الرئيس التونسي يفتح كلّ ملفات الجرائم الجمركية في حربه ضد الفساد

الرئيس التونسي يفتح كلّ ملفات الجرائم الجمركية في حربه ضد الفساد

طالب قيس سعيّد بتسوية ملفات حوالي 700 حاوية لشبكة من المهربين طالت الإجراءات في فتحها وإحالتها على القضاء، فضلا عن الملفات المتصلة بالصرف، ما يشير إلى نوايا الرئيس في مواجهة ملف الجرائم الجمركية بكل قوة.

تونس – دعا الرئيس التونسي قيس سعيّد، في إطار مكافحة الفساد، إلى ضرورة فتح كل ملفات الجرائم الجمركية (التهريب) دون أي استثناء وإحالتها على القضاء، في مسعى لإنقاذ الاقتصاد المأزوم والتصدي للتجاوزات التي تهدد مؤسسات الدولة وشعبها.

وأعلنت رئاسة الجمهورية الاثنين أن الرئيس قيس سعيّد أكد خلال لقاء جمعه بقصر قرطاج بكلّ من توفيق شرف الدين وزير الداخلية وسهام البوغديري نمصية وزيرة المالية ونجاة الجوادي المديرة العامة للجمارك، على “ضرورة فتح كل ملفات الجرائم الجمركية دون أي استثناء، باعتبار أن ما حصل خاصة بعدد من الموانئ مازال متواصلا”.

ونقلا عن بلاغ صادر للرئاسة التونسية نشرته بصفحتها على موقع فيسبوك، اعتبر سعيّد أن “هذه الجرائم تخريب للاقتصاد الوطني وسطو على حقوق الشعب والدولة”.

وأشارت الرئاسة إلى أن من “بين أهم المواضيع التي أثارها سعيّد ملفات حوالي 700 حاوية لشبكة من المهربين طالت الإجراءات في فتحها وإحالتها على القضاء، فضلا عن الملفات المتصلة بالصرف والتي لا تقل خطورة عن ملفات هؤلاء الذين ينخرون الاقتصاد الوطني”.

وأدّى وزير الداخلية ووزيرة المالية الاثنين زيارة ميدانية للميناء التجاري ببنزرت (شمال)، في إطار متابعة ملف الحاويات العالقة تحت نظام العبور البري والخاضعة لأبحاث جزائية مأذون بها من قبل القطب القضائي الاقتصادي والمالي والمحكمة الابتدائية ببنزرت، مرفوقين بالمدير العام آمر الحرس الوطني والمديرة العامة للجمارك.

مراد علاّلة: هذا الملف هو اختبار لمدى تعافي مؤسسات الدولة وخصوصا القضاء
وتمّ وفق بلاغ صادر عن وزارة الداخلية، التطرّق إلى “الصعوبات المتعلّقة بالتأخير الحاصل في ملف الحاويات، بغاية استكمال إجراءات البحث والتفتيش والتوصية بالمزيد من التنسيق بين مصالح إدارة الاستخبارات والأبحاث للحرس الوطني وإدارة الأبحاث الجمركية، سواء بخصوص عدد 23 حاوية موضوع الأبحاث الجارية أو بخصوص الإفادة بوجود عدد 650 حاوية أخرى بالميناء المذكور موضوع شبهة جدية في التهريب، حيث تمّت معاينة البعض منها وإعلام النيابة العمومية ببنزرت في شأنها، قصد استصدار الأذون لفتح الأبحاث اللازمة”.

وتم عقد جلسة عمل في الغرض لتسريع إجراءات مواصلة فتح الحاويات المذكورة والتي توقفت منذ السادس والعشرين من مايو الماضي، والقيام بالمعاينات اللازمة ورفع المخالفات المتعلقة بها قصد مواصلة الأبحاث الجارية في شأنها وفي العدد الآخر من الحاويات، مع التشديد على أهمية حماية الاقتصاد الوطني والمال العام وتتبع كلّ المخالفين ومن يتستر عليهم والتأكيد على أنّ القانون فوق الجميع.

ويرى مراقبون أن الرئيس سعيّد شرع في فتح الملفات الشائكة والمعقّدة التي يطالب بفتحها التونسيون منذ سنوات، خصوصا بعد المصادقة على الدستور في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، كما أن هذه الخطوة ستكشف مدى جدية القضاء في فتح تلك الملفات.

وأفاد الكاتب والمحلل السياسي مراد علاّلة بأن “الرئيس سعيّد ربما يشعر بنوع من الارتياح بعد الاستفتاء على الدستور، ويريد أن يبرهن لأنصاره وحتّى خصومه السياسيين أنه ماض في استكمال مشروعه بفتح الملفات، وهاهو الآن يدعو إلى فتح ملف الجمارك”.

وقال لـ”العرب”، “الحاويات تمثل فضيحة لأنها توجد لفترات طويلة بالموانئ وتثير شبهات، والرئيس سعيّد أراد أن يوجّه رسالة إلى الوزارات المعنية من خلال ذلك، وهي نزيف للاقتصاد المحلي باعتبارها مجهولة المصدر، وبعضها يمثل خطرا وقنابل موقوتة، يمكن أن تهدّد السلم والأمن بالبلاد”.

وأضاف علاّلة “هذا الملف هو اختبار لمدى تعافي مؤسسات الدولة، وخصوصا القضاء والأجهزة الرقابية، وهناك مسار تقني وفنّي وأمني معقّد سيبيّن مدى جدية فتح هذه الملفات”.

وعلى امتداد سنوات، هزت تونس ملفات فساد في الموانئ تسببت في تسلل حاويات تم التلاعب بالمعلومات المرتبطة بمحتوياتها، من بينها مواد مضرة بالبيئة.

ووصف الناشط البيئي حسام حمدي في تصريح لـ“العرب” دعوة الرئيس سعيّد إلى فتح هذه الملفات بـ”الإيجابية”، قائلا “لا بدّ أن تتجاوز هذه الدعوة الشعارات، وملف النفايات الإيطالية كان تناوله بطيئا، وكان يمكن أن تشرف عليه رئاسة الجمهورية”.

وأضاف “نأمل أن يكون فتح هذه الملفات بصفة جدية، وعلى الرئيس سعيّد والحكومة أن يكونا أكثر شفافيّة في تناول الموضوع، ولا نريدها عملية استعراضية فقط، بل يجب أيضا طرح التفاصيل والمعلومات الدقيقة بشأنها، فضلا عن أهمية دور السلطة القضائية في تناولها”.

وخلال مارس الماضي، قال وزير الداخلية توفيق شرف الدين “تم إجراء أبحاث في علاقة بعمليات جمركية” وصفها بـ”الخطيرة”، مؤكدا “قد اتضح أن هناك خروقات جمركية لسنوات وكبدت الاقتصاد التونسي الآلاف من المليارات”.

حسام حمدي: على الرئيس سعيد والحكومة الاتصاف بالشفافية في الموضوع
وأضاف خلال ندوة صحافية، بمناسبة انعقاد الاجتماع الدوري لمديري الأقاليم ورؤساء المناطق الجهوية للأمن والحرس الوطنيين، “حتى عملية سرقة مقر الاستعلامات الخاص بالجمارك، هناك شبهة كبيرة بأنها تمت أساسا للتغطية على جرائم جمركية، وربما تورطت فيها شخصيات نافذة في الجمارك”. وتابع شرف الدين “هناك شبهة تورط مسؤول سابق بارز في الجمارك، والقانون سيطوله والأبحاث ستكون هي الفيصل”.

ولا يزال القضاء التونسي ينظر في أزمة النفايات الإيطالية المصدرة إلى تونس، والتي وصلت إلى ميناء سوسة (وسط) في 282 حاوية عام 2020 عبر شركة تونسية، في قضية أطاحت بوزير البيئة من منصبه ويُلاحق فيها مسؤولون آخرون قضائيا. وتوصلت السلطات التونسية في فبراير الماضي إلى اتفاق مع السلطات الإيطالية على إرجاع حاويات النفايات إلى مصدرها.

ويردد الرئيس سعيّد، الذي فرض التدابير الاسثنائية منذ أكثر من عام وعرض دستورا جديدا على الاستفتاء يعزز من صلاحياته بشكل كبير، في خطاباته أنه يريد تصحيح مسار الثورة ومكافحة الفساد والفقر، لكن خصومه يتهمونه بالتأسيس لحكم فردي والترويج للشعبوية.

وفي وقت سابق، عقدت اللجنة الفنية الجمركية المشتركة التونسية – الجزائرية اجتماعا بتونس العاصمة أيام السادس والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين من يوليو الماضي، حسبما أفاد به بيان للمديرية العامة للجمارك.

وتناول جدول أعمال اللجنة مختلف المحاور ذات الاهتمام المشترك بين الجهازين الجمركيين للدولتين المتجاورتين، وبحث مجالات التعاون والتنسيق من أجل تسهيل وسلاسة الحركة الحدودية للمسافرين والبضائع، ومكافحة التهريب، وتكريس مبدأ التعاون في مجال التكوين والتدريب الجمركيين، عملا بأحكام اتفاقية التعاون الإداري المتبادل بين البلدين المبرمة بتونس بتاريخ التاسع من يناير 1981.

وأكد الطرفان ضرورة تنسيق الجهود المشتركة الكفيلة بتعزيز أواصر الصداقة والتعاون بين البلدين في المجال الجمركي، باعتبار المهام المحورية المنوطة بجهاز الجمارك كأداة فعالة في مجال حماية الاقتصاد الوطني، والمساهمة في ترقيته عبر مختلف التسهيلات الجمركية الرامية إلى ترقية الاقتصاد والاستثمار المنتج.

العرب