في وقت مبكر من قرار الرئيس بايدن بزيارة جدة، أشارت الإدارة الأمريكية إلى نواياها حول زيادة إنتاج النفط السعودي، لكن الحقائق حول قدرة هذا الإنتاج وتوقعات الطاقة العالمية يجب أن تخفف من أي توقعات أمريكية للتوصل إلى حل سريع.
تتعرض الأولوية التي يضطلع بها أمن الطاقة في العلاقة التاريخية بين أمريكا والمملكة العربية السعودية لضغوط. فعندما غزا صدام حسين الكويت قبل اثنين وثلاثين عاماً وهدّد حقول النفط السعودية المجاورة، تجاهلَ الملك فهد مناشدات كبار الأمراء الحذرين الذين أرادوا مهلة زمنية للتفاوض بشأن الموضوع، وبدلاً من ذلك طلب المساعدة الفورية من واشنطن. وقد استجابت هذه الأخيرة بسرعة وأرسلت نصف مليون جندي أمريكي وقوة متعددة الجنسيات إلى المنطقة. لقد كان توضيحاً مثالياً للتفاهم الاستراتيجي طويل الأمد بين الحكومتين، والذي تمثل بقيام السعودية بتزويد العالم بالنفط، و[التزام] الولايات المتحدة بالدفاع عن آل سعود.
لقد تغير هذا التفاهم إلى حد ما في العقود التي مضت منذ ذلك الحين، لا سيما حول مسألة إبقاء النفط متاحاً للمجتمع العالمي بسعر معقول. وتتمتع الرياض بنفوذ كبير في هذا الأمر بفضل امتلاكها احتياطيات ضخمة وطاقة فائضة، إلا أن تصوراتها لـ “السعر المعقول” نادراً ما تتطابق مع تصورات الدول المستهلكة، ناهيك عن سائقي السيارات في محطات البنزين.
لقد تم تحديد الهدف المعلن من زيارة الرئيس بايدن [إلى إسرائيل والسعودية] هذا الأسبوع في مقالته في صحيفة “واشنطن بوست” في 9 تموز/يوليو. فقد نوّه إلى رغبته في “تعزيز شراكة إستراتيجية للمضي قدماً تستند إلى المصالح والمسؤوليات المتبادلة”، ثم أشار إلى أن موارد الطاقة في الشرق الأوسط “حيوية للتخفيف من التأثير على الإمدادات العالمية لحرب روسيا في أوكرانيا”. وكان المقطع الأخير موجهاً بوضوح إلى السعودية على وجه الخصوص، حيث لا يوجد حليف إقليمي آخر لديه القدرة على لعب مثل هذا الدور.
وبالنظر إلى أن الاتفاقات المعلنة في الاجتماعات الدبلوماسية رفيعة المستوى، والتي عادة ما يتم وضعها مسبقاً عبر ساعات من عمل الموظفين والمساومات على المستوى الأدنى، فإن بعض الرسائل الأخيرة التي وجّهتها واشنطن تشير إلى أنها لم تحصل بعد على دعم الرياض الكامل في بعض الأمور، لا سيما في التعاون في سوق النفط السعودي مع موسكو. على سبيل المثال، أفاد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان علناً في 11 تموز/يوليو أن روسيا تشتري طائرات مسيّرة من إيران لكي تستخدمها في أوكرانيا، وبدا إعلانه موجهاً جزئياً على الأقل للرياض – ربما كانت هذه طريقة الإدارة الأمريكية في سؤال السعوديين عن سبب توسيع تعاملاتهم النفطية مع روسيا في وقت تشتري فيه موسكو أسلحة من أكبر خصمٍ لهم. وعلى الرغم من أن الرياض زادت صادراتها النفطية إلى حد ما خلال الأشهر القليلة الماضية استجابةً لضغوط الولايات المتحدة، إلا أن استعدادها للقيام بذلك نابع إلى حد كبير من توافر زيت الوقود الروسي المخفّض بشدة، والذي كانت تشتريه بكميات أكبر بكثير للاستخدام المحلي. كما علّقت منشورات “ميس” المختصة في مجال الصناعة بقولها، “عندما دعا القادة الغربيون [المملكة العربية السعودية] إلى زيادة إمداداتها، لم تكن هذه هي الطريقة التي كانوا يعتزمون حدوثها”.
ويقيناً، أن المملكة ليست الدواء الشافي لارتفاع الأسعار الحالي، على الأقل ليس بمفردها. ويبلغ إنتاج النفط السعودي حالياً حوالي 10.5 مليون برميل يومياً، مع مليون برميل إضافي متاح كسوائل الغاز الطبيعي. كما تملك السعودية طاقة فائضة تقدر بنحو 1.5 مليون برميل في اليوم، مما يجعل المجموع النظري 13 مليون برميل. ولكن حتى لو كانت الرياض على استعداد لاستخدام كل هذه السعة – بالمناسبة: إنها غير مستعدة – فستظل هناك شكوك حول السرعة التي يمكن بها شحن النفط الإضافي وإلى متى يمكن أن يستمر ذلك.
وعلى الرغم من هذه القيود، بإمكان السعوديين على وجه التأكيد تغيير الأجواء من خلال زيادة الإنتاج والنأي بأنفسهم عن روسيا، زميلتهم في تحالف أعضاء “أوبك بلس”. وهذا في حد ذاته سيكون انجازاً كبيراً.
ومع ذلك، يجب أن تخفف التوقعات الاقتصادية وتوقعات الطاقة الحالية من مقدار التفاؤل الذي يقرر المسؤولون إبداءه في هذا الصدد. ففي 12 تموز/يوليو، أصدرت “منظمة الدول المصدّرة للنفط” (الجانب الذي تتزعمه السعودية من منظمة “أوبك +”) إحصائيات تتوقع نمواً قوياً بل بطيئاً للغاية في استهلاك النفط بناءً على التعافي من جائحة فيروس كورونا (“كوفيد-19“)، مما يقلل من المخاوف من حدوث ركود. ولكن هذا النمو يبدو غير مرجح – كما غرّد المحلل خافيير بلاس على موقع “تويتر” قائلاً: “لن يحدث ذلك”. وفي اليوم نفسه الذي صدرت فيه توقعات “أوبك”، حذر فاتح بيرول، رئيس “وكالة الطاقة الدولية” التي مقرها في باريس، من أن النقص في إمدادات الطاقة قد يشتد، مما يزيد من الضغط التصاعدي على أسعار الكهرباء والبنزين، وأضاف: “لم يشهد العالم أزمة طاقة كبيرة كهذه، من حيث عمقها وتعقيدها. ربما لم نشهد أسوأ ما في الأمر حتى الآن”.
وبشكل مساعد، تراجعت أسعار النفط هذا الأسبوع إلى ما دون السعر الأساسي الذي بلغ 100 دولار للبرميل الواحد. ومهما كانت المسائل الأخرى المدرَجة على جدول أعمال الرئيس بايدن خلال زيارته للسعودية، فمن المحتمل أن تحظى هذه القضية بأكبر قدرٍ من الاهتمام. ومع ذلك، فإن إحراز أي تقدم إضافي في قضايا الأسعار والإمدادات سيرتبط بالضرورة مع تحقيق تقدم دبلوماسي بين الرئيس الأمريكي وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي هو السعودي الوحيد الذي يتردد بايدن في مقابلته.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن