشرعية والديمقراطية وإدانة الانقلاب.
لقد تضافرت في هذه الليلة جهود الأمة التركية مع قيادة صلبةٍ شجاعةٍ تمثلت في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تصدّى بكل حزم وعزيمة لأعداء الحرية والديمقراطية، ولم يتردّد في تصدّر الجماهير في مواجهة الانقلابيين.
لقد مثّلت هزيمة الانقلاب صفعة قوية لأعداء الشعب التركي في الداخل والخارج، فقد جاء هذا اليوم بعد محاولاتٍ عدة من خلال مؤامرات التنظيمات الإرهابية وأعداء الحرية. لقد حاولت تنظيماتٌ، مثل الفيتو (جماعة فتح الله غولن)، بشتى الوسائل، خداع الشباب والجنرالات، عبر ضخّ أموال وأفكار سامّة، وعاشت بأوهام السيطرة على مؤسّسات الدولة، ولكنها سقطت أمام مقاومة الشعب التركي الذي خرج بالآلاف للدفاع عن الوطن.
هزيمة الانقلابيين وحلفائهم لم تكن نهاية المؤامرات، بل واجهت الدولة، من بعدها، محاولات الهدم بكل أشكالها من أعداء تركيا داخليا وخارجيا
ومنذ ذلك اليوم، انطلقت القيادة التركية، وعلى رأسها الرئيس أردوغان، في مرحلة جديدة من تعزيز الاستقلال السياسي، وحفظ إرادة الشعب، وتهيئة المؤسسات نحو عهدٍ جديدٍ لا يقبل بالانقلابات، ولا يخضع للمجرمين، ويواجه بكل حزم من يتلاعب بمصير الشعب والدولة. إن هزيمة الانقلابيين وحلفائهم لم تكن نهاية المؤامرات، بل واجهت الدولة، من بعدها، محاولات الهدم بكل أشكالها من أعداء تركيا داخليا وخارجيا، فبعد انتصار الشعب وقيادته على الانقلابيين وأنصارهم، حاولوا تكبيل نهوض تركيا من خلال الحرب الاقتصادية والتلاعب بثروات الوطن والإضرار بالعملة الوطنية وإرباك مناخ الاستثمار والإنتاج في جريمة أخرى ضد الشعب. وقد سعت الحكومة التركية، بكل قوتها، إلى مواجهة الحرب الاقتصادية الطاحنة من جهاتٍ مشبوهة داخليا وخارجيا، وطرحت إجراءاتٍ وسياساتٍ عديدة من أجل حصار محاولات الهدم في الجانب الاقتصادي.
وخلال السنوات الماضية، واجهت الحكومة التركية تحدّياتٍ عديدة، على الصعيدين، المحلي والدولي:
أولا، التحدّيات الجيوسياسية وحفظ الأمن القومي من المخاطر والتهديدات، فنجحت في بناء مناطق آمنة على الحدود مع سورية، بحيث تضمن الأمن للأراضي التركية، وتوفر بيئة مناسبة لعودة اللاجئين بصورة كريمة.
ثانيا، الحفاظ على حقوق الشعب التركي في البحر المتوسط، عبر اتفاقاتٍ تراعي الشرعية الدولية بالاتفاق مع الحكومة في ليبيا.
ثالثا، تخطي أزمة وباء كوفيد بكل نجاح واقتدار، عبر سياساتٍ متوازنةٍ تخدم الأولوية الصحية لحماية المواطن، وتأمين الرعاية اللازمة عبر مؤسسات صحية متطوّرة ومجهزة بشكل يليق بالمواطن التركي، وتحقيق صمودٍ لا مثيل له في مواجهة هذا الوباء، وتراعي الجانبين، الاجتماعي والاقتصادي، عبر دعم المواطن والمشروعات المتضرّرة من خلال حزم ضخمة من التمويل في المجالات كافة، بالإضافة إلى الدور الإنساني المشرّف للحكومة التركية في ظل هذا الوباء، من خلال دعم الدول الأكثر احتياجا بالأجهزة والمستلزمات الطبية وتوفير اللقاحات والأدوية والمعدات.
كما نجحت تركيا في الانتصار على الانقلابيين وتجاوزِ التحدّيات، سوف تنجح في تجاوز الموجة الحالية من التضخّم والتقلبات الاقتصادية
رابعا، العودة الآمنة للإنتاج والاستثمار، وبأرقام لم يسبق لها مثيل على مستوى التصدير والتعاملات التجارية، رغم كل محاولات التلاعب بأسعار العملات عبر شبكات مشبوهة.
خامسا، التفوق الهائل في مجال الصناعات الدفاعية والعسكرية، حتى باتت تركيا رقما صعبا في هذا المجال.
سادسا، صياغة سياسة خارجية متوازنة في بيئة دولية شديدة التعقيد، تهدف إلى الحفاظ على علاقات دولية مستقرّة ومراعاة مصلحة تركيا وحلفائها، خصوصا في ظل الصراعات المحيطة بالدولة، والنجاح في لعب دور محوري في محاولات خفض التوتر بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
سابعا، الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي، مثل القضية الفلسطينية، والحرص على بناء علاقات جيدة مع العمق الإسلامي والدول العربية، والتي تجلّت في توطيد الشراكة الاستراتيجية مع دولة قطر، والانطلاق في تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وباقي الدول والفاعلين بالمنطقة.
وكلنا ثقةٌ بأنه كما نجحت تركيا في الانتصار على الخونة والانقلابيين، وتمكّنت من تجاوز كل هذه الصعاب والتحدّيات، سوف تنجح في تجاوز الموجة الحالية من التضخّم والتقلبات الاقتصادية التي تعاني منها دول العالم، فالحكومة التركية حريصةٌ على وضع التدابير التي تحفظ للمواطن التركي حياة كريمة مستقرة. فالهدف الأساسي للدولة هو التحرّر من التبعية الاقتصادية ودعم الاستثمار والإنتاج، وصولا إلى تحقيق النمو والرفاه الدائمين للشعب التركي العظيم.
إن مسيرة الحرية والاستقلال التي بدأت في الخامس عشر من يوليو/ تموز بفضل الإيمان والتضحية وعزيمة الشعب، نؤمن بأن تركيا سوف تنجح في استكمالها، والانطلاق نحو حقبة جديدة على المستويات كافة، تحقق تطلعات شعبها وتؤسّس لنهضته الشام